رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

خريطة المعركة الانتخابية المقبلة فى إسرائيل

المعركة الانتخابية
المعركة الانتخابية فى إسرائيل

"حكومة التغيير" التى جمعت قوى من اليمين والوسط واليسار، ومن اليهود والعرب، بهدف إخراج إسرائيل من مأزقها السياسى، وصلت بعد سنة واحدة من ولايتها إلى نهاية طريقها، لتتجه تل أبيب إلى الجولة الانتخابية الخامسة فى ٣ سنوات فقط.

وبقرار الكنيست حل نفسه، وإجراء انتخابات فى مطلع نوفمبر المقبل، فإن الأشهر الأربعة المقبلة ستكون الأكثر صعوبة فى السياسة الإسرائيلية، فى ظل رغبة "كتلة نتنياهو"، التى تضم حزبه "الليكود" وعددًا من الأحزاب اليمينية والدينية المتشددة، فى العودة إلى الحكم، ومحاولات قوى "ائتلاف التغيير"، التى تضم ألوان طيف مختلفة، فى الإبقاء على وجودها على رأس الحكومة، ما يستدعى نظرة أكثر دقة إلى الخريطة السياسية الحالية فى إسرائيل.

استطلاعات الرأى تكشف ثبات المشهد.. وتنافس أحزاب الائتلاف الحكومى يضعف موقفه الانتخابى

الصورة التى تظهر من استطلاعات الرأى التى أجريت مؤخرًا فى إسرائيل تكشف أن شيئًا لم يتغير عن مشهد الانتخابات الماضية، فمجرد الإعلان عن حل الكنيست لا يغير الخريطة الانتخابية.

وتوضح الاستطلاعات أن حزب "الليكود"، برئاسة بنيامين نتنياهو، سيفوز بعدد جيد من المقاعد، يتراوح بين ٣٥ و ٣٦ مقعدًا، من أصل ١٢٠، فيما يمكن لتحالفاته التى تضم عددًا من الأحزاب الدينية المتشددة، والمعروفة بأنها "كتلة نتنياهو"، أن تصل إلى ٥٩ أو ٦٠ مقعدًا، ما يجعلها لا تصل للأغلبية البرلمانية التى تمكن "زعيم المعارضة" الحالى من العودة لرئاسة الحكومة. 

فى المقابل، فإن "ائتلاف التغيير" الحاكم، الذى يضم أحزابًا مثل "هناك مستقبل" و"أمل جديد" و"أزرق أبيض" و"إسرائيل بيتنا" و"يمينا" و"ميرتس" و"العمل"، لا يستطيع الفوز بالأغلبية، حتى إن التحالف مجددًا مع "القائمة العربية الموحدة" قد لا يمكنه من تجاوز نسبة "٥٠+١" إلا بالكاد، كما أن بعض استطلاعات الرأى يكشف أن حزب "ميرتس" قد لا ينجح من الأساس فى اجتياز نسبة الحسم اللازمة للبقاء فى الكنيست. 

