رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مكتبة «الأسرة الجديدة».. هدية العيد لأطفال مصر

فى ستينيات القرن الماضى بدأ مشروع ثقافى مهم كان من بين عناصره ما سُمى مشروع «الألف كتاب».. لم تكن المسألة صعبة.. فمصر وقتها كانت مليئة بالمبدعين من كل صنف ولون.. والمشروع القومى الذى كانت تتبناه كانت الثقافة جزءًا أصيلًا منه وفيه.. المهم أن هذه الكتب استمرت فى الصدور رغم تعثر المشروع القومى الأكبر بهزيمة يونيو عام ١٩٦٧.. ودخلت مصر أعوام الاستنزاف.. وفى المقدمة كان المثقفون بأجسادهم وأفكارهم حتى تحقق النصر.. لكن ما توقف لم يعد.. لم تعد تلك السلاسل الثقافية المهمة.. ولم تعد المؤسسات الصحفية تهتم بالنشر كما كان من قبل.. وعاش بعض هذه المؤسسات على تراثه القديم.. ومع سيادة ثقافة الاستهلاك لم تعد للقراءة أهمية تدفع أحدنا للبحث عنها.. فى ذلك الحين لعب المصريون المهاجرون إلى العراق والخليج أدوارًا مهمة فى خلق مناخ ثقافى مبهر يعوض ذلك الغياب وعرفنا بعض المجلات المتخصصة غالية التكلفة، وبعضنا يحتفظ بأعداد كاملة من مجلتى «الدوحة» و«الطليعة» على سبيل المثال لا الحصر.. وسلسلة «عالم المعرفة» أيضًا، وأظنها كانت تصدر من الكويت.

وفى بداية الألفية الجديدة.. ظهر فجأة فى مصر وبدعم من السيدة سوزان مبارك مشروع مكتبة الأسرة.. وأظنه كان فى فترة ولاية الدكتور سمير سرحان، هيئة الكتاب.. ذلك المشروع المهم كان مؤثرًا بشدة فى جيلين على الأقل.. وقامت الهيئة بطباعة مجموعة مهمة من أمهات الكتب وبعض المصنفات الرائدة فى الإبداع المصرى.. صحيح أن المشروع شابه فى بعض الفترات مجاملات غير محسوبة أخذت بوصلته بعيدًا عما خُطط له.. لكنه فى المجمل كان مشروعًا إنسانيًا وثقافيًا مهمًا.. وخطوة خطوة توقف تمامًا واختفى فى ظل تنامى ظاهرة «هجر القراءة» وازدراء الثقافة والمثقفين الذين سخرت منهم السينما والدراما كثيرًا.

الآن.. ونحن على أبواب جمهورية جديدة.. تذهب الثقافة المصرية خطوة مهمة إلى الأمام.. وأنت تفكر فى بناء إنسان جديد وفى تطوير مهم للتعليم المصرى وفى تغيير مفاهيم وثقافة العمل.. كان لا بد أن نعود مجددًا للانتباه إلى أطفالنا.. وكم أسعدنى أن يتم الإعلان قبل ساعات من إجازة العيد عن عودة مشروع «مكتبة الأسرة» بفلسفة جديدة.. وأن يتم توجيه ما يماثل أربعين بالمائة من «المشروع» للأطفال.

عملية الكتابة للأطفال فى الأصل عملية معقدة ومزعجة جدًا.. لكن مصر حُبلى دائمًا بالمبدعين والمفكرين.. والتعويل على فكرة أن المبدعين فى مجال الكتابة للأطفال ندرة أمر ساعد كثيرًا فى تراجعنا وتعطيلنا.. ومسألة تصدى المكتبات الخاصة أو دور النشر العاملة فى القطاع الخاص لهذا الأمر ليست بالجدية الكافية، فكتب الأطفال التى تعتمد بشكل كبير على الطباعة الفاخرة والألوان والرسوم مكلفة جدًا وغير مربحة فى الغالب.. وأى قطاع خاص بطبعه يبحث عن الربح.. والربح السريع إن شئت الدقة هذه المرة.. المشروع يدعم القطاع الخاص ولا ينافسه.. يحاول اجتذابه والاستفادة من خبراته مع إمكانات الحكومة الهائلة.. وكم أتمنى لو أن تعاونًا حدث بين وزارتى التربية والتعليم والشباب والرياضة من جهة ووزارة الثقافة من جهة ثانية، وربما لا أكون مثاليًا ومغاليًا إن تمنيت مشاركة مؤسسة الأزهر أيضًا وكذلك وزارة الأوقاف.

ولكن قبل أن نبدأ فى تلك المرحلة الجديدة علينا أن ننظر جيدًا لما سبق وأن صدر عن مطبوعات مكتبة الأسرة.. وعلى اللجان التى سيتم تشكيلها للاختيار أن تراعى محددات وفلسفة «الجمهورية الجديدة»، فليس من المعقول أن نرى مجددًا بعض الكتب الذى يدعو للانغلاق والجمود والتزمت بحجة أنه رسائل علمية.. هناك الكثير من المؤلفات الذى يُنشر لا لشىء سوى أنها رسائل أكاديمية.. وهى على عينى وراسى فى محيط «الدرس» وداخل أسوار الجامعات، وبعضها للأسف لا يصلح لا للقراءة ولا للدرس.

