رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ورقة من مذكرات سائح مصرى فى مصر

شرم الشيخ
شرم الشيخ

من نافذة الغرفة 3115 بالفندق الذي أقمت فيه وكان مطلا على مياه البحر الأحمر الساحرة في مدينة شرم الشيخ (جنوب سيناء) ظللت أتذكر أياما صعبة خاضها الجيش المصري، وكنت حاضراً وشاهدا بل وجزءا من بعضها بحكم عملي كمراسل حربي خلال مكافحة الإرهاب. المشاهد القديمة لا تترك ذاكرتي أبداً مهما سافرت آخر العالم، رغم أن الوضع قد تغير تماماً.

فندق يطل على البحر الأحمر

أنا من نقل آخر سائحة أوكرانية 

سائق التاكسي هو عادة دفتر أي مدينة تقصدها كنت صحفياً أو حتى سائحاً، قلت أسأله عن الموضوع الذي جئت من أجله "عاملين إيه بعد الأزمة الأوكرانية وأخبار شرم إيه؟".

صمت دقيقة ثم أخبرني أنه من المنصورة، وأنه رغم عدم حبه للمدينة إلى أنه أتى لـ"أكل العيش" وتعلم الإنجليزية من السائحين لدرجة أن أقاربه كانوا يظنون أنه مدرس لغة إنجليزية، وتذكر موقفا جرى له قبل عام حينما التقى سائحا روسيا وكان يتعامل معه بلغة الإشارة ليقلّه من الأماكن التي يفضّلها موضحا "الرزق يحب الخفية.. والجيش قالك اتصرف".

كنت أقلب أسئلة عدة فى رأسي حين قررت القيام بجولة ليلية في شرم الشيخ خلال ليلتي الأولى، سألني السائق إن كنت قاهرياً أم ريفياً، فتذكرت أن الصحفيين هم من أسوأ أنواع السياح كلما نزلوا في مدينة يحاولون التعرف على أوجاعها ومكان الخطر في حياتها. 

قال إنه كان يقل آخر سائحة أوكرانية من شرم الشيخ بعدما ساعدتهم الحكومة المصرية واستضافتهم فى فنادق مجاناً لفترة خلال بداية أزمة الحرب، موضحاً أنها قالت له إن أمامها 36 ساعة حتى تصل منزلها فى العاصمة الأوكرانية كييف، وإنها تفكر ملياً فى شراء منزل وأرض لتزرعها فى مصر وإنها لا زالت على تواصل معه لتبحث الأمر حتى بعدما سافرت، إلا أنه أشار أن وضع السياحة في ظل كورونا والحرب جعلهم ينتظرون أملاً فى عودتها.

قاعة فى مدينة مصرية تتسع الجميع

لست اقتصادياً ولا أريد، رغم أنه بلا أرقام قد نعيش بسهولة في عالم من الوعود الفارغة والأوهام ولكن ما شاهدته ورصدته  خلال - مؤتمر مجموعة البنك الإسلامي للتنمية الذي عُقد فى مدينة شرم الشيخ الأسبوع الماضي برعاية رئيس الجمهورية وإشراف وتنظيم متميز من الزملاء بوزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية – كان يستحق الكتابة فيما أسميه بالـ"ما وراء الاقتصاد".

وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية الدكتورة هالة السعيد

حينما كنت أتنقل بين قاعات المؤتمر لحضور جلسات للرقمنة والمناخ والعملات الرقمية تذكرت ما يضيق به العالم وحروبه وأزماته وجوائحه وسلاسل الإمداد التي أصيبت بشلل نصفي جاء ما جرى خلال العامين الماضيين، إلا أن بين كل ما يجري حولنا ثمة قاعة صغيرة اتسعت في مدينة مصرية لعدد كبير من وزراء التخطيط والاقتصاد والمالية ومحافظي المصارف المركزية في الدول الـ57 الأعضاء وحوالي 5030 مشاركا، وحوالي 150 متحدثا، وممثلي 45 منظمة دولية، و325 مؤسسة إعلامية محلية وإقليمية ودولية؛ لمناقشة تحديات الوقت الراهن وسبل الحل.

