رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الحل فى العراق.. حوار عراقى-عراقى بدعم عربى وأممى

حُسمت المظاهرات والاحتجاجات الجارية في العراق، التي شكلت ذروة الخطر والإفلات الأمني. 
حراك سياسي عراقي، عربي، دولي، نجح إلى حد كبير في ترسيخ العودة إلى المنطق والهدوء وضبط النفس، وحقن الدماء. 
العراق نجا من أصعب 24 ساعة من القلق والعنف، جميع الجهات في الدولة العراقية والأحزاب، والتيار الصدري، والقوى السياسية ذات الصلة، منعت بحس وطني على اتخاذ خطوات حاسمة فورية لتهدئة الموقف وتجنّب استمرار متاهة جديدة في العراق الشقيق. 
خلال الأزمة، تدخلت الأمم المتحدة عبر الأمين العام، الذي دعا وشدد جميع الأطراف والجهات الفاعلة على تجاوز الخلافات والمشاركة – دون مزيد من التأخير – في حوار سلمي وشامل حول طريقة بنّاءة للمضي قدمًا، وتزامن ذلك مع اتصالات وحركات عربية أوروبية، ومن الإدارة الأمريكية، ما عزز الهدوء. 


*رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي 
في مسارات ليلة الثلاثاء الأربعاء، قال رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي إن الدم العراقي الطاهر الذي سقط أمس، يطلق الإنذار لكل عراقي صادق وأصيل، بأننا اليوم يجب أن نواجه الحقائق المرة. 

الكاظمي، حاول التمسك وإدارة الوقت والحقائق المؤلمة، وحذر مطولًا من مخاوف: إذا استمرت إثارة الفوضى والصراع والتناحر، سأقوم بخطوتي الأخلاقية والوطنية، وسأعلن خلو منصب رئيس الوزراء في الوقت المناسب وحسب المادة 81 من الدستور العراقي، وتحميلهم المسئولية أمام العراقيين وأمام التاريخ.

الكاظمي، كسياسي يترقب ما حدث، فلفت إلى أنه منذ أكثر من عامين ونحن نتبنى سياسة حصـر السلاح بيد الدولة رغم كل الاتهامات والطعون والصواريخ التي وجهت إلينا، كفى ازدواجية الدولة واللادولة، في إشارات واضحة إلى حجم وتباين الصراع السياسي العميق. 


*مقتدى الصدر.. القوة والموقف 
انتبه العالم قاطبة إلى ما حازت إليه دعوة رجل الدين الشيعي العراقي مقتدى الصدر أتباعه بإنهاء احتجاجاتهم، من وسط بغداد وبقية المدن. 
موقف الصدر تجاه أتباعه، لقي ترحيبًا عربيًا ودوليًا وأمميًا، من مختلف الأطراف بعد أن أدت التحركات والمظاهرات، إلى أعمال عنف دموية في العاصمة العراقية منذ سنوات برغم محاولات تدعيم أركان الدولة بعد الاحتلال الأمريكي العراق. 
دول عربية و إسلامية، ومن القوى الكبرى، دعت جميع الأطراف والقوى السياسية في العراق، إلى "الوقوف صفًا واحدًا للحفاظ على مقدراته ومكتسباته وشعبه"، منددة بسقوط عددٍ من الضحايا وإصابة آخرين. وأعلنت دعمها لـ "كافة الجهود الرامية إلى تجنيب العراق وشعبه الشقيق ويلات الانقسام والصراع الداخلي".
وكان الصدر، القوة الشعبية المؤثرة في واقع التيار الذي ينطلق من قومية عربية عراقية، تقدم باعتذار للعراقيين بعد مقتل 30 شخصًا في اشتباكات بين جماعة مسلحة موالية له وفصائل شيعية منافسة تدعمها إيران، وندد بالقتال وأمهل أتباعه ساعة واحدة لفض الاحتجاجات.
وفيما وصفت الولايات المتحدة الاضطرابات بأنها مقلقة ودعت إلى الحوار(....) لتهدئة المشكلات السياسية، اتخذت إيران المجاورة قرارًا بإغلاق الحدود لفترة وجيزة وأوقفت الرحلات الجوية إلى العراق، في قرار يأتي قبل أقل من ثلاثة أسابيع من طقوس الأربعين التي تجذب ملايين الإيرانيين إلى مدينة كربلاء العراقية، ولكنها أعادت فتحها بعد دعوة إنهاء احتجاج الصدريين.
قيادة العمليات المشتركة بالعراق، التي يقودها الكاظمي، أكدت خروج جميع المتظاهرين، وانسحابهم من المنطقة الخضراء ومحيطها في بغداد وبالتالي، عودة الهدوء الحذر والحياة بدأت تعود إلى طبيعتها، بشكل متدرج. 
تواجد ورقابة بعثة الأمم المتحدة في العراق (يونامي)، تابعت تنفيذ قرار مقتدى الصدر مؤكدة أن ضبط النفس والتهدئة ضروريان لكي يسود صوت العقل، وهذا الأمر ترك بصماته الفعلية. 
إلى ذلك بادر الملك عبدالله الثاني، ملك المملكة الأردنية الهاشمية، وأجرى اتصالين هاتفيين مع الرئيس العراقي برهم صالح ورئيس الوزراء مصطفى الكاظمي أكد خلالهما على "دعم الأردن الكامل للعراق الشقيق في الحفاظ على أمنه واستقراره، ووحدة شعبه العزيز".
في واقع الحال الآن، من المهم أن يتجاوز "الأشقاء في العراق هذه الأزمة عبر الحوار الوطني، مشددة على أن أمن العراق واستقراره "يشكلان ركيزة لأمن واستقرار المنطقة.
من القاهرة دعا الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبوالغيط، إلى تقدير دعوة الصدر، مطالبًا الأطراف العراقية بالتجاوب معها "والعودة بالأمور عن حافة الهاوية لمصلحة ‎العراق".
الترقب سيد الموقف، الفصائل المتنافسة في العراق ذي الأغلبية الشيعية بعد عشرة أشهر من الجمود السياسي الذي تشهده البلاد منذ الانتخابات البرلمانية في أكتوبر. وأثارت الاشتباكات مخاوف من تصاعد جديد لأشكال الاضطرابات، أو الشحنات السياسية، وما زالت الكرة تتدحرج، ذلك أن إعلان زعيم التيار الصدري في العراق مقتدى الصدر، عن اعتزاله العمل السياسي بشكل نهائي وإغلاق كافة المؤسسات التابعة له، وذلك بعد يومين من اقتراحه بأن تتنحى جميع الأحزاب السياسية لوضع حد للأزمة في البلاد، الأمر الذي ما زال مفتوحًا على كل الاحتمالات. 
وداخليًا، رحب رئيس الوزراء العراقي السابق، حيدر العبادي، بموقف الصدر، قائلًا إنه يضع الحلول من أجل منع ما وصفه بـ"الاحتراب العبثي"، فيما كان إعلان الصدر اعتزاله العمل السياسي، قد أجج احتجاجات واسعة في عدد مناطق العراق، يوم الإثنين.
وفي المنحى نفسه، أبدى رئيس مجلس النواب العراقي، محمد الحلبوسي، ترحيبه بموقف الصدر مخاطبًا إياه "موقفكم بحجم العراق الذي يستحق منا الكثير".
ووصف رئيس الاتحاد الوطني الكردستاني، بافل طالباني، قرار الصدر بـ"الحكيم" مؤكدًا أن موقفه وحسن تصرف القيادات والقوات المسلحة والقوى الوطنية كان له الدور المهم في وأد الفتنة.
وفي إطار متصل، قالت ثلاثة مصادر لرويترز إن صادرات النفط العراقية لم تتأثر بالاضطرابات السياسية الحالية، على الرغم من أن أنصار الصدر حاصروا بفترة من الوقت حقل مجنون النفطي في البصرة الإثنين وكذلك مصفاة البصرة التي تنتج 210 آلاف برميل من النفط يوميًا، قبل أن ينسحبوا منها اليوم.

