رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الدراما الاجتماعية.. كشف لجرائم الإرهاب والفساد والخيانة

لأننا فى أيام مباركة انتهى فيها شهر رمضان الكريم ومضى سريعًا، لأن صومه كان يسيرًا ميسورًا، لأنه فى فصل الربيع، حيث الجو البديع والعطاء الجميل للأكثر احتياجًا.. وسلامًا على وطننا الغالى وأرضه الطاهرة المباركة وجنودنا الأبطال الذين يقفون لحماية أمننا وعرضنا.

اليوم فى ثانى أيام عيد الفطر المبارك، أعاده الله علينا باليمن والبركات والأمان والاستقرار والتقدم والعزة والكرامة لنا ولأسرنا ولوطننا الغالى الحبيب ولزعيمنا الشجاع الوطنى المستنير.. وسلامًا لشهدائنا الأبرار وأعزائنا الذين تركوا الدنيا إلى مكان أفضل لدى العلى القدير العظيم.. أكتب هذا المقال للقارئ بعد صلاة عيد الفطر المبارك التى بثتها القنوات المصرية مباشرة، ومشاركة رائعة من الرئيس عبدالفتاح السيسى بقلب إنسانى رحب لصباح العيد مع أسر الشهداء الأبرار من الجنود والضباط المصريين الأبطال.

وبعد أن انتهت أيام وليالى الشهر الكريم قدمت فيها القنوات الفضائية وجبة درامية رمضانية دسمة ومتنوعة ومختلفة خلال الشهر الكريم.. تابعت فيها ما استطعت من المسلسلات والبرامج لأقدم للقارئ رؤية نقدية للدراما الرمضانية.. وفى رابع حلقة أواصل رؤيتى النقدية لبعض الدراما الاجتماعية التى شاهدناها والتى تعرضت لعدة موضوعات مختلفة عن بعضها البعض، وفيها بعض عناصر مشتركة تعكس بعضًا من التغيرات فى السلوكيات والانحرافات التى ظهرت فى المجتمع خلال السنوات الأخيرة، حيث رأينا فيها كشفًا للفساد والتطرف والخيانة والانحرافات وأنواعًا من الجرائم والعنف، إلا أنها أيضًا كانت فى معظمها نهايات مريحة للمشاهد وشبه سعيدة وعقاب للجريمة والانحراف، وهذا يحسب لبعض الشركات المنتجة وإن كانت هناك أيضًا دراما اعتمدت على العنف والخيانة ووضعت عليها لافتة لأكثر من ١٢ سنة، رغم أنه كان يجب أن يوضع عليها فوق ١٨ سنة.

أولها: مسلسل «بطلوع الروح»، وهو فى تقديرى من أفضل المسلسلات الكاشفة للحقائق فى تاريخنا الحديث الذى عايشناه والتى شاهدناها خلال الشهر الكريم بعد مسلسلى «الاختيار ٣» الذى كتبت فى مقال سابق أنه يتصدر أفضل مسلسل لرمضان هذا العام ويقف فى منطقة خاصة به وحده بلا منافس، وهو كاشف لحقائق تاريخ مصر الذى عايشناه وعانينا منها منذ أحداث يناير ٢٠١١ حتى قيام ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣ والتى أطاحت بالإخوان وأتباعهم من الظلاميين، وأصبحت مصر حرة بفضل الإرادة الشعبية وبفضل حماية أبطال جيشها العظيم وأبطال أجهزتها الأمنية السيادية والدور البطولى الذى قام به زعيم مصر عبدالفتاح السيسى ومواقفه الشجاعة والمشرفة والقوية فى الدفاع عن الوطن الغالى وحماية الشعب وإرادته فى الخلاص من الظلاميين إلى الأبد.. ثم يأتى بعده فى كشف الحقائق من ملفات الأمن المصرى مسلسل «العائدون»، حيث يقف بعد مسلسل «الاختيار ٣» فى ملحمة وطنية كتبت عنها أيضًا لكشف بطولات ودور رجال الأمن المصرى فى الدفاع عن الوطن وكشف مؤامرات دولية وعصابات إرهابية كانت تتربص بأمن مصر وفشلت بفضل رجال الأمن المصرى ونسائه.

