رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمد صالح البحر: القيود الأخلاقية انتقلت إلى عقول وأرواح الأدباء

محمد صالح البحر
محمد صالح البحر

يعيد مشهد طعن الكاتب سلمان رشدي في رقبته، التساؤل حول تراجع دور الأدب والثقافة مقابل الأفكار المتشددة والتكفيرية، وفي هذا الصدد قال الكاتب الروائي محمد صالح البحر، في تصريحات خاصة لــ"الدستور": لا يزال الاستغلال السياسي الذي فعله آية الله خوميني للاحتجاجات المجتمعية الإسلامية ضد رواية "آيات شيطانية" للأديب سلمان رشدي ساريا حتى الآن، رغم مرور أكثر من ثلاثين عاما، بل لن أكون مبالغا إن قلت إنه يصعب التخلص منه، ليس على طول الزمن الذي مضى، وإلى الآن، ولا حتى في المستقبل القريب.

 

وأضاف فالسهولة التي حدث بها الاستغلال لا تتناسب أبدا مع حجم التغيير الذي أصاب العالم كله من بعده، وأعتقد أن آية الله خوميني نفسه لم يكن يدرك كل ذلك، أعتقد أنه لم يبتغِ من وراء ركوب موجة الاحتجاجات سوى مكسبا سياسيا، يضمن له الابقاء على دولته الثيوقراطية بعد هزيمته السياسية في الحرب العراقية الإيرانية، ولم يدرك أنه يغير العالم كله باتجاه التشدد، ليس تشدد العالم الإسلامي فقط، الذي رأى لأول مرة قوة سياسية كبرى تؤيد مطالبه، التي كان من الممكن أن تأخذ وقتها وتنتهي مثل كل ظاهرة، بل والتشدد المقابل للعالم الغربي باتجاه حماية الحريات، والتعبير عنها، أيا كانت حقيقتها وأغراضها، وربما تشدد سلمان رشدي ذاته، وقد وجد نفسه في موقف لا يمكن التراجع عنه.

 

وأوضح “صالح البحر”: وكان من الطبيعي أن يغذي ذلك القوى الرجعية في العالم الإسلامي، ويدفعها إلى فرض وجودها في الشارع، بعد أن امتلكت عقول وعاطفة الكثيرين، وربما من فأل الشؤم على العالم الإسلامي وقتها أن تواكب الهياج الإيراني المتشدد، مع عودة الكثير من العاملين في دول الخليج، محملين بتأثرهم القوي بالتيار الوهابي المتشدد أيضا.

 

ــ القيود الأخلاقية انتقلت إلى عقول وأرواح الأدباء

ولفت “صالح البحر” إلي أنه: وهكذا أصبحت القيود الأخلاقية على الأدب العربي كله أمرا واقعا، وحقا لكل سلطة سياسية، أو إدارية، أو تشريعية، أو تسويقية ناشرة، وبالتالي حقا مجتمعيا لا يكف عن التقهقر في الزمن، فكان من المنطقي أن نشهد أزمات مثل مقتل فرج فودة، وطعن نجيب محفوظ، وأزمة الروايات الثلاث، واستحداث لوائح الشروط للنشر، أو التقدم للمسابقات، ولن أكون مبالغا إن قلت إن تلك القيود الأخلاقية قد انتقلت إلى عقول وأرواح الأدباء العرب أنفسهم، بحيث صاروا يكتبون تحت ظل شجرة ـ لا حد لطولها وضخامتها ـ من المحرمات التي لا يجب الاقتراب منها، فكان من الطبيعي أن نشهد كل الركام من الأدب السهل الذي يحلق فوق رؤوسنا.

 

وشدد “صالح البحر” علي أنه: أما هناك، على الجانب الآخر من السلفية الدينية والفكرية، حيث تقف كل الأصناف الثقافية الأخرى، تشجب وتدين وتندد وترمي بالكلمات، دون أن تسأل نفسها عن جدوى وجودها، وضآلة حجمها، في الحياة في ظل استيلاء الأفكار المتشددة على عقول الناس؟! فأعتقد أنه قد آن الأوان لكي نقف بشكل جاد أمام مصطلحات الفساد والتبعية والانتهازية والوصولية وتغليب أهل الثقة، لقد قللنا كثيرا من أهمية ممارستها حتى صارت أسلوب حياة، ولم نشعر أنها غذاء حقيقي لليأس والإحباط واللا جدوى لدى جمهور عريض من المثقفين والمبدعين، وبالتالي فهي غذاء حقيقي لانتشار السلفية، حيث الحياة الفارغة من كل ما هو حقيقي وجاد.