رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

البابا فرنسيس: الشيخوخة هى زمن خاص لحل المستقبل من الوهم

بابا الفاتيكان
بابا الفاتيكان

أجرى قداسة البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان، صباح اليوم الأربعاء، مقابلته العامة مع المؤمنين في ساحة القديس بطرس بالفاتيكان واستهل تعليمه الأسبوعي بالقول من بين المسنين البارزين في الأناجيل نجد نيقوديمُس - أحد رؤساء اليهود - الذي أراد أن يتعرّف على يسوع، فذهب إليه سراً في الليل. 

وتابع البابا فرنسيس: قال يسوع لنيقوديمُس إنه "لكي يرى المرء ملكوت الله" عليه "أن يولد من علُ". إنها ليست مسألة أن يولد المرء من جديد، بتكرار مجيئنا إلى العالم، على أمل أن يفتح تقمُّص تجسد جديد إمكاناتنا لحياة أفضل. إنَّ هذا التكرار لا معنى له. لا بل هو سيفرغ الحياة المعاشة من جميع معانيها، ويمحوها كما لو كانت مجرّد تجربة فاشلة، وقيمة منتهية الصلاحية، وفراغ يضيع. لا ليس الأمر هكذا. هذه الحياة هي ثمينة في عيني الله: هي تجعلنا كائنات يحبها بحنان. و"الولادة من علُ"، التي تسمح لنا "بالدخول" إلى ملكوت الله، هي ولادة في الروح، عبور في الماء نحو أرض الميعاد لخليقة مُتصالحة مع محبة الله.

وتابع بابا الفاتيكان قائلاً: تسمح التقنية لهذه الأسطورة بأن تجذبها من جميع النواحي في انتظار هزيمة الموت، يمكننا أن نحافظ على الجسد حيًا بالأدوية ومستحضرات التجميل التي تُبطِّئ وتخفي وتزيل الشيخوخ. بالطبع، الرفاهية هي شيء ما، وتغذية الأسطورة هي شيء آخر تمامًا. ولكن، لا يمكننا أن ننكر أنَّ الخلط بين الجانبين يخلق ارتباكًا عقليًا معينًا. إنَّ الحياة في الجسد الفاني هي تحفة فنيّة جميلة "غير مكتملة" مثل بعض الأعمال الفنية التي لها سحر فريد في عدم اكتمالها. لأن الحياة هنا على الأرض هي "خطوة ابتدائيّة"، وليست إنجازا: نأتي إلى العالم هكذا، كأشخاص حقيقيين، يتقدّمون في السنِّ ولكنّهم يبقون حقيقيين للأبد.

وختم البابا فرنسيس تعليمه الأسبوعي بالقول الشيخوخة هي الحالة، التي مُنحت لكثيرين منا، حيث يمكن استيعاب معجزة هذه الولادة من علُ بشكل حميم وجعلها ذات مصداقية للجماعة البشريّة: فهي لا تنقل الحنين إلى الولادة في الزمن، وإنما الحب للوجهة النهائيّة. من هذا المنظور، تتحلّى الشيخوخة بجمال فريد: نحن نسير نحو الأبدية. لا أحد يستطيع أن يدخل حشا أمِّه مرة أخرى، أو حتى في بديلها التكنولوجي والاستهلاكي. سيكون الأمر محزنًا، حتى لو كان ذلك ممكنًا. إنَّ المسنَّ يسير إلى الأمام، نحو وجهته، نحو سماء الله. لذلك، فالشيخوخة هي زمن خاص لحلِّ المستقبل من الوهم التكنوقراطي لبقاء بيولوجي وروبوتي، وإنما وبشكل خاص لأنها تنفتح على حنان حشا الله الذي يخلق ويولِّد. وهنا أود التأكيد على هذه الكلمة: حنان المسنين. انظروا إلى الجد أو الجدة كيف ينظران إلى الأحفاد، وكيف يتعاملون معهم: ذلك الحنان، الحرِّ من جميع التجارب البشرية، الذي انتصر على التجارب البشرية وهو قادر على أن يعطي الحب بمجانية، والقرب المحب للآخرين. وهو يفتح لنا الباب لكي نفهم حنان الله. لا ننسينَّ أبدًا أن روح الله هو قرب ورحمة وحنان. هكذا هو الله، هو يعرف كيف يقترب بحنان. والشيخوخة تساعدنا لكي نفهم هذا البعد لحنان الله. الشيخوخة هي زمن خاص لحلِّ المستقبل من الوهم التكنوقراطي. إنها زمن حنان الله الذي يخلق دربًا لنا جميعًا. ليمنحنا الروح القدس إعادة فتح هذه الرسالة الروحية - والثقافية - للشيخوخة، التي تصالحنا مع الولادة من علُ. إنَّ المسنين هم رسل المستقبل، المسنون هم رسل الحنان، إنّهم رسل حكمة حياة مُعاشة. لنمضِ قدما ولننظر إلى المسنين.