أما مسلسل «بطلوع الروح» فهو يدور فى ١٥ حلقة فقط. وهو دراما مستقاة من أحداث حقيقية كاشفة لدموية جماعات ظلامية تستعبد البشر وتستخدم الدين، والدين منها براء.. وتنفذ الجرائم الدموية فى أحداث مروعة تقشعر لها الأبدان لمن يشاهدها.. هذا المسلسل نجح فى جذب المشاهدين رغم بشاعة مضمون المحتوى وتصوير الترويع والدموية والقتل وسفك الدماء التى تحدث فى منطقة الرقة.. إلا أنه، فى رأيى، قد أوصل رسالة مهمة وضرورية لفهم ما يحدث من أيادى الشر، وهى كشف لجماعات الظلاميين بصورة قاسية وكشف للمؤامرات التى تحاك لتدمير الحضارة العربية والمنطقة العربية وتدمير وجه الإسلام الحقيقى نفسه.

وتدور الأحداث فى منطقة الرقة التى توجد فيها جماعات داعش وتسيطر عليها بقتل أهلها وأخذ نسائها سبايا، حيث نرى الفنانة منة شلبى «روح»، والتى فى تقديرى تصعد بهذا المسلسل كواحدة من أفضل فنانات جيلها فى مصر بهذا الدور المهم الذى يعد نقلة نوعية فى مسيرتها الفنية.. إن منة شلبى مبدعة معجونة بفن التمثيل.. هى لا تمثل فى هذا المسلسل القاسى الكاشف، بل تتوحد مع دورها وتتقمص الرعب والخوف والرفض والغضب والضياع وسط عالم دموى لا تنتمى إليه.. ووسط وحوش يستبيحون كل شىء ويستحلون لأنفسهم قتل الأرواح والأجساد، ووسط هذا العالم المروع تفكر فى الهروب بعيدًا مع ابنها لتنجو به من وسط الهلاك.. وبقايا الجثث.. فى رحلة هروب مأساوية أليمة ومخيفة معًا.. وفى بداية المسلسل يكشف لنا المؤلف عن أن الذهاب إلى هذا العالم الدموى يحدث أيضًا بخطط إجرامية، حيث استدرجها زوجها «أكرم» وخطفها دون علمها إلى منطقة الرقة معه، حيث انضم للعصابات الدولية الداعشية دون علمها، والتى يقودها مجرم مريض نفسيًا وسادى وحاقد على روح، ودموى إلى حد الوحشية، والذى يجسده الفنان «أحمد السعدنى» فى دور عمر باقتدار.. وتنجح منة شلبى فى الهروب من الرقة بعد استيلاء الأكراد عليها، ولكنها لا تستطيع العودة لمصر. ويبقى الرجوع لمصر حلمًا بعيد المنال، حيث يساعدها صحفى لبنانى هارب فى الحصول على جواز سفر لبنانى منتحلة شخصية صحفية، كما برع أحمد السعدنى فى أداء دوره الدموى والوحشى إلى حد أن المشاهد يكره ظهوره على الشاشة وينتظره مستقبل كبير فى التمثيل.. وبرع أحمد حاتم فى دور «أكرم» فى تجسيد الداعشى المراوغ الذى ينغمس ثم ينقلب على الدموية قبل نهاية الحلقات.

ذكرتنى هذه الدراما بفيلم قامت ببطولته النجمة الأمريكية القديرة والشهيرة سالى فيلد التى أحبت شابًا إيرانيًا ثم استدرجها للعودة لإيران، حيث اكتشفت أنها أسيرة للتطرف والتشدد والقسوة والعنف ودونية المرأة، وتحاول الهروب مع ابنتها وتنجح فى ذلك فى رحلة مأساوية طوال الفيلم الأمريكى، وهو بعنوان «ليس بدون ابنتى»، وهى واحدة من أشهر وأقدر النجمات الأمريكيات وحاصدة جوائز كثيرة، أوسكار وجولدن جلوب وإيمى، عن أدوارها المتنوعة فى السينما والتليفزيون.. وقصة المسلسل كاشفة ومستمدة من أحداث حقيقية لهشام عبية، وهى تستحق تكملة فى السنة المقبلة، والإخراج لمخرجة قديرة هى كاملة أبوذكرى. 