ويكشف المشهد الحالى عن أن الصراع الانتخابى فى إسرائيل لن يكون صراعات بين كتلتى "اليمين" و"اليسار"، كما أن الائتلاف الحكومى ليس كتلة واحدة، بل يضم ٨ أحزاب بينها خلافات واضحة وتنافسية شديدة. ففى أحزاب اليسار التابعة للائتلاف، يتنافس حزبا "ميرتس" و"العمل" لجذب الأصوات من بعضهما البعض، مع وجود مقترح بدمجهما معًا، كما يتنافس معهما حزب "أزرق أبيض"، برئاسة بينى جانتس، لإقناع نفس الكتلة، التى تكشف الاستطلاعات أن بعض أصواتها قد يذهب أيضًا إلى حزب "هناك مستقبل"، بقيادة يائير لابيد، رئيس الوزراء الحالى، الذى يبدو أنه الوحيد الذى عزز شعبيته خلال العام الماضى. ويعنى ذلك أن الأحزاب الأربعة ستكون مشغولة خلال السباق الانتخابى بالتنافس مع بعضها، لأنه سيكون على كل حزب منها أن يشرح للناخبين لماذا يجب أن يصوتوا له دون نظرائه. أما فى أحزاب اليمين التابعة للائتلاف، فإن الأوضاع لا تبدو مستقرة أيضًا، خاصة أن استطلاعات الرأى تشير لتدهور شعبية حزب «يمينا»، برئاسة نفتالى بينيت، وكذلك حزب "أمل جديد"، بقيادة جدعون ساعر، الذى سيكون عليه أن يقرر إذا ما كان سيتحد مع ما تبقى من "يمينا" أم سيخوض الانتخابات بمفرده، خاصة أن حزبه مهدد أيضًا بعدم تجاوز نسبة الحسم. أما الصراع الثالث داخل الائتلاف فهو بين "القائمة العربية الموحدة"، برئاسة منصور عباس، و"القائمة العربية المشتركة"، للاستحواذ على الأصوات العربية، خاصة بعدما وافقت القائمة الأولى على الانضمام للائتلاف الحكومى الحالى، الذى لم تنجح حكومته فى حل أى من القضايا العربية وأظهرت سياسات معادية للعرب والفلسطينيين. ولذلك، فإن كتلة "ائتلاف التغيير" سيكون مطلوبًا منها القيام بخطوة دراماتيكية، تتمثل فى خوض الانتخابات بقائمة موحدة من قوى اليمين والوسط، تضم تكتلات "بينيت" و"ساعر" و"جانتس"، فربما تستطيع بذلك أن تخطف مقعدًا أو اثنين من مقاعد "الليكود".

 كتلة «الليكود» تحافظ على مقاعدها.. ومساعٍ مكثفة لإعادة جانتس أو ساعر

فى مقابل مشكلات "ائتلاف التغيير"، فإن كتلة اليمين تخضع لرجل واحد، هو بنيامين نتنياهو، رئيس "الليكود"، خاصة أن الأحزاب الدينية والصهيونية المتحالفة معه ترغب فى عودته لرئاسة الوزراء بأى ثمن.

ورغم ذلك، يبدو أن هناك بعض التنافسية بين أحزاب هذه الكتلة أيضًا، خاصة بين حزبى "شاس" و"القوة اليهودية"، الدينيين المتشددين.

وتؤكد استطلاعات الرأى أن رؤساء الأحزاب الدينية المتشددة "الحريديم" كانوا أهم القوى السياسية التى تدفع نحو انتخابات جديدة بأسرع وقت، خاصة أنهم يخشون من دخول يائير لابيد، المعارض بشدة للمتدينين، إلى مكتب رئيس الحكومة، كما أنهم يخشون من تحول حكم "لابيد" المؤقت إلى حكم دائم إذا لم ينجح "نتنياهو" فى تشكيل الحكومة المقبلة.

لذلك، ومنذ إعلان رئيس الحكومة نفتالى بينيت ورئيس الحكومة المناوب يائير لابيد عن توجههما لحل الكنيست وتقديم موعد الانتخابات، فإن "نتنياهو" ورفاقه يحاولون إغراء بينى جانتس، رئيس حزب "أزرق أبيض"، بالتحالف معهم مجددًا، وهو ما يرفضه الأخير، خشية تكرار الفخ الذى وقع به سابقًا فى انتخابات مارس ٢٠٢٠، بالحصول على دعمه مقابل وعود لا تنفذ.

وتعليقًا على تلك الإغراءات، قال "جانتس" فى اجتماع لـ"أزرق أبيض": "للأسف استنفد نتنياهو الثقة السياسية التى يمكن أن تُعطى له". وبالتزامن مع تلك الاتصالات، ووفقًا لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، فإن "الليكود" يدير اتصالات موازية مع جدعون ساعر، رئيس حزب "أمل جديد"، الذى كان عضوًا سابقًا فى "الليكود"، وذلك رغم تأكيدات المحللين بأن عودة "ساعر" لحزبه السابق أو لـ"كتلة نتنياهو" قد تكون صعبة، بعد كل ما حدث فى الماضى.

