رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تحية للداخلية

خبر لفت نظرى أكثر من مرة فأحببت أن أتوقف عنده.. يقول الخبر إن وزارة الداخلية قامت باستضافة مجموعة من أطفال «الأسمرات» لقضاء يوم رياضى وترفيهى فى مقر اتحاد الشرطة أو فى النادى الرياضى التابع لاتحاد الشرطة.. الخبر غطاه تقرير مصور أذاعته قناة «دى إم سى» وأتاح لى أن أعرف تفاصيل اليوم.. الفكرة كانت فى استضافة الأطفال لاستخدام مرافق قد يكون من الصعب عليهم الوصول إليها فى الحياة العادية مثل حمام السباحة الرياضى أو منطقة الألعاب الترفيهية أو كل أوجه الترحيب التى يشعر بها الطفل أنه ضيف مرحب به وأن الهدف من استضافته هو أن ينقل له رسالة مودة وحب.. تأكدت من المعنى حين قرأت خبرًا آخر يقول إن الاستضافة نفسها قد تكررت مع أطفال مشروع «بشاير الخير» وهو المشروع الشقيق للأسمرات فى الإسكندرية.. وكلاهما كما نعرف تم بناؤهما لتوفير سكن كريم لأهالى العشوائيات الخطرة والآيلة للسقوط وغير الآدمية أساسًا حتى لو لم تكن آيلة للسقوط.. كلا المشروعين تعبير عن نهج ثورة ٣٠ يونيو تجاه الإنسان المصرى وحقه فى سكن كريم يليق بمصر.. مرت على مصر حكومات كثيرة كانت ظاهرة العشوائيات تنمو وتزيد يوميًا ولم يكترث أحد.. بدلًا من منع الظاهرة فى بدايتها اكتفى الجميع بالفرجة خوفًا من مواجهة المشكلة.. الرئيس السيسى وحده قرر المواجهة وبر بقسمه بعد أن قال «بيعايرونا بفقرنا.. لكن أنا موش هسكت».. أحد أوجه التغيير بخلاف السكن هو التغيير فى العلاقة بين الشرطة وبين ساكنى العشوائيات تحديدًا.. هذه العلاقة شهدت تحولًا جذريًا بعد ثورة ٣٠ يونيو.. عندما ترى تغيرًا فى الواقع وفى المعانى أيضًا يجب أن تدرك أنك أمام ثورة حقيقية أو «ثورة إصلاحية» إذا شئت الدقة.. لم يكن هذا الوضع قبل ٣٠ يونيو لكنه أصبح الوضع حاليًا.. بحكم الظروف يتورط بعض أهالى العشوائيات فى أنشطة خارجة عن القانون وبحكم الواقع يحدث احتكاك مع الهيئة التى تنفذ القانون.. العلاقة طبيعتها التوتر والمطاردة والخوف من «الحكومة» كما كان يسمى أهل هذه المناطق ضابط المباحث.. الآن يوجد واقع جديد يتشكل.. سيشعر به الجميع بعد قليل.. أطفال «الأسمرات» و«بشاير الخير» لن يكون لهم المستقبل الذى كان ينتظر سابقيهم فى «الدويقة» و«غيط العنب»، وبالتالى فمن حقهم أن يشعروا بالمساواة وبالترحيب وبالود من هيئة الشرطة.. الرسالة هنا تقول لهؤلاء الأطفال ولأقاربهم وللشعب كله.. حتى إذا أخطأ فرد من الشرطة- ومن منا لا يخطئ- فإن موقف الهيئة نفسها منكم هو الود والاحترام والتقدير.. يوم واحد يقضيه طفل فى مكان يرحب به يصيغ موقفه من الدولة إلى الأبد لأن «النفس تحب من يحسن إليها» كما يقول المثل الشهير.. الطفل لا ينسى أوقات السعادة فى طفولته مهما كانت قليلة.. قد لا تستطيع كدولة أن توفر للطفل مستوى تعليم دولى أو مستوى صحة وفق المعايير الأوروبية.. لكنك تستطيع برسالة رمزية أن تضمن حبه لك ولبلده إلى الأبد.. فى الشرق تحتل المعنويات والعواطف مرتبة متقدمة جدًا فى أولويات البشر، لذلك يوصف الشرق بأنه «روحى» والغرب بأنه «مادى».. المواطن البسيط قد يتحمل الظروف الصعبة حين يجد معاملة لائقة واحترامًا من المسئول وتواصلًا من النخبة بمختلف مستوياتها معه.. استضافة الأطفال فى اتحاد الشرطة هو شكل رمزى لهذا التواصل بين «مصر اللى فوق» و«مصر اللى تحت» وهو تعبير عن توجه للرئيس السيسى ينفذه بنفسه.. ولكن المطلوب أن يتفانى كل مسئول وكل مشهور فى تنفيذه.. تحية مرة أخرى إلى وزارة الداخلية على هذه المبادرة الإنسانية والاحترافية أيضًا فبمثل هذه اللمسات يمر ما هو صعب.