علينا أن نحدد أولًا ماذا نريد لأطفالنا أن يعرفوا.. فالمتعة فى حد ذاتها شىء طيب.. لكن هناك من يستهين بك ويخطط لعالم مختلف عنّا.. ولنا فيما جرى من مسألة توجهات ديزنى والترويج للمثلية «أسوة غير حسنة» علينا اجتنابها، ولكن علينا التعامل معها أيضًا.. وعودة «مكتبة الأسرة» فى شكلها الجديد فرصة طيبة علينا أن نقتنصها.. من ناحية أخرى هناك مشروع جاد ومهم فى هيئة قصور الثقافة، أُنجز وبشكل طيب، وبخاصة فيما يخص مسألة الهوية.. وعلينا أن نتمايز بعيدًا عن ذلك المشروع لنكمل ما بُدئ فيه.

أفهم أن المشروع سينتقى من إصدارات القطاع الخاص، وهذا أمر طيب وحسن بالقطع.. لكن أكثر ما كان يميز «مكتبة الأسرة» هو طباعة أمهات الكتب التى لم يتصدر لها القطاع الخاص من الأصل.. فيما قام المزورون بطباعة بعض هذه الكتب مؤخرًا وبيعها بأسعار غالية جدًا.. «مقدمة ابن خلدون» ومؤلفاته على سبيل المثال تعدت الألف جنيه.. ما أعنيه أن عودة المشروع لا تعنى بالضرورة أن تكون تلك الكتب عملية تغيير للأغلفة وانتهى الأمر.. الانتقاء ضرورة.. وتحديد المفاهيم والأهداف ضرورة أكبر.. والأصدقاء فى الهيئة معظمهم من مبدعى مصر الكبار، وما أكتبه فى هذه السطور ليس بعيدًا عنهم بالقطع.

وفيما كنت أطالع خبر عودة «مكتبة الأسرة» فى ثوبها الجديد، فوجئت بفيديو قصير يعرض ضربات جزاء مباراة كرة قدم لأطفال المدارس بين منتخبى فرنسا والمغرب الشقيق.. وكم أسعدنى ذلك المستوى المبهر لأطفال المغرب الشقيق.. وتذكرت مشروع «مكتبة الأسرة».. واستغربت! هل يمكن أن تكون هناك ثمة علاقة بين الكتب «الموجهة للأطفال تحديدًا».. وكرة القدم التى صارت حلمًا لكل أطفالنا؟!

المؤكد نعم.. كلا المجالين يخص المستقبل الذى نبحث عنه، وكرة القدم مثل الكتاب ليست رفاهية على الإطلاق.. فإذا كنا فى حاجة لملعب لأطفالنا، فنحن فى حاجة لكتاب جديد لهم أيضًا.. لكن صناعة الرأس وصناعة القدم صارتا علمين.. لم يعد الأمر مجرد فكرة.. وشوية فلوس وشوية حماس.. وبالمناسبة، أسأل: لماذا لا تتعاون وزارتا التربية والتعليم والشباب والرياضة لإعادة ما كنا نسميه دورى المدارس؟.. هل هو موجود حاليًا.. وإذا لم يكن موجودًا فكيف نعيده؟.. صحة أطفالنا وأبدانهم تحتاج إلى تخطيط مختلف يناسب ما وصلت إليه هذه الصناعة فى العالم كله، ومن بينه دول عربية وإفريقية.. ترك الأمر لسماسرة أكاديميات كرة القدم والمحظوظين لا يفيد هذه الصناعة بل يدمرها.. وإذا كنا نحتاج إلى فريق قومى لكرة القدم مثلما نحتاج لنجيب محفوظ جديد فحتمًا هم موجودون بين أطفالنا، لكن يجب أن نصل إليهم عن طريق علمى مختصر.. ولتكن هذه هى البداية.

وبالمناسبة أيضًا.. لماذا لا يراجع الدكتور شوقى من نسميهم أخصائيى المكتبات فى مدارسنا.. هل توجد فى مدارسنا مكتبات؟١ وماذا يوجد بها؟.. هل قمنا بفرز وتصنيف هذه المؤلفات؟.. هل قمنا بتجديدها وإضافة أسماء ومؤلفات جديدة لها؟

أتصور أنه وفى المدارس الجديدة التى تبنيها «حياة كريمة» نحن لا نحتاج إلى «تخت» و«سبورات» ومبانٍ فخمة بقدر ما نحتاج إلى ملاعب ومكتبات حديثة.. والأمر ليس صعبًا ولا بعيدًا عن متناول اليد.. ولتكن «مكتبة الأسرة» صبغتها الجديدة نواة محترمة لتجديد مكتبات مدارسنا ومراكز الشباب التى لا يزال فى بعضها بعض المكتبات، وقطعًا مشروع المكتبة الجديدة الذى يتضمنه برنامج «حياة كريمة» سيستفيد من «مكتبة الأسرة» وما ستطرحه من أعمال.

الإعلان عن هذه الصورة فى هذا التوقيت بالذات خبر طيب وأظنه «عيدية مفرحة» لأطفالنا ولأسرنا جميعًا.. هى بشارة طيبة لأن تعود مكتبات البيوت لتتصدر أى شقة حتى وإن كانت صغيرة بدلًا من ذلك النيش العقيم الذى لا أعرف من اخترعه بالتحديد.