توقيت انعقاد مؤتمر البنك الاسلامي هذه الأيام بالذات صادف أحداثاً إقليمية ودولية لا تبشر بتفاؤل معتاد لأن دخان الحرب الأوكرانية الروسية القادم من البحر الأسود لا يزال يزكم أنوفنا ونبحث عن رئات أخرى للتنفس وسط الأزمة، وهو ما يجعلنا ندرك أهمية هذا المؤتمر لا سيما أن مصر وضعت كل إمكاناتها لضمان نجاح الاجتماعات السنوية لمجموعة البنك الإسلامي للتنمية، وهو ما جرى بالفعل ولمسته بين الوفود والشخصيات المختلفة ممن التقيتهم، مؤكدين كرم الضيافة والاستفادة القصوى من النقاشات المتخصصة والعامة.

يعلم البعض أنه لم تتح فرصة لعقد هذا الاجتماعات في مصر منذ أكثر من 30 عاماً، حيث عقدت آخر مرة في مصر عام 1991، حيث تمكنت مصر بجدارة ممثلة فى وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية من تحقيق رؤى التعاون وبحث الموضوعات والقضايا المشتركة بين الدول الأعضاء على المستويات كافة، إضافة لتنظيم عدد من الفعاليات الجانبية المهمة، منها منتدى الأعمال للقطاع الخاص وعدد من الفعاليات المرتبطة بالاستعداد للدورة السابعة والعشرين من مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية حول تغير المناخ عام 2022، والاقتصاد الأخضر وتحقيق النمو المستدام ومواجهة التغير المناخي، وغيرها من القضايا المطروحة على الساحة الدولية.

البنوك الإسلامية والعملات الرقمية

يظن الكثيرون أنه ما أن يسمع عن البنوك الإسلامية تنتابه حالة من الغرابة والظن أنها لا تنافس البنوك الأخرى وأنها لا تواكب ما هو جديد فى عالم المضاربة، إلا أنه أمر ليس صحيحاً بالمرة خاصة أنه ربما يكون متطوراً بشكل أكبر مما نتخيل.

في تصريحات سابقة، أشارت بنوك إسلامية إلى إمكانية التعامل بالعملات الرقمية والمشفرة خاصة أن لها مستقبلا كبيرا، وإمكانية تعاملها بالعملات الرقمية ليس غريبا، والآن هناك حديث لإصدار عملات رقمية من قبل الحكومات، وستتعامل بها الدول والبنوك، مشددة على أنه من الممكن أن يكون هناك صعوبات وتحديات في حال كان إصدار هذه العملات خارج الإطار الرقابي.

عملات رقمية

داخل جلسة (التحول الرقمي فى الخدمات التكنولوجية: عصر التكنولوجيا الرقمية) اتضح أن مصر لديها نوابغ متخصصين فى هذا الشأن مؤكدين "لا نستنسخ ما تفعله الدول الغربية ولكن لدينا طريقتنا الخاصة"، كان الحديث يدور عن شركات تتعامل فى مجال الدعم الرقمي للتعليم وحويل الدفع اليدوي للمدارس إلى دفع إلكتروني تحت مظلة التربية والتعليم وغيرها من شركات التجارة الإلكترونية. 

إلى أين تتجه التكنولوجيا فى مصر؟ 

"لم يعد من الممكن الإبطاء" هكذا اتفق الحضور فى إحدى الجلسات فمصر تسارع الزمن فى إنشاء كليات الذكاء الصناعي واستخدام التقنيات فى الخدمات والأمور الحياتية، لكن أحد الضيوف من دولة كازاخستان كان لافتاً للانتباه، حينما أكد أن "المشكلة في العقلية وليست التكنولوجيا" لأن التكولوجيا متوفرة ولكل العقل الذي يستخدمه أو يستفيد منه هو الأهم فى المنظومة، موضحاً أنه على الشركات التكنولوجية إضافة قيمة حقيقية للناس خلال الخدمات التكنولوجية.

 كلن يعني كلن.. وأزمة البنادول

سألت إحدى زميلاتي صحفية لبنانية بشأن الأوضاع فى لبنان وشددت فى سؤالها "هل حزب الله له يد فيما يجري الآن فى الساحة اللبنانية وسط تردي الحالة الاقتصادية؟" فأجابتنا بأنه ليس حزب الله فقط ولكن كل المسئولين والطوائف وكل من فى السلطة قاله "كلن يعني كلن".

صيدلية فى لبنان

أبلغتنا الصحفية اللبنانية أن من يملك دولارات يمكنه العيش فقط الآن فى لبنان، موضحة أن هناك أزمة دواء فى بلادها لدرجة أنها عندما تسأل أحداً وهى عائدة من عملها فى الخارج فى البلاد فيطلب منها علبة حبوب للصداع.

