رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حكاية مسجد| أحمد بن طولون الذي لم يحترق مع مدينته

مسجد بن طولون
مسجد بن طولون

تأثرت مصر عبر تاريخها بما يحدث في محيطها العربي والإسلامي في مختلف العصور، وتأتي التغييرات في شكل المدن والعمارة خاصة بناء المساجد في مقدمة تلك التأثيرات، فقد كان الولاة والحكام يعتبرون بناء المساجد الطريقة الأهم لتخليد أسمائهم في التاريخ، ومن أهم المساجد الشاهدة على مرحلة هامة في تاريخ مصر "مسجد بن طولون".

للمرة الأولى في تاريخها حظيت مصر بحكم شبه منفرد ومستقل بمعزل عن دولة الخلافة منذ الفتح الإسلامي، ففي عهد الدولة العباسية، في عام 254هجرية / 868 ميلادية عين الخليفة العباسي المعتز بالله بن المتوكل، أحمد بن طولون واليًا على مصر، واستقل بها طيلة فترة حكمه، فقد تغير ثلاث خلفاء في الدولة العباسية، وظل أحمد بن طولون واليًا على مصر.

ولما جاء أحمد بن طولون إلى مصر أمر ببناء مدينة القطائع عام 256 هجرية / 870 ميلادية، وقد بنيت في المنطقة الواقعة بين قلعة الجبل، وحتى مشهد زين العابدين، وقد أطلق عليها القطائع لأنها كان يسكنها عساكر بن طولون، وكانت تسمى كل قطيعة باسم سكانها، فقد خصصت قطيعة للنوبة وأخرى للروم وما إلى ذلك.

ولما استقر الحكم لابن طولون، كانت المساجد الجامعة في القاهرة مسجدين فقط، هما عمرو بن العاص ومسجد العسكر، وشعر بن طولون أن هناك حاجة ملحة لبناء مسجد جامع جديد يتسع لعدد أكبر من المصلين، فشرع في عام 263 هجرية/ 876 ميلادية في بناء مسجد بن طولون على مساحة تزيد عن 6 أفدنة (ما يقارب 25 ألف متر، شاملة المساحة المحيطة بالمسجد، وقد تعددت الروايات عن طرق تمويل المسجد، فقيل أن بن طولون في أحد الأيام وأثناء سيره فوق الجبل وجد كنزًا من المال في الموضع المعروف بتنور فرعون، وأما الرواية الأخرى أنه أنفق عليه من بيت المال، ولذلك قرر بناء المسجد على قمة ربوة صخرية أطلق عليها في ذلك الوقت جبل يشكر، ليصبح الجامع الرئيسي لمدينة القطائع والتي أصبحت العاصمة الجديدة التي اتخذها أحمد بن طولون مقر للحكم، واستغرق بناء المسجد ثلاث سنوات، لينتهي البناء في عام 266 هجرية /879 ميلادية.

ومسجد أحمد بن طولون هو المسجد الوحيد بمصر الذي غلب عليه طراز البناء العراقي، على طراز المسجد العباسي بسامراء العراقية، ومئذنته الملوية يبلغ ارتفاعها  40,44 متر، وقد حدث خلاف بين المؤرخين حول ما إذا كانت المئذنة قد أضيفت فيما بعد أم أنها جزء أصيل من بناء المسجد، وتحتوي على عقود ونوافذ مطلة على صحن الجامع، وتقع النافورة "الميضأة" المخصصة للوضوء في منتصف صحن المسجد، تعلوها قبة مرتكزة على أعمدة رخامية، بداخل المسجد ستة محاريب، ويتميز المحراب الرئيسي للمسجد بأنه مجوف ذو زخارف لا يوجد لها مثيل في المساجد المصرية.

ويتكون المسجد من صحن مكشوف مربع، يتوسطه قبة تحيط به أربعة أروقة من جوانبه الأربعة، ويضم كل رواق رواقين آخرين، بينما يضم رواق القبلة خمسة أروقة، ويحتوي المسجد على 42 باب منها 21 باب للمسجد الأصلي يقابلها مثلها للزيادات.

وقد أضيف للمسجد محاريب وبعض الزخارف في عهد الدولة الفاطمية أبرزها ما أضافه  الوزير بدر الدين الجمالي عام 487 هجرية، في عهد الخليفة المستنصر.

الجامع الطولوني هو الوحيد في مصر الذي بقي على حالته دون تغيير، بخلاف جامع عمرو بن العاص، بل ويعد الأثر الوحيد الذي بقى من مدينة القطائع التي أحرقها العباسيون مع نهاية حكم الدولة الطولونية التي استمرت 34 عامُا.