وثانى مسلسل: هو «ملف سرى» وهو مسلسل يقدم أنواعًا من الفساد والجرائم والانحرافات التى شاهدناها وعايشناها خلال السنوات الصعبة التى مرت بنا منذ أحداث ٢٥ يناير ٢٠١١ وقبل ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣ الشعبية العظيمة.. حيث كثرت عمليات غسيل الأموال الآثمة التى ظهرت على السطح والتى كانت تحدث لتمويل الإرهاب والسلاح والمخدرات والقتل وعصابات الشر التى كانت تقوم بجرائم متتالية ظنًا منها بأنه لن يتم كشفها وأنها ستمضى بلا عقاب جنائى.. إلا أن المسلسل كشفها مع الحرص على التأكيد على أنها ليست توثيقية، وإن كنت أرى أنها ذكرتنا بأسماء تم القبض عليها وكشفتها الأجهزة الأمنية لمحاسبتها على جرائمها الضخمة.. المسلسل اعتمد على أسلوب الأكشن والأحداث السريعة لكشف الخيانة تلو الخيانة من أقرب المقربين.. وفى تقديرى أن المسلسل جعلنا نرى العائلات من خلال منظار أسود، حيث نرى خيانات متتالية حتى فى عائلة القاضى الشريف الذى يعانى من سلسلة من الجرائم ضده لترك القضية. «هانى سلامة» طوال الحلقات يكتشف خيانة الشقيق الكبير المحامى له داخل بيته وأسرته وهو «نضال الشافعى»، ثم نرى قتل الشقيق «إيهاب فهمى» لابن شقيقه الأكبر «محسن محيى الدين».. كما نرى فساد البلطجى «ماجد المصرى» الذى يتحول لانتحال شخصية شقيق شديد الثراء ويلقى بابنه «محمد محمود عبدالعزيز» فى الشارع والذى يتحول إلى مجرم عتيد.. ثم نرى ابنة الفاسد «عائشة بن أحمد» بريئة وسط عالم من الفساد وغسيل الأموال، لكنها لا تكتشفه إلا متأخرًا، حيث تكتشف من خلال القاضى الشريف أن والدها فاسد ومنحرف ومحرض وملىء بكل الانحرافات، ولها شقيق مريض نفسيًا أيضًا.. ونرى أم القاضى رئيسة تحرير لمجلة «مادلين طبر»، لكنها لا تكتشف انحراف وحقد ابنها الأكبر إلا فى الحلقات الأخيرة، وهى تعيش معه دون أن تكتشف شخصيته وتعيش الخوف والرعب والتهديد طوال حياتها بسبب ترصد المجرمين لابنها القاضى الشريف.

المسلسل بشكل عام نجح فى جذب المشاهد من خلال قصة الفساد الطاغى الذى يعمى الأبصار والضمائر الميتة الشرهة للدماء والثراء الحرام التى قدمها لنا سيناريست متميز هو محمود حجاج، ومخرج قدير فى مشاهد الصراع المحتدم وطغيان الجريمة وهو خالد البلاسى.. ويحسب للمسلسل أنه قدم نهاية شبه سعيدة حيث يتزوج القاضى المحترم ابنة المجرم العتيد فى مشهد عرس ينسينا قليلًا أحداث العنف والدماء والفساد المستشرى.

