رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كيفية تفعيل الأقليات العربية بالغرب؟

فى نهاية مقالنا السابق واجهنا سؤالًا، هل من حل فى وجود جماعات تمثل أغلبية الوافدين والأقليات العربية المعتدلة المستوطنة الدول الغربية، لا سيما أن أغلب تلك الجاليات معتدلة وليست بها ولاءات أصولية متعصبة أيديولوجيًا؟

ثم كيف تكون الأقليات العربية حول العالم قاطرة للنهوض بدلًا من كونها خنجرًا فى خصر أوطاننا؟

كل من السؤالين مرتبط بالآخر، بل أقول إن إجابتهما واحدة، فإذا نجح التيار العقلانى الإنسانى فى أن يكون تيارًا حقيقيًا بين الأقليات المستوطنة فى البلاد الغربية سيؤثر ذلك إيجابًا على البلاد التى يعيشون فيها واستوطنوها، وكذلك على البلاد التى جاءوا منها وولدوا وتربوا فيها.

فكيف نصل لتلك الغاية النبيلة المفيدة؟

أولًا: لا بد من يقظة الحكومات ممثلة فى سفاراتها بالخارج للقيام بدورها، ولا بد من إنشاء مراكز ثقافية تنشر الوعى والتفكير العلمى والعقلانى.

ولن تفلح السفارات العربية فى ذلك دون وجود مراكز ثقافية تابعة لها، قائم عليها ليس موظفون عاديون بل أشخاص مثقفون يعشقون التفكير العقلانى الإنسانى غير الطائفى أو الأصولى، ويقومون ببرامج للتعريف بالتفكير العلمى، والنزعة الإنسانية تناسب جميع الأعمار وتعلم الأطفال لغة الآباء دون مزج اللغة بالتعليم الدينى من قريب أو بعيد، فدارس اللغة الإنجليزية مثلًا لا يضعون له آيات أو أقوال السيد المسيح وأحاديث كهنة وآباء كنيسة المسيحية، فكذلك اللغة العربية لا بد من فصلها عن الصبغة الكهنوتية التى تصبغها بها المدارس الدينية حتى تكون لغة للجميع، لا لغة لطائفة دينية بعينها.

وبالطبع دور السفارات والحكومات العربية لا يمكن أن يفعل دون إرادة حقيقية فى انتصار وشيوع التفكير العلمى والعقلانى، ورغبة حقيقية فى اضمحلال التيارات الخرافية وأصحاب التفكير الذى يشيع العنف والطائفية، والذى يجعل التراث القبيح يبدو جميلًا معجزًا للسفهاء والعوام الذين لا يميزون الغث من الثمين ولا يعرفون الشمال من اليمين.

ثانيًا: المجموعات العربية المستوطنة البلاد الغربية عليها السعى الحثيث لإنشاء كيانات ثقافية واجتماعية كبرى، وتكون ذات وجود قانونى مدعوم من البلاد التى يعيشون فيها، وكذلك من الحكومات المؤمنة بالتفكير العلمى ونشر القيم الإنسانية ومحاربة الطائفية بالفعل والتعليم، لا الشعارات وكلام فض المجالس.

وقد يبدو الأمر صعبًا ويحتاج الكثير من الجهد والمال، لكنه فى حقيقة الأمر يخلق المال والجهد إذا ما توافرت الرغبة الملحة للفعل، وامتلأت الروح بالرغبة فى القضاء على الواقع التعيس الطائفى الذى يسيطر فيه التيار الأصولى المتزمت الذى لا يخلو من العنف والكراهية تجاه المختلف دينيًا وفكريًا، وبالأخص الحقد على البلاد الغربية التى تؤويهم، وكذلك البغض للبلاد العربية التى جاءوا منها.

الطريق سهل إذا ما توافرت الإرادة والوعى والطريق مستحيل بدونهما.

فلا يمكن للطائفى فاقد الإنسانية أن يكون إنسانًا متسامحًا، ومحال على الدرويش ذى العقل الخرافى أن ينشر التفكير العلمى والقيم العقلانية والإنسانية. فإذا ما توافر ذلك الوله والشغف بقيم العقلانية والإنسانية لمجموعات قلت أو كثرت فعليهم تنظيم لقاءات دورية منتظمة شهرية أو نصف شهرية، وتكوين صالونات ثقافية تجمع المهتمين حول نقاشات لأفكار وكتب وأشخاص، تحمل هموم الإنسان المعاصر وآماله المشتركة بعيدًا عن كل تفكير خرافى أو طائفى أو عنصرى أو عنيف.

وتكون تلك الصالونات بعد انتظامها نواة لجمعيات ومؤتمرات تحمل قيم الحرية والإخاء والمساواة بين كل أبناء الجنس البشرى، خصوصًا أبناء البلاد التى تعيش فيها تلك المجموعات، وأيضًا البلاد التى جاءوا منها وولدوا بها.

وكل تأخير فى حدوث ذلك هو استمرار للواقع المؤسف الذى يعلو فيه صوت الجهل والخرافة، وتنتشر فيه الروح العنصرية البغيضة، وتشيع فيه ثقافة الكراهية الطائفية القبيحة ولا عزاء للعقلاء الإنسانيين.