رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أنت جواب السؤال.. رسائل هيرمان هسة للشباب

فى واحد من أجمل الكتب التى قرأتها هذا العام «أنت جواب السؤال» رسائل مختارة إلى الشباب، يقول الكاتب الألمانى هيرمان هسة «١٨٧٧-١٩٦٢»: «الحقيقة لا تتغير، والحق لا يتغيّر، حتى وإن رأيناه بوجوه متباينة».

هذه العبارة تجعلنا نفكر فى الأشكال المتعددة التى قد يرتديها الخير أو الشر فيلتبس علينا الأمر، يقول مفيستو فى مسرحية «فاوست» لجوته إنه «ابن القوة التى تسعى دائمًا وراء الشر، لكنها لا تصنع إلا الخير». والعكس بالعكس أيضًا، فهناك عدد لا يحصى من البشر يسعون دائمًا وراء الخير لكنهم لا يصنعون إلا الشر ولا يعرفون إلا لغة العنف، ويفقرون بصنيعهم مملكة الرب الغنية. من بين هؤلاء الكهنة ورجال الدين.

يهتم هيرمان هسة الحائز على جائزة نوبل للآداب عام ١٩٤٦ بفكرة البصيرة واليقظة والوعى بالنفس والعالم المحيط بنا، وكيف أن أهم ما يفيد الإنسان هو إدراك قيمة الحياة والمساهمة فيها بفاعلية، يقول فى إحدى الرسائل: «إذا استولى عليك شعور بأن محاولاتك الأدبية تعينك على رؤية نفسك ورؤية العالم رؤية أوضح، وأن ما كتبته يشحذ عزيمتك على خوض غمار الحياة، ويجلو معدن ضميرك، فالزم مقام الأدب، ولا يهم إن صرت كاتبًا أو لا، المهم أن ما كتبته سيصنع منك إنسانًا واعيًا بقيمته فى الحياة، إنسانًا يقظًا، حاد البصيرة. أما إذا اكتشفت أن كتابة الأدب والاستمتاع بها ستقف حجر عثرة فى مشوار حياتك ولو فى أضيق الحدود، وأنها ستغويك بسلوك طرق جانبية، نهايتها الغرور وتبلد المشاعر، فألقِ بكل القصائد والنصوص وكل ما كتبته، بل وكل ما كتبناه جميعًا، وراء ظهرك». 

الرسائل فى الكتاب الذى صدر فى طبعته الألمانية عام ٢٠٠٠ وفى طبعته العربية بترجمة أحمد الزناتى عام ٢٠٢٠، هى جزء صغير من آلاف الرسائل التى حرص هسة على الإجابة عن تساؤلاتها بإيجاز، لكنها فى مجملها تعطى فكرة عن رؤية هيرمان هسة لموضوعات مثل: الإيمان، اليأس، مغزى الحياة، مشكلات الشباب والمراهقة، السياسة.

ولا يتخذ هسة فى إجابته على التساؤلات التى يرسلها الشباب إليه موقف الواعظ أو الناصح بل يرد بتعاطف ومحبة «.. لا أملك تعاليم ثابتة، مقولبة، جاهزة لكى أقدمها إلى الآخرين، أنا ابن التحوّل والصيرورة. لا تحدونى أى رغبة فى أن أبيّن للناس طريقهم فى الحياة، طالما جرّبتُ دروبًا كثيرة فى الحياة، ورسمتُها داخل أعمالى، إما بشكل ساخر أو بشكل جاد».

ويحث الكاتب الكبير القارئ على أن يستكشف نفسه «أنت جواب السؤال تضع الحياة أمام كل واحد منا مهمة خاصة خُلقت من أجله».

من هنا كان اختيار العنوان العميق «أنت جواب السؤال»، فكل شىء من الإنسان وإليه، المهم هو الصدق مع النفس. 

يلفت الانتباه فى سيرة الروائى الألمانى الكبير هيرمان هسة، محاولته العمل على تحسين وتغيير الذائقة الأدبية للقارئ الألمانى والأوروبى من خلال التقديم والتعريف بأعمال أدبية غير معروفة للقارئ الألمانى، وقد تم تجميع المقالات والدراسات التى كتبها فى الفترة من عام ١٩٢٥ حتى وفاته وتقديمها فى خمسة مجلدات ضخمة بعنوان «العالم داخل كتاب» عام ١٩٨٨، وتم تقديم مختارات من خلاصة هذه القراءات ومراجعات بعنوان «عالم الكتب». 

إضافة إلى هذه المتابعات يتجلى حرص «هيرمان هسة» على التواصل مع الكُتّاب الشباب آنذاك وتقديمهم للجمهور كما فعل مع فالتر بنيامين، جيروم ديفيد سالنجر وغيرهما.

وهو بذلك ينقل تأثير الأديب من المجال الخاص والدائرة الضيقة إلى أفق التأثير العام والمساهمة فى دفع حركة الإبداع فى كل أوجهها.

وهذا يدعونا للبحث عن آثار كتابنا ورسائلهم المتبادلة مع أساتذتهم من السابقين وزملائهم المعاصرين لهم، والأجيال الجديدة من الشباب، هل هذا التفاعل موجود فى ثقافتنا العربية؟ هل توافق أسر الكُتّاب الذين رحلوا عن عالمنا على الإفراج عن مثل هذه المراسلات؟ وإذا كان أدبنا العربى يعانى من نقص هذا التوجه، فإننا ندعو مبدعينا من الكُتّاب لاقتفاء هذا السلوك، بدعم من دور النشر المهتمة ومجموعات القراء على شبكات التواصل الاجتماعى لتكون همزة الوصل بين القراء ومبدعيهم.