رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حدث على مدار أسبوعين

مضت على خير أيام فعاليات مؤتمر المناخ العالمي، والذي شهد نجاحًا تنظيميًا يحسب للإدارة المصرية التي أثبتت ما اعتدناه وحققت ما انتظرناه من جودة الترتيب ودقة التنظيم وهو ما يؤكده نجاحها المشهود في استضافة هذا العدد الضخم من الشخصيات العالمية عالية المستوى من قادة دول العالم، والناشطين في شأن المناخ، والإعلاميين الذين استضافتهم مصر خلال الأسبوعين الماضيين.
والنتيجة النهائية كانت نجاحًا كبيرًا شهد به ضيوف المؤتمر وإشادة بحسن التنظيم جاءت كلها كشهادات موضوعية تسعد وتشرف كل المصريين.
هل الأمر كذلك بالفعل، أن نجاح هذا المؤتمر قد أسعد "كل" المصريين؟ إن طلبت مني الدقة، فدعني أعدّل العبارة إلى "نجاح أسعد كل المصريين "الوطنيين".
لن أعتذر عن تلك المفردة وإن كانت ضد قناعاتي، فأنا لست من أولئك الذين يمنحون صكوك الوطنية لمن يتشاركون معهم في الرؤى والمواقف في حين يبادرون بسحبها ممن يختلفون معهم، ولكن الأمر هنا مختلف تمامًا إذ يرتبط الموقف بحدث عالمي يتطلب من المحب أن يبدي حسن نيته ويتراجع عن انتقاد محبوبته أو تجريحها أو الإساءة إليها أمام ضيوفها - حين تكون بصدد حدث على هذا المستوى من الأهمية - إن كان حقًا مخلصًا في محبتها.
أما أولئك الذين ينتهزون الفرصة للتجريح والانتقاد استغلالًا لحدث بهذه الضخامة فكيف لنا أن ننسّبهم لهذا الوطن وأن نحسبهم ضمن محبيه حتى وإن سلمنا بانتمائهم إليه ميلادًا.
لم يكن مستغربًا ما أظهره المصريون من دعم للدولة ضد دعوة البعض لمحاولة إحراجها وإفساد مؤتمر تنظمه بهذا المستوى العالي من الرقي والدقة والموضوعية والزخم، وسيظل هذا درسًا وحدثًا فاصلاً وليس مجرد موقف عابر، يستدعي من أولئك المتربصين إعادة حساباتهم ودراسة سيكولوجية المواطن المصري الذي لا يعرفونه ليفهموا كيف يبقى المصري مخلصًا لوطنه - حتى وإن اختلف في بعض الأمور أو انتقد بعض المواقف وهذا وارد - أما أن تحاول أو أن تفكر في إفساد فرحة وطنك بفرض رأيك أو إرهاب ضيفك فهذا كفيل بنبذ كل الوطنيين لك بل ونبذك بين أعضاء الجماعة الوطنية.
ورغم عظمة الحدث وضخامته إلا أننا لم نلحظ وجود تقصير أمني في طول البلاد وعرضها، على مدار أيامه التي امتدت لأسبوعين كاملين وهو ما يحسب لأجهزة الأمن وقياداته وأفراده.
الإشادة واجبة أيضًا بتلك المتابعات الإعلامية التي جاءت موفقة جدًا من مختلف وسائل الإعلام، وبما يحسب لصناع الكلمة المقروءة والمسموعة والمرئية، فقد كانت تغطية الحدث ناجحة غلبت عليها الموضوعية والمهنية بعيدًا عن المبالغات أو الحشد في غير موضعه.
ويحسب للدولة المصرية كذلك أنها لم تجمّد نشاطاتها لأجل هذا الحدث - على ضخامته - فخلال أيامه الممتدة لنحو أسبوعين، استمرت الحكومة في إدارة العمل بكل الوزارات والهيئات حسب المخطط والمعتاد.
كما واصل رئيس الجمهورية نشاطه على المستوى المحلي باجتماعات كثيرة من بينها: اجتماع لمتابعة موقف المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، وثان لمتابعة الموقف التنفيذي للمتحف المصري الكبير، وثالث للاطّلاع على مستجدات تطوير منطقة شرق الإسكندرية، وآخر لمناقشة الاستراتيجية المستقبلية لقطاع السياحة، واجتماع غيره لبحث موقف المشروعات القومية لاستصلاح الأراضي والإنتاج الزراعي.
تلك إذن دولة تمتلك نظرة شاملة لأمورها، وتدرك أين تخطو وتدرس متى تتحرك وتحسب مواقفها بدقة وتجهز ردود أفعالها تجاه الطارئ من الأحداث.
ورغم كل هذا الزخم السياسي تواصل مصر نشاطاتها على كل المستويات بما في ذلك عالم الفن والسينما بتنظيم دورة جديدة من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي تضمّن افتتاحًا موفقًا وعروضًا متعددة وندوات شارك فيها كبار النجوم وبالتوازي تستضيف مصر وتحديدًا محافظة الجيزة فعاليات المؤتمر الـ25 للمجلس العربي للاتحاد العام للأثريين العرب برئاسة الدكتور محمد الكحلاوى وبحضور ممثلين عن جامعة الدول العربية ومنسقي المجلس بالدول العربية ولفيف من علماء الآثار والإعلاميين العرب.
تلك هي رسائل الدولة المصرية للمتربصين خلال أسبوعين فقط تقول لهم بثقة: خيّب الله كل مسعى تريدون به الكيد لوطننا وسننجح - إن شاء الله - في تحقيق أهدافنا طالما استمر هذا التناغم بين المواطن وقيادات الوطن، وسنظل نلفظ كل متآمر أو خائن أو عميل يريد بنا شرًا أو يحاول إحراج الوطن بادّعاء الوطنية لتحقيق مآرب شخصية أو مكتسبات سياسية.