رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الذين خانوا عمران خان!

 

بموافقة ١٧٤ نائبًا، هم أكثر من نصف عدد أعضاء «الجمعية الوطنية»، البرلمان، تم سحب الثقة من عمران خان، رئيس الوزراء الباكستانى، فى الساعات الأولى من صباح أمس، بعد أزمة سياسية استمرّت عدة أسابيع، اتهم خلالها «خان» الولايات المتحدة بالوقوف وراء محاولات الإطاحة بحكومته، وطالب قادة المعارضة بقبول إجراء انتخابات مبكرة، بدلًا من أن يكونوا جزءًا من تلك المؤامرة!.

الأجواء السياسية فى إسلام آباد شهدت توترات بالغة خلال الأسبوعين الماضيين، إثر اتهام عمران خان زعماء المعارضة، بتقاضى رشاوى من المخابرات الأمريكية للإطاحة به. واستند فى تلك الاتهامات إلى خطاب أرسله السفير الباكستانى فى واشنطن، نقل فيه عن دبلوماسى أمريكى عبارات غير دبلوماسية هاجم بها «خان»، بسبب سياسته الخارجية، مع تهديدات بمعاقبة باكستان، حال عدم سحب الثقة من حكومته.

أمام حشد من مؤيديه، قام «خان» فى ٢٧ مارس الماضى، بسحب ورقة من جيبه ورفعها فى الهواء، كانت غالبًا نسخة من ذلك الخطاب، باعتبارها دليلًا على المؤامرة التى تستهدفه، وأكد أنه حتى لو فقد دعم البرلمان، فإن إرادة الشعب الباكستانى ستعيده إلى الحكم. وبعد أيام كرر الاتهامات نفسها فؤاد تشودرى، وزير الإعلام الباكستانى، موضحًا أنه فى ٧ مارس، أى قبل يوم واحد من تحرك المعارضة، فى مسار سحب الثقة، تم توجيه الدعوة إلى سفير باكستان لدى واشنطن لحضور اجتماع حضره ممثلون عن دول أخرى، وقيل له خلال الاجتماع إن العلاقات ستكون أفضل بين البلدين إذا ترك عمران خان منصبه.

طوال ٧٥ سنة، هى كل تاريخ تلك الدولة، التى تمتلك السلاح النووى والبالغ عدد سكانها ٢٢٠ مليون نسمة، لم يكمل أى رئيس حكومة مدة حكمه كاملة، لكن ما ميّز خان عن سابقيه هو أنه أول رئيس وزراء يُقال من منصبه بسحب الثقة. كما ميزه أيضًا أنه وجد من يصدقه حين زعم أن الولايات المتحدة انزعجت من انتقاداته لسياساتها فى أفغانستان وغضبت من قيامه بزيارة روسيا فى اليوم الأول من بدء الحرب على أوكرانيا.

بالفعل، زار «خان» موسكو، واستقبله الرئيس فلاديمير بوتين، يوم ٢٤ فبراير الماضى، يوم تحرك القوات الروسية نحو أوكرانيا. لكننا لا نتذكر أن الولايات المتحدة أعربت عن انزعاجها أو التفتت أساسًا إلى تلك الزيارة، بالضبط كما تلتفت إلى قيام عمران خان بوصف أسامة بن لادن، مؤسس وزعيم تنظيم القاعدة، بأنه شهيد فى كلمة ألقاها، فى ٢٥ يونيو ٢٠٢٠، أمام البرلمان، بدأها بعرض التدابير التى اتخذتها حكومته لمواجهة وباء «كورونا المستجد»، ثم انحرف، فجأة، ليستعرض علاقات بلاده بالولايات المتحدة.

لم تكن تلك هى المرة الأولى التى يدلى فيها خان بتصريحات تؤكد دعم بلاده للإرهاب، إذ كان قد أقر، فى ٢٠١٩، بأن الجيش الباكستانى قام بتدريب القاعدة، وحافظ على علاقاته مع التنظيم. كما وصف انقلاب باكستان على التنظيم بعد هجمات ١١ سبتمبر بأنه كان أكبر أخطاء بلاده. وفشل فى نفى الاتهامات التى تطارد بلاده بأنها لا تزال تؤوى إرهابيى طالبان والقاعدة وتسمح لهم بالعمل، من أراضيها، لاستهداف الهند.

قاد «خان» منتخب بلاده فى لعبة الكريكيت للفوز بكأس العالم سنة ١٩٩٢، وفى أغسطس ٢٠١٨، أصبح رئيسًا للوزراء، بأغلبية برلمانية ضئيلة. وفى أكتوبر التالى، أكتوبر ٢٠١٨، توطدت علاقات باكستان بحركة طالبان الأفغانية، وأفرجت مثلًا، بوساطة قطرية، عن الملا عبدالغنى برادار، أحد مؤسسى الحركة، الذى اختير فى ٢٤ يناير ٢٠١٩ قائدًا سياسيًا للحركة، ورئيسًا لمكتبها السياسى فى الدوحة، وقاد المفاوضات مع الولايات المتحدة، التى لعبت فيها باكستان وقطر دورًا مهمًا، وانتهت بسيطرة طالبان على حكم أفغانستان.

الخلاصة، هى أن الذين خانوا «خان» هم أنفسهم الذين أوصلوه إلى الحكم، وتركوه يلعب على كل الحبال، طوال السنوات الأربع الماضية، وحين قرروا رفع غطائهم عنه عجز عن الصمود لأربعة أسابيع، ولم يتمكن من إفشال ما وصفها بـ«المؤامرة». ونعتقد أنهم سيقومون بتجريب شهباز شريف، الذى سيخلفه فى رئاسة الحكومة، حتى أكتوبر ٢٠٢٣، الموعد العادى لإجراء الانتخابات المقبلة.