رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمد صبحى.. احتفاء خاص بـ«المشخصاتى الأكبر»

محمد صبحى
محمد صبحى

«يوميات ونيس» كان مرجعًا تربويًا ومرشدًا تعليميًا فى كيفية التعامل مع مشاكل الأبناء

أسّس مع رفيقه لينين الرملى «ستوديو 80» وصنعا معًا أجمل الأعمال الكوميدية والاجتماعية

 

كرّم المهرجان القومى للمسرح فى دورته الحالية التى تحمل رقم ١٥، الفنان الكبير محمد صبحى، عن مسيرته الكبيرة فى المسرح المصرى، وسلمته الفنانة الدكتورة إيناس عبدالدايم، وزيرة الثقافة، درع المهرجان، وسط احتفاء جماهيرى كبير فى حفل الافتتاح.

كما صدر عنه بهذه المناسبة كتاب تذكارى أعده الصحفى والمخرج جمال عبدالناصر، يتناول التاريخ المسرحى للفنان محمد صبحى، وبهذه المناسبة تضىء «الدستور» على إسهام «صبحى» فى المسرح المصرى.

ولد النجم محمد صبحى فى ٣ مارس ١٩٤٨ بشارع شريف قرب شارع محمد على «شارع الفن»، ومحمد صبحى فنان كوميدى من طراز رفيع.. قدم للسينما والمسرح والتليفزيون أعمالًا لن تنمحى من ذاكرة المتفرج العربى، أجيال متتالية تربت ونشأت وهى تعاين وتعشق مسرحه.

كان مسلسله «يوميات ونيس» المسلسل الأبرز فى الدراما الأسرية، وكان العديد من الأسر المصرية وفى الوطن العربى يجتمع أمام التليفزيون لمتابعة مسلسله الذى ناقش عددًا من القضايا التربوية المهمة، وكان بمثابة مرشد تعليمى وتربوى للأسر فى كيفية التعامل مع مشاكل الأبناء فى مراحل الطفولة والمراهقة، وضرورة تقويم الذات بداية قبل تقويم الأبناء، كما رسخ مفهومًا حداثيًا فى التربية، حيث إنها لا تسير فى اتجاه واحد، فهى ليست علاقة فوقية يعطى الأعلى فيها الأدنى.. بل هى علاقة تبادلية، فنحن نُعلم أبناءنا وفى ذات الوقت نتعلم منهم، فهم يمتلكون حساسية هذا العصر ومفرداته التى فقدناها.

وقدم للسينما أدوارًا علقت هى الأخرى بالذاكرة، مثل: «الكرنك، الشيطانة التى أحبتنى، العميل رقم ١٣، و٤٠ حرامى، ومحامى تحت التمرين، وهنا القاهرة». 

أما مسرح محمد صبحى فيعد هو الأكثر اتصالًا بين نجوم الكوميديا المعاصرين، فكثير من النجوم توقف عن المسرح بوصفه عملًا شاقًا ومردوده المالى والمعنوى ضعيف، والبعض الآخر ابتعد بحكم السن وعدم القدرة على الوقوف يوميًا على الخشبة، لكن محمد صبحى هو النجم الوحيد الذى دشن مشروعًا مسرحيًا قويًا منذ بداياته وتمسك به على نهج الأستاذ فؤاد مهندس، لم ترضه نجومية السينما والدراما التليفزيونية، فاكتفى بهما شأنه شأن العديد من النجوم الذين خرجوا من المسرح ثم ترفعوا عنه ونسوا أفضاله. 

تخرج محمد صبحى فى المعهد العالى للفنون المسرحية بتقدير امتياز ١٩٧٠، قدم أعمالًا فى بداياته تنوعت بين الكوميدى والتراجيدى، وكان أداؤه دور هاملت يقدم فى المعهد العالى بوصفه معيارًا لأداء تلك الشخصية المركبة، وقد تم ذكره ضمن الأداءات المتميزة عالميًا لشخصية هاملت على المسرح.

واتجه «صبحى» للكوميديا أكثر بعدما لاقى قبولًا جماهيريًا كبيرًا لدى المشاهدين بدوره «على بيه مظهر» فى مسلسل فرصة العمر الذى قُدم فى منتصف السبعينيات، كما قدم فى تلك الفترة مسرحيات هامة مثل: «انتهى الدرس يا غبى» تأليف لينين الرملى وإخراج السيد راضى عام ١٩٧٥، ومسرحية «الجوكر» عام ١٩٧٩ تأليف يسرى الإبيارى وإخراج جلال الشرقاوى. 

