رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عن جائزة البوكر 2022

يوم الأحد الفائت، كانت أنظار الأدباء العرب في اتجاه واحد، اتجاه أبي ظبي، انتظارا لإعلان الفائز بالبوكر (الجائزة العالمية في الرواية العربية)؛ فهي الجائزة الأدبية الكبرى المنتظرة، وهي جائزة تجمع عدة متنافسين ينتمون إلى بلاد عربية مختلفة، وقد كانت أنظار أدبائنا المصريين هناك أيضا، لا سيما وقد كان لنا ممثل في هذه الدورة، هو الأديب الأربعيني الرائع طارق إمام، وروايته المرشحة "ماكيت القاهرة" سبق وأثارت ضجة جماهيرية ونقدية ندر مثيلها مع عمل أدبي في السنوات العشر الأخيرة، بل ربما على مدار تاريخنا الروائي الطويل الحافل بالمنجزات؛ لذا كانت الثقة في فوزها عظيمة، وصحيح أن عديدين من الذين حبذوها لم يكونوا قرأوا الروايات الباقية المرشحة، إلا أن "الماكيت" رواية متفوقة وصامدة، مختلفة الطريقة وبديعة الفكرة والبناء واللغة، هكذا تكلم عنها متخصصون معتبرون كثيرون، يتسمون بالحيادية، والأكيد أن كل مصري متحمس قال في نفسه إن الرواية تستحق تقديرا رفيعا لا محالة، وحتى لو ساوت رواية أخرى ثقلها، بمعيار ما، فالطبيعي أن انحاز إليها لأنها نتاج مواطني! (ولا بأس بالقول ما دام قائله يؤيد البراعة والتفوق ابتداء، وما دام انتماؤه إلى وطنه لا يعكس قبلية مقيتة بائسة تجافي مفهوم الأدب).
لم يفز إمام، وفاز الروائي الليبي الشاب محمد النعاس، فازت روايته "خبز على طاولة الخال ميلاد"، فوزه كان مفاجأة لأنه أصغر المتسابقين سنا ومن ثم خبرة، ولأن بلده بلا تاريخ مع الجائزة، ولأن عمله الفائز هو أول أعماله الروائية، وما عطاؤه قبله سوى مجموعة قصصية يتيمة، هكذا، ولكن هذا كله لم يكن ينفي احتمالية جدارته بالكسب للأمانة!  
حزن أكثرنا من أجل طارق الراسخ المدهش، وقد تكون أعجبتنا "حالة" أخينا الليبي الصغير (31 عاما) والذي هو، بالمناسبة، أول فائز بالبوكر في تاريخ ليبيا وثاني أصغر روائي فاز بالجائزة منذ بدأت دوراتها في 2008.. وقد قال إنه كتب روايته في ستة شهور، بمدينة طرابلس، وسط أجواء قتالية قاسية، وقال إن كتابتها "حصنته من الجنون".   
وردت أخبار عن تسريب خبر الفوز قبل إعلانه بساعات، ولا ريب في أن صحتها تشكك في مصداقية الجائزة وتطعن في نزاهتها، وهذا معيب جدا، وعلى كل حال 
إن كان الموضوع انتهى فإن آثاره باقية، وقد كشف محبة ودعما، عرفهما إمام وعرفناهما، كما كشف قدرا من الحقد والشماتة، ومن المؤسف أن يفقد المرء مروءة الناس في أحداثه الفارقة! 
طارق فاز على الحقيقة؛ لأنه أعاد للجائزة بريقا مفقودا بوصوله إلى قائمتها القصيرة وترشحه لنوالها، هو السامق اللامع، غير أن الملاحظ أنها جائزة كما لو كانت تخاصم المصريين؛ فلم ينلها مصري منذ 13 عاما، ونالها مصريان فقط، في بداياتها، هما بهاء طاهر ويوسف زيدان!