رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كيف تتحرك إسرائيل فى الملف النووى الإيرانى؟

الملف النووى الإيرانى
الملف النووى الإيرانى

عادت المفاوضات بشأن البرنامج النووى الإيرانى بين طهران والدول الكبرى إلى صدارة الأجندة الدولية، وسط اهتمام وترقب وخوف إسرائيلى.

وتصدرت هذه المفاوضات أولويات الحكومة الإسرائيلية بقيادة لائير لابيد، وكذلك قوى المعارضة والأجهزة الأمنية فى تل أبيب، واتفق الجميع هناك على "ضرورة التصدى للاتفاق النووى الجديد"، وفق تعبير وسائل الإعلام العبرية.

فى السطور التالية تستعرض "الدستور": كيف ترى إسرائيل هذا الاتفاق المزمع؟ وما أبرز بنوده التى تراها فى غاية الخطورة على مستقبلها؟ وما السيناريوهات التى وضعتها للتعامل معه خلال الفترة المقبلة؟

تل أبيب ترجح توقيعه قريبًا.. وتخشى من توفير تريليون دولار لطهران

رغم اطمئنان الحكومة الإسرائيلية إلى عدم وجود ما يؤكد التوصل إلى اتفاق حول البرنامج النووى الإيرانى فى وقت قريب، وعلى الرغم من التقدم الذى حققته المفاوضات الجارية حاليًا، لكن تنبؤات الأجهزة الاستخباراتية الإسرائيلية تميل فى اتجاه توقيع الاتفاق.

وترى هذه الأجهزة الأمنية أن الولايات المتحدة حريصة بشدة على إتمام هذا الاتفاق قريبًا، مبينة أن "واشنطن ستوقع الاتفاق فى القريب، إذا ما اتخذ المرشد الأعلى فى إيران قرارات إيجابية".

وحذرت من أن "البنود التى لا تزال موضع خلاف، هى بنود لا تعنى بالمسائل الجوهرية، مثل كمية المادة المخصبة، وقدرات التخصيب، والرقابة المستقبلية"، وفق تقارير صحفية إسرائيلية.

وكشفت هذه التقارير العبرية عن تفاصيل مضمون مسودة الاتفاق الجديد، التى تتضمن "كامل القيود والشروط المفروضة على إيران فى الاتفاق الأصلى القديم الموقع فى ٢٠١٥، وأهمها الرقابة الكاملة على البرنامج النووى، وتنازُل طهران عن مطالبتها برفع (الحرس الثورى) من قائمة التنظيمات الإرهابية، مقابل رفع العقوبات".

وفقًا لصحيفة "إسرائيل اليوم" العبرية، توصل الطرفان "إيران- القوى الكبرى" إلى اتفاق فى مسألة "الحرس الثورى الإيرانى"، لكن لا تزال هناك مجموعة من "الملفات المفتوحة"، والتى يعتقد أن المفاوضات بشأنها ستستمر خلال الفترة المقبلة، وهى تتعلق بضمانات يطلبها الإيرانيون، وأهمها عدم مغادرة الولايات المتحدة الاتفاق مرة أخرى.

وحسب تقارير عبرية، قبل الأمريكيون اقتراحًا ببقاء التنظيم فى القائمة الأمريكية للتنظيمات الإرهابية، ذراعه الاقتصادية وهى "جمعية خاتم الأنبياء" ستُستثنى عمليًا من العقوبات، ما يعنى إمكانية عقد صفقات بين التنظيم الإيرانى وشركات دولية.

كما يطالب الإيرانيون بمبالغ طائلة من الأمريكيين والأوروبيين، لضمان ألا يتضرروا اقتصاديًا من عودة العقوبات، ولمنع الولايات المتحدة من الانسحاب مرة أخرى من الاتفاق، وهو الطلب الذى ترفضه واشنطن بشدة حاليًا، خاصة مع وجود "مشاكل قانونية" لا تسمح لها بفعل ذلك.