ويحسب أيضًا براعة مجموعة الفنانين المشاركين ومنهم النجم الذى برع فى انفعالاته وصدماته المتتالية «هانى سلامة» التى وصلت إلى حد خيانة الشقيق وحقده عليه، وماجد المصرى «يوسف المالكى أو عاشور» وهو من أفضل فنانينا الذين برعوا فى تجسيد الشر فى السنوات الماضية، وفى هذا المسلسل تحديدًا بتمكن وقدرة فائقة، ومحسن محيى الدين «هارون المالكى» وإدوارد «الصديق الطيب» ومادلين طبر التى تميزت فى دور الأم لأول مرة ويحسب لها هذا الدور.. ونضال الشافعى «شاكر» يجسد الشقيق الذى نكتشف أنه حاقد على شقيقه الأصغر وفاسد أيضًا ومريض نفسيًا أيضًا، وإن كان شديد العصبية عالى الصوت وبنبرة عالية متواصلة.. وإيهاب فهمى برع فى دور الشقيق الشره للمال والمنقاد والذى يصل إلى حد قتل ابن شقيقه.. ومما خفف من عنف الأحداث والخيانات فى كل العائلات التى رأيناها فى المسلسل بعض المشاهد الرومانسية بين هانى سلامة «يحيى عزالدين» وعائشة بن أحمد «مريم المالكى»، وينتمى المسلسل لأسلوب دراما التشويق والجريمة.

ثالث مسلسل هو: «توبة» الذى نجح فى جذب الجمهور بأحداثه التشويقية فى أحد الأحياء الشعبية ببورسعيد، حيث يقدم محاولة «توبة» (عمرو سعد)، التوبة عن الانحراف الذى قاده إليه أقرب المقربين فى سنوات طفولته خاله «محمد لطفى».

ويدور الصراع بين التمسك بالخير والإصرار على العيش فى الحلال، وضغوط الشر والجرائم من أهل الشر والجريمة «ماجد المصرى» وخيانة أقرب المقربين الشقيق المجرم «محمد دياب» وشقيقة الزوجة «أسماء أبواليزيد» وهى شقيقة المنحرفة المجرمة «رحاب الجمل» وتؤدى الخيانة من الشقيق إلى وفاة أقرب الأحباء وهما الزوجة والأب.. مما يؤدى إلى العودة للانحراف واللجوء للشر كوسيلة للخلاص وللانتقام من أهل الشر والفساد والانحراف والجريمة.

استطاع الفنان عمرو سعد «توبة» أن يجسد الصراع النفسى الدائر فى نفس عامل خراطة وماهر فى صنع المفاتيح بين الرغبة فى السلوك الحلال والقويم والصراع مع الشر الذى حوله ويدفعه دفعًا إلى الانتقام من هول الجرائم الموجهة ضده لدفعه للجريمة مرة أخرى.. واستطاع عمرو سعد أن يتقمص الدور إلى حد أنه أصبح من أقدر الفنانين فى المشهد الدرامى من نجوم الصف الأول والذى جذب الجمهور فى قدرته على تقمص دور الخراط البسيط فى حى شعبى ببورسعيد، وتغيير مظهره تمامًا وشكله ونبرات صوته، ليجسد الشخصية فى مختلف مراحلها، وجاء موته فى النهاية كنهاية حزينة لم تتلاءم مع رغبته فى الاستقامة.. وكان يمكن لكتاب الورشة أن يدخلوه السجن ثم يخرج ليرتبط ببنت الحارة البورسعيدية الجدعة التى جسدتها باقتدار صبا مبارك فى دور «إحسان» المحبة الرومانسية والجدعة التى تصدم فى أبيها وتكتشف مصائب وجرائم والدها ومن حولها.. كما برعت الفنانة «انتصار» فى تجسيد السيدة العمياء بنت الحارة الأصيلة، لكنها ذات بصيرة وشجاعة، وفى تقديرى أن انتصار فنانة ذات قدرات فائقة ومتنوعة، فهى أيضًا كوميدية بارعة وتتميز بخفة دم أضافتها فى دورها بالمسلسل، وتقف بهذا المسلسل كواحدة من أقدر فناناتنا فى المشهد الدرامى الحالى.. الإخراج لأحمد صالح كان بأسلوب الأكشن المتميز، كما تميز فى تصوير الحارة الشعبية فى بورسعيد وفى القاهرة، ولا أنسى الأداء البارع لعبدالعزيز مخيون فى دور الأب وأسماء أبواليزيد فى دور زوجة توبة، هذا المسلسل فيه الكثير من الخيانات والجرائم العنيفة، لكنه نجح فى جذب المشاهدين على مدى الشهر الكريم. 

وللحديث بقية مع الدراما الاجتماعية الرمضانية.