رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الاختيار.. أفضل قرار درامى

اعتدنا دائمًا أن تنقل لنا الدراما التاريخ القديم، الذي مرّ عليه سنوات وسنوات تم توثيقها، وخضعت للمعالجة الدرامية، ولكن الجديد أننا في هذا العام نُشاهد عملاً يُؤرخ فترة عصيبة مرت بها مصر، ورغم أنها كانت فترة قصيرة، إلا أن ما شهدته من أحداث كان كفيلاً بأن يحدث في قرن كامل من الزمان، بسبب أحداث الشغب والفوضى والمُؤامرات، فلقد كنا قديمًا نُعاني من المُستعمر الأجنبي، أما في تلك الفترة فقد كان المُستعمر مصريًا، ولكنه رغم ذلك مُستعمر لأنه كان يُصر على تقسيم الشعب المصري إلى فئات، وتصنيفهم وفقًا لانتماءاتهم الدينية، والتدخل في أكثر العلاقات خُصوصية، وهي علاقة الإنسان بربه، والأهم من ذلك صبغ السياسة بالدين، واستثمار الدين من أجل المُكتسبات السياسية، وتلك الفترة هي فترة حُكم الإخوان، فهي كانت لمدة عام كامل، ولكنه كان مُكدسًا بالأحداث والمُؤامرات المُحاكة من أجل التنكيل بالعناصر الوطنية.. والرائع أن درامتنا المصرية الوطنية نجحت وببراعة فائقة في نقل تلك الأحداث الشائكة من خلال العمل الدرامي الوطني الوثائقي «الاختيار»، والذي كان يحمل عُنوان «القرار»، والذي من خلاله تم عرض كل المشاهد والأحداث السياسية التي مرّ بها الشارع المصري، وببراعة شديدة خلال تلك الفترة، ودون أي تغيير أو تجميل أو حتى مُعالجة للأحداث، فنحن نُشاهد العمل وكأننا نعود بالزمن إلى الوراء عشر سنوات كاملة، فالمسلسل نقل الأحاسيس التي كانت تُسيطر على كل مواطن مصري شريف، من قلق وتوتر وتخوّف من المستقبل على هذا البلد العظيم، فقد كان كل منّا يستشعر بأنه يعيش داخل كابوس حالك الظلام، وينتظر اللحظة التي يستفيق فيها من غفوته لكي يرى بصيص الأمل والنور من جديد.

وما لفت نظر كل المشاهدين ما نجح فيه صُنّاع العمل من نقل الأحداث الحقيقية بالصوت والصورة في نهاية كل حلقة، من خلال فيديو قصير للأشخاص الحقيقيين، لكي يتم توثيق وتأريخ كل حدث على حدة، وهذا وإن كان يدل على شيء، فإنما يدل على أن الحكومة المصرية بكافة مؤسساتها الوطنية كانت تُتابع الموقف وترقبه بشدة من أجل حماية الدولة من التطرف الذي كاد أن يُودي بها، لولا يقظة أجهزتها المخابراتية والأمنية المخلصة.

وحتى لا تأخذني الأحداث السياسية والتاريخية عن الأحداث الفنية والدرامية، فأحب أن أؤكد نجاح عناصر العمل في تجسيد الشخوص الوطنية المخلصة، وأشيد بالنجم الفنان «ياسر جلال» الذي نجح في تجسيد شخصية الرئيس الوطني المخلص «عبدالفتاح السيسي»، فهو نقل كل الضغوط العصبية التي مر بها «الرئيس السيسي» خلال فترة توليه وزارة الدفاع، ومدى قُدرته على الإمساك بزمام الأمور، وتحييد الجيش، والحفاظ على الدولة من الضياع الذي كان ينتظرها في ظل حكم المرشد والإخوان.. وكذلك لا ننسى الطلّة التي ظهر بها النجم «أحمد عز» في تجسيد شخصية ضابط المخابرات العامة المصرية، في صورة مبدعة، جعلت الأحداث تأخذ شكل المغامرة الشيّقة التي ينجح في تجسيدها ببراعة عبر أعماله الدرامية، ولكنه في هذا العمل تفوق على نفسه، لأنه توحّد مع الشخصية تمامًا، وبرع في أدائها بخفّة ظلّه وتلقائية أدائه، علاوة على إظهار حجم المجهود الضخم الذي بذله جهاز المخابرات العامة لحماية الدولة من المؤامرات الخارجية.. أما النجم «أحمد السقا» فهو أثبت قُدرته على تغيير جلده، لأنه قدّم شخصية جديدة عليه تمامًا، ونجح في إظهار كافة الانفعالات والأحاسيس التي تُخاطب ضابط الأمن الحربي، وقُدرته على الثبات الانفعالي، رغم ما يمرّ به من أزمات عائلية تكاد تعصف به، ولكنه رغم ذلك يصمد ويُصرّ على عدم تأثر عمله بمشاكله الشخصية، وهذه هي السمات الحقيقية للضباط المصريين.. وأيضًا النجم «كريم عبدالعزيز»، الذي يستمر في تقديم شخصية ضابط الأمن الوطني، بعد نجاحه في تقديمها العام السابق في «الاختيار 2»، ولكنه رغم ذلك يُشْعرنا وكأننا نشاهده لأول مرة، بسبب إمساكه بمفاتيح الشخصية، وقُدرته على قيادتها بانسيابية شديدة، جعلت المشاهد يترقّب مشاهده، بسبب أدائه الرائع.

والحقيقة أن الفنانين الذين أدوار أدوار قيادات الإخوان أثبتوا أنهم في مصاف النجوم العالميين، فلقد أبدعوا في أداء أدوارهم بشكل جعلنا ننسى تمامًا شخوصهم الحقيقية، لدرجة أننا بتنا نفصلهم تمامًا عن حقيقتهم، ونتعامل معهم على أنهم قيادات الجماعة الإسلامية بالفعـل، وأحبّ أن أشيـد بأداء الفنــان الكبيـر «خالد الصاوي» الذي برع في تجسيــد شخصية «خيــرت الشاطر»، وأيضًا الفنان القدير «عبدالعزيز مخيون» الذي من شدة تقمصه شخصية المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين جعلنا نستشعر وكأننا أمام الشخصية الحقيقية بالفعل، كل التحية والتقدير له.. كما أنني أوجه كل التحية للفنان «خالد زكي» على أدائه شخصية رجل القضاء، الذي يحمل هموم وطنه، لدرجة أثّرت على صحته العامة، فرغم قلة مشاهده، إلا أنها كان لها مذاق شديد الخصوصية.

وأيضًا خالص التحية للفنان القدير «أحمد بدير» على أدائه المُتميز لشخصية «المشير طنطاوي»، والذي جعلنا نتعايش مع مدى المجهود العظيم الذي بذله المشير الراحل من أجل الحفاظ على البلد في تلك الفترة العصيبة.

وأخيرًا، لا يسعني أن أقول سوى إن هذا العمل ما كان ليخرج في تلك الصورة الرائعة إلا في ظل وجود عناصر شديدة الوطنية والتعاون، بدءًا من القيادة السياسية التي تحرص على تقديم كل العون لمؤسسات الدولة، مرورًا بإنتاج لا يضنّ على العمل بأي شيء، حتى يخرج في أفضل صورة، ثم بنجوم وثّقوا تاريخهم الفني بمشاركتهم في هذا العمل الوطني، وأخيرًا بجمهور يشاهد بقلبه العمل الذي يُوثق ويُؤرخ تاريخ دولته العريقة، فحقًا مسلسل «الاختيار» أفضل قرار اتخذته الدراما المصرية.