رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«القاهرة الإخبارية» وسؤال حائر لمحاضر إنجليزى!

كنا نلتقي كل شتاء في عَمان، حدث صحفي سنوي يجمع ثلة من الصحفيين العرب والأجانب، وقف المدرب الإنجليزي وسط قاعة المحاضرات مستمعًا إلى زملائي ممن عددوا أسماء القنوات الدولية لبلادهم «بي بي سي عربي» «سى إن إن» «فرنسا 24» «روسيا اليوم» «سكاي نيوز عربية» «الجزيرة» «العربية»، وحينما أدار وجهه نحوي متسائلًا تعلو وجهه ابتسامة: «وأنت يا مصري لماذا ليس للقاهرة إلى الآن قناة دولية تعبر عن رؤيتها، ما الذي يؤخّركم؟»
كان ذلك فى شتاء نوفمبر 2017. بينما كانت إشارات البث فى مصر وفي نفس التاريخ تقريبًا تنقل حديث الرئيس عبدالفتاح السيسي من داخل منتدى شباب العالم في شرم الشيخ حول إعلان إطلاق قناة تليفزيونية إخبارية مصرية ذات مستوى عالمي فى وقت قريب، حتى جرت مياه كثيرة فى النهر، لتعلن الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية مؤخرًا عن إطلاق "القاهرة الإخبارية" فى يوليو 2022.

(1)
منذ سنوات تشهد مصر حراكًا غير مسبوق، يعتبره العالم حراكًا للنهضة التي أطلق شرارتها الرئيس السيسي بقرارات قاطعة وحاسمة بالسير في التقدم والتطور التي يشهده العالم فأكد ربط كل المشروعات وحتى المؤسسات بما يدور فى الخارج باعتمادات كانت أو بروتوكولات تعاون أو حتى توأمات مشتركة. لا مكان للجلوس على الضفة والانتظار ليس أفضل مستشار، لأن كثير الكثير قد فاتنا ولا وقت لإضاعة الوقت. الحل هو الخوض في النهر وبأسلحة الحاضر ومعارفه وأدواته.
"أسلحة الحاضر" حيث يمثل الإعلام رأس حربته، فالخبر لم يصبح خبرًا فى هذا العصر والبيانات الإعلامية أصبحت فى موقف صعب أمام تسونامي وسائط التواصل الاجتماعي والمنصات الرقمية، باتت القصة، المصحوبة بالتحليل والمدعومة بالأدلة والقرائن بمثابة "الزبد الذي لا يذهب جفاء"  و"الحقيقة التي تنفع الناس وتمكث في  العقول"، باتت هناك صحافة للبيانات وأخرى لـ"تتبع السلاح" و"تتبع الأموال والشركات" و"صحافة الـ leaks" (التسريبات)، النشرات البريدية والإعلام الرقمي كالبودكاست والتفاعلي و"تدقيق الحقائق".

(2)

بالطبع نحن اليوم أمام عالم مختلف، المواطن العادي قرر أن يصعد إلى المسرح وأن يشارك في القرار والأحداث، ومن جانبها تحاول وسائل الإعلام فتح أبواب المستقبل أمامه لنصبح "إحنا الخبر"، فالأمر الآن ليس رأسًا ولكن انقلبت قاعدة الهرم بـ"صحافة المواطن" الذي أصبح يحرك الأحداث ويكون فى كثير من الأحيان مصدرها.
يوميًا وبحكم طبيعة العمل، أتابع مجريات الأحداث لما يعلن عن "القاهرة الإخبارية" أبرز الوجوه المنضمة ووسائل عرض المحتوى الإعلامي تليفزيونيًا، مكاتب القناة فى لندن وروسيا والولايات المتحدة وفى العديد من المناطق الساخنة. 
اعتبر نفسي من المحظوظين الذين يعيشون ليشهدوا هذا الصرح الإعلامي العملاق، واعدًا أسرتي بأن نجتمع سويًا مع شارة البث الأولى وأصوات طواقم القناة تأتي من عواصم العالم البعيدة والمختلفة: "هنا القاهرة"، لنشهد جميعًا بفخر وفي زهو تلك اللحظة التاريخية من أيام "الجمهورية الجديدة" وإعلامها في ثوبه المختلف والمنحاز دومًا للمواطن العربي.

(3)

قُدر لي أن أكون ضمن الحاصلين على جوائز صحفية دولية ومحلية بحكم عملي كصحفي استقصائي ومراسل حربي، وصدقًا أقول إنه  قد انتهى عهد الطمأنينة في العالم العربي، حروب ونزاعات، تدخلات دولية، مصالح هنا وهناك، تكتلات تقوم وتسقط بين ليلة وضحاها، ويظل المواطن العربي حائرًا بين سيل من المعلومات المتدفقة والأنباء الموجهة أحيانًا والمغلوطة فى أحيان أخرى، ويظل مفتقدًا لبوصلة الحقيقة، لكن هل نحن كإعلاميين نبحث عن الحقيقة؟ وما هي الحقيقة فى الأساس؟ برأيي.. الحقيقة هى نقل الواقع كما هو مجردًا بسلبياته قبل إيجابياته. 
هذا المواطن العربي والمصري بالتحديد، ما زال يبحث عمن يخوض الحرب عنه وكذلك عمن يجيب عن أسئلته الحائرة، تلك الأسئلة الصعبة والملغومة والتى تتعلق بمجريات أيامه ومستقبله، لذلك أنتظر "القاهرة الإخبارية" وأخواتها من "إكسترا لايف" التى ستغطى الأحداث مباشرة ومن قلب الحدث فى مصر والعالم إلى جانب المنصة الجديدة.

(4)

أنتظر والكثير معي من طواقم القناة الوليدة ومن المشرفين عليها بأن تعمل تلك القناة وفق معايير احترافية، وتأخذ بالأساليب الحديثة، ولا تتحول إلى أداة من أدوات الدعاية، بقدر ما يجب أن تحصل على المصداقية، لتكون، بصدق، مصدر اعتماد لجمهور يموج عقله في بحر متلاطم بالأكاذيب تارة وبالأخبار الموجهة تارة أخرى.

لم أنس أن أُخبركم عما قُلته للمُحاضر الإنجليزي حينها: "مصر عاصمة الخبر رغم كل الظروف التى تموج بها، انظر إلى تلك القنوات الدولية التى استشهدت بها ستجد من يقودها ويتولى إدارة أمورها التحريرية مصريون تعلموا فى جامعات أم الدنيا وخرجوا ليعلموا العالم، كيف يكون الإعلام".