هل أتاك حديث محمود محيي الدين؟

يمتلك محمود محيي الدين كاريزما خاصة منبثقة من منصبه كمدير تنفيذي بالبنك الدولي، وحينما التففنا حول هامش المؤتمر وتحدثنا حول رأيه بشأن الائتمان الذي وفرته مصر مؤخراً لتوفير التمويل الكافي لبعض المشروعات، تحدث عن أمور كثيرة أكملها فى جلسة مهمة كان متحدثاً بها عنوانها "تمويل التنمية المستدامة: من تعافي شامل ومستدامة إلى مستقبل مرن"، وأظنه كان حديثاً شفافا بدأ بملاحظة منه عن تأخر الجلسة لساعتين، وأن هذا لا بد أن يوضع فى الحسبان مع السباق مع الوقت وأهميته. 

محرر الدستور خلال نقاش مع الدكتور محممود محيي الدين

قال إنه لا يمكن الحديث عن تمويل مواجهة التغيرات المناخية بلا تمويل للتنمية المستدامة، مفيداً أنه لابد من ترتيب البيت الداخلي قبل التمويل والقروض، مشدداً على مقولة "المقترض هو المقترض" وأنه يشجع على "الاستثمار" لا على "الاقتراض"، لافتاً إلى أنه لا يمكن تسمية الاقتراض استثمارا حتى لا تتوارث الديون حتى الأحفاد. 

وأوضح محمود محيي الدين أن بناء مطار بأموال اقتراض غير مفيد وفي هذه الحالة لابد من تمويل هذا المطار من شراكة بين العام والخاص، مشيراً إلى أن الاقتراض يكون للصحة والتعليم وليس لأجل بناء مطار، وأن البلدان التى تراكمت عليها اليوم لديها فرصة لتحويلها لاستثمار فى الطبيعة.

 وزير الاستثمار المصري الأسبق فى عهد الرئيس مبارك (2004 وحتى 2010) فجر مفاجأة فى الحديث وقال إنه لم يكن محبوبا فى الحكومة، لكن "كنت أحترم نفسي بسبب ما أقوله" وإن النظام الأسبق كان يحاول إيقافه عن هذا الحديث.

كانت نتائج اجتماعات مجموعة البنك الإسلامي السنوية للعام 2022 والتي عقدت خلال الفترة من 1-4 يونيو الجاري مبشرة للغاية لاسيما أنها تكللت بتوقيع 13 مذكرة تفاهم وخطاب نوايا بين الجهات المصرية الشريكة والبنك الإسلامي والمؤسسات الأعضاء في مختلف المجالات الحيوية، بالإضافة إلى حوالي 50 وثيقة تعاون بين مجموعة البنك والدول الأعضاء الأخرى، كما ضمت الاجتماعات هذا العام عددا غير مسبوق من المشاركين من الدول الأعضاء في مجموعة البنك، ومن مختلف أنحاء العالم، إلى جانب نخبة متميزة من ممثلي القطاع الخاص المصري والعربي والأفريقي، وممثلي المجتمع المدني، والمؤسسات التنموية الدولية والإقليمية، والإعلام.

مذكرات سائح مصري في مصر

أنهيت رحلتي بجولة فى مدينة السلام متذكرا "مذكرات سائح مصري فى مصر" للكاتب والأديب الراحل حسين قدري، حيث كانت وجهتا الأولى مسجد المصطفى الذي تم الانتهاء من بنائه في عام 2008 ويحتوي على مئذنتين مهيبتين بارتفاع 72 مترا وقبة ضخمة في الوسط، ثم تنقلت للسوق القديمة والتي كانت تعج بالمتسوقين الأجانب والمحليين، ومنها إلى خليج نعمة الذى لا ينام فى المدينة من فرط صخبه، حيث يحظى بشعبية بين السياح، ثم أنهى سائق التاكسي حديثه معي بأن الحكومة بدأت بالفعل في تحويل السيارات فى شرم الشيخ للعمل بالغاز فقط؛ تمهيداً لتحويلها لمدينة خضراء. 

عدت لقراءة خطة تحويل مدينة شرم الشيخ لتكون سياحية مستدامة بيئيًا ومتكاملة عبر تبني مزيد من التقنيات منخفضة الكربون، والممارسات الجيدة لإدارة المخلفات، ومزيد من الحماية المُعززَة لقوام رأس المال الطبيعي الخاص بها، تأكدت أن ثمة تغييرا حقيقيا يحدث هناك.