وتتضمن "الملفات المفتوحة" التى تستمر المفاوضات بشأنها حاليًا، الحديث عن تحقيقات للوكالة الدولية للطاقة الذرية حول ٣ مواقع اكتشفت فيها بقايا يورانيوم مخصب، ولم يتمكن الإيرانيون من تقديم تفسيرات مقنعة حولها.

وتطالب إيران بإغلاق هذه التحقيقات، خاصة أن ثبوت ارتكابها تلك "الخروقات" لا يرتبط بالاتفاق النووى، بل باتفاقية منع انتشار السلاح النووى، وبالتالى إذا أثبتت التحقيقات أن إيران مُذنبة، ستكون عرضة للعقوبات، حتى حال توقيع وسريان الاتفاق النووى بينها وبين الولايات المتحدة.

كما توجد بضع نقاط خلافية أخرى، منها: مواعيد انتهاء مفعول القيود المفروضة على البرنامج النووى، وهو ما يعنى أن هذه القيود سينتهى مفعولها الواحد تلو الآخر فى السنوات القريبة المقبلة، حتى تزول تمامًا فى عام ٢٠٣١، بما يمكن إيران من العمل كما تشاء بحلول هذا التاريخ.

مشكلة أخرى فى الاتفاق بالنسبة لإسرائيل هى الرفع شبه التام للعقوبات المفروضة على إيران، والتى تزيد على ٢٥٠ مليار دولار فى العام المقبل، فضلًا عن عدم تضمن الاتفاق أى موقف من أعمال إيران فى عدة مناطق بالشرق الأوسط، وكل هذا يساعدها فى تمويل وتوسيع عملياتها فى أماكن متفرقة بالشرق الأوسط.

ووفقًا لحسابات "معهد الدفاع عن الديمقراطيات" فى واشنطن، يكسب الإيرانيون ٢٧٤ مليار دولار فى العام الأول بعد رفع العقوبات، وصولًا إلى تريليون دولار بل وأكثر بحلول ٢٠٣٠.

كما أنه فى تلك السنة، ستكون لإيران بنية تحتية نووية صناعية تسمح لها بإنتاج كمية كبيرة من القنابل النووية، وكل هذا بموافقة وإذن الأسرة الدولية الموقعة على الاتفاق النووى.

تعتبره «كارثة» وأسوأ من «اتفاق أوباما».. ومناورة لـ«صنع قنبلة» 

فى المؤسسة الأمنية الإسرائيلية يقولون إن "الاتفاق النووى الآخذ فى التشكل بين إيران والدول العظمى بقيادة الولايات المتحدة، هو اتفاق سيئ، وإسرائيل غير مُلزمة به، وحفاظًا على أمنها، ستواصل العمل على كبح المساعى النووية الإيرانية".

والموقف الأكثر تشددًا حيال الاتفاق هو موقف رئيس "الموساد"، ديفيد برنيع، الذى كان يقول على الدوام إن "الاتفاق كارثة استراتيجية، ويجب بذل كل الجهود لإقناع الولايات المتحدة بالامتناع عن توقيعه".

وقال مصدر سياسى رفيع المستوى لصحيفة "معاريف"، إن "كل قيادة المؤسسة الأمنية الآن مع موقف برنيع. وانتصر توجُّه الموساد بالأساس داخل الإدارة الإسرائيلية، لأن الغرب بقيادة الأمريكيين رضخ للإيرانيين فى كل المجالات تقريبًا، لذا من المهم إزالة الموضوع من جدول الأعمال".

وتعتبر تل أبيب أن هذا الاتفاق أكثر سوءًا من اتفاق ٢٠١٥، لأنه منذ قرار الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب الانسحاب من الاتفاق فى سنة ٢٠١٨، استغلت إيران تلك الفترة وسارعت إلى تطوير قدراتها النووية، ومن الصعب على أى اتفاق جديد أن يعيدها إلى الوراء.