* "مسألة مميتة" في العراق
إعلاميًا، وفي تغطية خطيرة نسبيًا سلطت صحيفة "نيويورك تايمز" الضوء على آخر مستجدات الأوضاع وأعمال العنف التي تضرب البلاد منذ يومين، على خلفية استقالة رجل الدين الشيعي البارز، مقتدى الصدر، الحياة السياسية والتي أعقبها اشتباكات عنيفة بين أنصاره وميليشيات شيعية معارضة.
في تحليل "نيويورك تايمز" مقاربة تاريخية لمراحل الصراع وقالت إن: الفصائل السياسية الشيعية قد بدأت مرحلة قاتلة جديدة، بعدما وجهت بنادقها على بعضها البعض، مشيرة إلى أنه مع عدم وجود حكومة فاعلة وأرضية مشتركة، أصبحت التوترات بين هذه الفصائل السياسية مسألة مميتة في العاصمة، بغداد، الأسبوع الجاري.
 التقرير، لفت إلى أن واقع الحال، له جذوره، عندما اندلعت الخلافات طويلة الأمد بين بعض الفصائل الشيعية وتحولت إلى قتال مميت في شوارع بغداد، ما أسفر عن مقتل 24 شخصًا. وأثارت الاضطرابات مخاوف من وقوع البلاد في دائرة محفوفة بالمخاطر مع عدم وجود حكومة عاملة وعدم وجود أرضية مشتركة لتشكيل حكومة.وأنه على الرغم من أن الاضطرابات السياسية واحتجاجات الشوارع شائعة في العراق، فقد كشفت هذه الجولة من العنف عن مخاطر حدوث مزيج قوي من الشلل السياسي، وانهيار مؤسسات الدولة، والتنافس المتصاعد بين الجماعات الشيعية التي تدعمها إيران وفصيل قومي عراقي بقيادة الصدر.


* دائرة العنف الطائفي
ما جاءت به "نيويورك تايمز"، يعيد التنبيه، دوليًا من استمرار دائرة العنف الطائفي، التي وصفتها بأنها لا نهاية لها على ما يبدو والتي ابتليت بها بلادهم على مدى العقدين الماضيين، وأن السنوات الأخيرة، أصبحت الخصومات بين الشيعة المحرك الرئيس لعدم الاستقرار السياسي العراقي، إذ أصبحت الميليشيات الشيعية – المدعومة من طهران – جزءًا دائمًا من قوات الأمن التابعة للحكومة العراقية، وبعضها مسئول أمام النظام الإيراني أكثر من بغداد.
.. وبعد
العراق يستحق الهدوء والحوار، ومواكبة بناء الدولة العراقية بعيدًا عن التجاذبات السياسية، ولن يتم الأمر إلا بحوار عراقي-عراقي، تدعمه الدول العربية، جامعة الدول العربية والأمم المتحدة والقوى الدولية في العالم.. قد يحدث ذلك، بعد تنفيس اللعبة الخطرة القائمة على عض الأصابع حد الدم.