رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حكاية الفساد.. والبواب

إلى كل من يريد معرفة عمق الفساد الذي صنعته الأنظمة خلال الخمسين عاما الماضية بمصر، أصعب ما يقابله الكاتب، عندما يكون ما يريد الكتابة عنه أكبر بكثير من اتساع محبرة القلم وأقوي من حروف الهجاء وأبعد من رؤية التحليل، هكذا الآن أنا عندما أمسكت بقلمي واختطف ذهني داخل سنوات حكم تلك الأنظمة. 
فالتاريخ الذي يوثق الأحداث ليس المقصود به ما يسطره الآخرون في كتب، بل هو ضمير وطن ينبض بالحياة، وما يمثل ذلك الضمير هم الشرفاء الذين عاصروا وشاهدوا المواقف والأحداث خلال تلك السنوات، والآن سأغوص بكم، داخل تلك القصة المعبرة عما فعلته تلك الأنظمة في مصر من فساد. 
كان هناك مدير لمدرسة ما، تزوج أخت بواب المدرسة التي يعمل بها، وكان بحكم النسب الذي بينهما يحسن معاملته، فكان كلما تأخر معلم أو تغيب عن المدرسة يطلب مدير المدرسة من نسيبه أن يعطي الطلاب الحصة بدلا من المعلم الغائب، ويقول له مستهزئاً: "إذا كنت لا تعرف في تعليمهم شيئا، فيكفيك أن تتعلم أنت فيهم"!
ومرت الأيام وقام مدير المدرسة بتعيين نسيبه البواب معلمًا بالمدرسة، وانفرجت الدنيا في وجه مدير المدرسة فعين مديرًا للتعليم، وأول ما فعله قام بتعيين نسيبه من معلم لمدير للمدرسة.
وعندما تم تعيين مدير التعليم وزيرًا للتربية والتعليم قام بتعيين نسيبه مديراً للتعليم، نفس المنصب الذي كان يشغله.
وفي يوم من الأيام قرأ نسيبه "شقيق زوجته" قراراً قد صدر منه، إطلاق لجنة من المختصين في الأرجاء لإعادة تقييم شهادات الموظفين بالقطاع التعليمي، فاتصل على زوج شقيقته يرتجف مرعوبًا: "وكيف يعقل هذا؟! أما علمت أنني لا أملك أي شهادات؟!".
فقال له نسيبه وزير التربية والتعليم: "ابتهج يا نسيبي ولا تقلق، فقد عينتك مديرًا على لجنة التقييم".
إن الفاسد يتمادى في فساده طالما أمن العقاب، يسىء الأدب طالما استسهل الحساب، يضع بواباً "مع كل الاحترام والتقدير للبواب الشريف النزيه" على رقاب العباد.
الفاسد يبني أمجاده على أنقاض الآخرين غيره، يبني غناه على إفقارهم وإذلالهم، وسعادته على تعاستهم. 
عزيزي القارئ أعتقد أن القصة المذكورة بها كل الردود على ما فعلته تلك الأنظمة بالوطن مصر والشعب المصري لسنوات ليست بقليلة مقبلة.
فمصر التي بدأ وجودها قبل التاريخ وسطرت كل أمجاد الأمم أسقطتها تلك الأنظمة إلى ذيل كل الأمم وجعلتها خارج دائرة التاريخ، فقد نجحت بكل اقتدار فيما فشلت فيه كل الحروب العسكرية والثقافية عبر كل التاريخ على مصر، ذلك النجاح كان باهر وعظيم وقد عبر عنه الكيان الصهيوني أثناء ما حدث في يناير 2011 عندما حزن صرح وقال إنه "كنز استراتيجي". 
نعم فقد دمروا كل مكونات الهوية المصرية بكل ثقافات الفلكلور المتسلمة من الأجداد الأولين منذ فجر التاريخ، فأصبح الإنسان المصري مكونا يشبه الإنسان في المظهر وبداخله شتات من مكونات مهلهلة غريبة من التطرف والعنصرية والانفلات والهمجية وسطحية التفكير وسفاهة القول والفعل.
فتم تدمير التعليم، ومن التعليم تم تدمير مصر كليًا، ثقافيًا وعمليًا واقتصاديًا واجتماعيًا وأخلاقيًا، فالفساد ليس المقصود به النهب والفساد والاختلاس والرشوة والمحسوبية، لأن تلك هي ظواهر فقط يمكن معالجتها، لكن الكارثة أن ثقافة فساد تلك الأنظمة أصبحت سلوك مؤسسات دولة وأشخاص، وهنا حالة الانصهار الكلي، فتم تقنين الفساد كقانون تعامل مجتمعي وأصبح جزءا من مكونات الشخصية المصرية.
فكلمات ذلك المقال المقدرة بـ600 كلمة لا تستطيع الغوص داخل ما فعلته تلك الأنظمة بمصر، ولا يمكن إصلاح أو علاج ثقافة ذلك الفساد، إلا باجتثاثه من الجذور، فكلمات السيد الرئيس عبدالفتاح السيسي، أمس الأول خلال افتتاح مشروع مستقبل مصر حملت نبرة حزن عميقه من الوطن مصر الذي يسكن بداخله، فقال لا وعي، ولا فهم، جهل، وكان يخاطب من لا يستطيعون التمييز ويتأثرون بأنماط العبارات والكلمات المنمقة التي تدس السم في العسل للمواطن على مواقع التواصل الاجتماعي، تلك هي شريحة كبيرة تصل إلى نصف الشعب المصري هؤلاء هم نتاج ما فعلته أنظمة الفساد وبواب المدرسة بالشخصية المصرية، معظم هؤلاء قد اختاروا مرسي لحكم مصر، والمعنى واضح في باطن الشاعر، ولكل يحاول تبرئه الأنظمة السابقة من الفساد أقول لهم كفى أن ذلك الفساد أصبح كينونة تفكير وسلوك مجتمع وانسان. صحيح ال اختشوا ماتوا.