ويشير المحللون إلى مواقف "نتنياهو" التى أجبرت "ساعر" على اعتزال العمل السياسى لفترة بعدما شعر بتزايد شعبيته، الأمر الذى جعل خوض "ساعر" الانتخابات الأخيرة يمثل نوعًا من الثأر الشخصى، بالإضافة إلى أنه كان وراء تغير الميزان السياسى، بانتقال النواب الستة لحزبه فى الكنيست من تحالف "الليكود" إلى "ائتلاف التغيير"، الأمر الذى أدى لقيام حكومة "بينيت- لابيد". 

ويؤكد المحللون أن "ساعر" لا يزال يؤيد الشراكة مع "لابيد" والائتلاف الحالى، ولا يزال يرى أن "نتنياهو" ليس شريكًا مثاليًا، لكنه رغم ذلك يتحسب من أن خوضه الانتخابات منفردًا سيجعل مستقبله السياسى غامضًا فى ظل تدهور شعبيته.

العرب ونتنياهو.. قضايا رئيسية تحكم اتجاهات التصويت بين المترددين

 قضيتان أساسيتان ستحكمان معركة الانتخابات الإسرائيلية المقررة فى نوفمبر المقبل، وفقًا للمراقبين، وهما الموقف من العرب وقضايا فساد "نتنياهو".

ويؤكد المحللون أن حملة كتلة "الليكود" ستلعب بشكل مكثف على أن ضم حزب عربى "القائمة الموحدة" إلى "ائتلاف التغيير" كان خطيئة لا تغتفر وخيانة لليهود.

كما يتوقع كثيرون أن تركز حملة "الليكود" على أن التصويت للأحزاب اليمينية هو أفضل لأمريكا وأوروبا، وبالتالى فهو الأفضل لإسرائيل أيضًا، ما تلخص ذلك فى نظر الجمهور الإسرائيلى فى تساؤل واحد، هو: ممن تخاف أكثر؟ من منصور عباس "القائمة العربية" أم من إيتمار بن غبير "رئيس حزب القوة اليهودية اليمينى المتطرف"؟

ويؤكد المحللون أن ذلك التساؤل سيحسم نوايا التصويت لدى المترددين، خاصة أن بعض المصوتين فى الوسط قد يميلون فى ظل الظروف الحالية لصالح "كتلة نتنياهو".

أما القضية الرئيسية الثانية فى الانتخابات فسيكون "نتنياهو"، لأنه وبخلاف التوقعات، فإن السنة التى انقضت منذ الجولة الانتخابية الرابعة لم تقلل من مركزية "نتنياهو" فى الخطاب السياسى، بعدما ظل يتصدر المشهد الإسرائيلى وينشط على الساحة السياسية ويؤجج الصراع القائم فعلًا بين اليمين واليسار على الحكم.

وبالنسبة إلى "نتنياهو"، فإن المعركة لن تكون سهلة، لكنها ليست مستحيلة، فهو يحارب الآن فى معركة حياته، ويحمل على ظهره لوائح اتهام تتم مناقشتها فى المحكمة حاليًا، لذا فهو لا يحارب من أجل إثبات براءته فحسب، بل يحارب من أجل التشكيك فى شرعية النظام القضائى برمته، وإذا وصلت كتلته إلى ٦١ مقعدًا فإنه سيقيم حكومة فورًا، وسيكون هدفه الأول هو سن القوانين التى تُضعف المحكمة العليا وجهاز القضاء كله، مما يحرره من مشاكله القضائية. 

ويتفوق "نتنياهو" على خصومه بقدرته على المناورات، لأنه قام بها سابقًا، ويعرف كيف يديرها، ورغم أن الجميع يرى أنه لا يزال غير قادر على الوصول إلى ٦١ مقعدًا إلا أنه قريب جدًا من تحقيق هدفه، الأمر الذى يضعف دافعه إلى تقديم تنازلات لصالح أى واحد من خصومه الذين يكرههم.

ويؤكد المراقبون أن رئيس "الليكود" يرى أن استطلاعات الرأى تكشف أنه قريب من حكومة الأحلام، التى ستمكنه من إيقاف محاكمته، ويفهم أنه لا يحتاج إلى خطوات خطيرة أو تنازلات خطيرة، بل تعديلات صغيرة فقط تمكنه من تحقيق هدفه القريب والعودة لرئاسة الوزراء.