وترى أنه منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق السابق عام ٢٠١٨، دفعت إيران بمشروعها النووى، وزادت كمية اليورانيوم التى خصبتها ونوعيتها، وتم تجميد الرقابة الدولية على المواقع النووية، وقصرت جدًا الفترة الزمنية لما يسمى "الاقتحام النووى"، وهى الفترة اللازمة لإيران كى تنتج قنبلة نووية. ويسود الاعتقاد فى المؤسسة الأمنية الإسرائيلية أن حقيقة تنازل الغرب لإيران عن "الملفات المفتوحة" لدى الوكالة الدولية للطاقة النووية، دليل على عجز المفاوضين الأوروبيين والأمريكيين مع إيران.

وذكر مصدر أمنى رفيع لـ«معاريف»، أن "الاتفاق يسمح لإيران بنقطة خروج أولى من الاتفاق بعد عامين ونصف العام"، مضيفًا: "كل ما يمكن أن يحققه الاتفاق فى الوقت الراهن هو تمديد الوقت مدة عامين ونصف العام، حتى الموعد الذى تستطيع فيه إيران استئناف سباقها النووى".

ويبدو أن تشدد الأجهزة الأمنية حيال الاتفاق أثر فى مواقف المستوى السياسى، وهذا هو السبب الحقيقى لإرسال مستشار الأمن القومى، إيال حولاتا، إلى واشنطن على عجل، ولقائه كبار مسئولى الإدارة الأمريكية.

وكثف رئيس الحكومة، يائير لابيد تحرُّكه مؤخرًا فى هذا المجال وأصدر تصريحات شديدة اللهجة، كان من بينها: "الموضوع على الطاولة هو اتفاق سيئ. إذا ما وقع الاتفاق، فإنه لن يلزم إسرائيل. إسرائيل ستعمل بكل القوة كى تمنع إيران من أن تصبح دولة نووية. هذا لن يحصل لأننا لن نسمح له أن يحصل". كما أجرى أحاديث مع زعماء الدول الكبرى، وتحديدًا الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، والمستشار الألمانى أولاف شولتز، وغيرهما.

وكشف الصحفى باراك رابيد فى موقع "والا"، عن أن إدارة الرئيس الأمريكى جو بايدن حاولت طمأنة إسرائيل فى الأيام الأخيرة، ووعدت بعدم تقديم "تنازلات إضافية".

لكن حتى هذه اللحظة، ليس فى إمكان إسرائيل التأثير فى القرار الأمريكى، ومنعها من توقيع الاتفاق، مثلما لم تنجح فى التأثير على قرار إدارة باراك أوباما بتوقيع الاتفاق عام ٢٠١٥.

ولن يكون أمام تل أبيب إلا محاولة تحذير العالم من الاتفاق، ومن المنتظر أن يتحدث مسئولوها عن ذلك بصورة علنية وحادة ضد الاتفاق، سواء على المستوى السياسى، أو على المستويين العسكرى والأمنى، خلال الأيام المقبلة.

ويبدو أن رئيس "الموساد" هو من يقود حملة التصريحات الشرسة ضد إيران، بينما يتخذ "لابيد" اتجاه المفاوضات والمباحثات لإقناع الإدارة الأمريكية والاتحاد الأوروبى بالانصراف عن المفاوضات على الاتفاق النووى مع إيران، وإن كانت الصيغة الرسمية لإسرائيل حيال الاتفاق موحدة، وهى أنها لا تعتزم العمل بموجبه أو أن تراه إملاء يلزمها. وهناك فى إسرائيل من يرى أن حتى الاتفاق غير الجيد، إذا ما وقع، أفضل من وضع عدم الاتفاق، ويعتقد هؤلاء أن الاتفاق سيمنع وصول إيران إلى القنبلة النووية.

وبالنسبة لإسرائيل فإن حيازة إيران قنبلة نووية، خطر لايمكن تجاهله، باعتباره "سلاحًا للدمار الشامل فى يدى عدو متشدد"، كما أن حيازتها للسلاح النووى ستكون سببًا لبدء سباق تسلح نووى فى المنطقة كلها.