وأسّس محمد صبحى فى مطلع الثمانينيات مع رفيق رحلته وصديقه لينين الرملى فرقة «ستوديو ٨٠»، لينين ككاتب ومحمد صبحى كمخرج وممثل، وكان لهذا التحالف أثر جمالى وفكرى هام فى مسرح محمد صبحى، واستطاعا معًا تحقيق تلك الخلطة السحرية نادرة الحدوث التى تجمع بين عمق الأفكار والضحك وتنجح فى جذب شرائح عديدة من الجماهير، وإن غلبت عليها فى حينها فئة الشباب كفئة مستهدفة، وكانت تنتظر تلك الجماهير بفارغ الصبر ظهور مسرحية جديدة لمحمد صبحى ولينين الرملى، وأسفر هذا التعاون عن أعمال هامة لا تُنسى، نذكر منها: «تخاريف والهمجى ووجهة نظر وبالعربى الفصيح وإنت حر».

ولم يكن الغرض لدى «صبحى» من تأسيس فرقة «ستوديو ٨٠» إنتاج مسرحيات جديدة، ولكنه وضع أيضًا ضمن خططه تفريخ وتقديم المواهب الشابة، ومنها: هانى رمزى، وعبلة كامل، وصلاح عبدالله، وأحمد آدم، ومنى زكى، وظل حلم تطوير أكاديمية فنية لتدريب شباب الممثلين وتقديمهم مستمرًا لدى «صبحى» لفترة طويلة. 

 

وعقب النجاح الجماهيرى الكبير الذى حققه مسلسل «رحلة المليون» بجزأيه، استثمر صبحى هذا النجاح وبدأ تأسيس مدينة سنبل للفنون والزهور ١٩٩٤، تماشيًا مع دعوة المسلسل للبعد عن ازدحام المدن والخروج من العاصمة وتعمير الصحراء، تلك المدينة التى أراد لها «صبحى» أن تكون وجهة للفن والجمال، إضافة إلى الدور الاجتماعى المخطط له، حيث شملت المدينة مسرحًا مجهزًا على أعلى مستوى، واستديوهات للتصوير، ومدرسة تتضمن التعليم الأساسى وتعليم الفنون.

 

وتستهدف تلك المدرسة بشكل خاص أطفال الشوارع والأيتام، لكنها أيضًا تقبل الموهوبين، وتضم أيضًا متحفًا للفنون، فضلًا عن منتجع سياحى ليكون عائده بجانب عائد الزراعة وتأجير البلاتوهات والمسرح وزيارة المتحف، هو روافد الصرف على المدينة، واستغرقت المدينة فى إنشائها حوالى ٢٤ عامًا دون الحصول على قروض أو تبرعات.

 

وجنح «صبحى» فى الفترة الأخيرة إلى التركيز على الدور التعليمى والتربوى للفن، وقد تبدى ذلك فى معالجته الموضوعات الفنية، فى الدراما التليفزيونية: «ونيس بأجزائه الـ٨، وفارس بلا جواد»، وفى المسرح: غزل البنات وسكة السلامة ونجوم الضهر والنحلة والدبور وأخيرًا مسرحية «خيبتنا»، التى قدمت مؤخرًا كأول عرض مسرحى يُقدم على مسرح مدينة سُنبل.

 

كانت لـ«صبحى» الممثل خصوصية كبيرة فى أداء أدواره، وهو ممثل جوكر بمعنى الكلمة، أى أنه يستطيع تطويع أدواته «الصوت والحركة والطاقات الشعورية والانفعالية» لتقديم شخصيات متعددة، ليس فقط فى أعمال متعددة بل فى ذات العمل فى بعض الأحيان، فقد أدرك «صبحى» الممثل تلك الطاقة والمقدرة الثمينة فنجده فى العديد من أعماله يقوم بتشخيص العديد من الأدوار، وقد أظهرت مسرحية الجوكر تلك القدرة على التخفى وتقمص الأدوار المتعددة، وكذلك استخدم «صبحى» ذات التكنيك فى مسلسل «فارس بلا جواد». 

 

وحصل «صبحى» صانع المسرح والمشخصاتى الكبير وصاحب المسئولية الاجتماعية تجاه الفن، على العديد من الجوائز والأوسمة من القاهرة والدوحة والشارقة ومن أرفع الشخصيات فى الوطن العربى.

وجاء تكريم المهرجان القومى للمسرح تتويجًا لتاريخه وإسهامه المسرحى الكبير، إلا أن التكريم والجائزة الأهم التى حصدها «صبحى» هما حب جماهيره فى مختلف أنحاء العالم العربى.