رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تجويعنا أم تغييرنا؟

أجمل التهاني للشعب المصري الصائم الصوم  الكبير، وشهر رمضان الكريم، فالصوم كتعبير عن الحب لله يُمارس في كل الأديان، ومن خلاله نقترب من الله أكتر فنتغير للأفضل  بشرط أن يكون اقترابنا حقيقي لا مزيف، بالروح لا بالجسد، بالحق لا بالوهم.

ليس غرض الصوم تجويعنا بل تغييرنا، فليس في الجوع ما يُسر الله أويرضيه، لكن الغرض الرئيسي منه هو الامتناع عن كل ما يُعطل خلوتنا به وعبادتنا له من كل القلب والنفس، إنه فرصة جميلة للتأمل في محبة الله وكرمه واحساناته التي يجزلها لنا بغنى كل صباح فنقدرها، ومن ثم نتغير من الشكوى والتذمر إلى الحمد والشكر.

ليس غرض الصوم الامتناع عن الأكل فحسب،  بل الامتناع عن الأفعال المُسيئة، والكلام الجارح الهدام المُحبط لأهلي  وأصدقائي، كثيرون يخافون أن يبلعوا نقطة ماء لئلا يفطروا، بينما يبلعون حقوق والديهم في الطاعة والإكرام، وحقوق اخوتهم في الميراث، وحقوق أزواجهم وابنائهم في الاهتمام والاحترام، وحقوق العملاء والمُستهلكين في الخدمة الأمينة بلا مغالاة او تعطيل. الصوم فرصة لنتغير في كل معاملاتنا.  

ليس غرض الصوم اغلاق الفم عن الأكل والشرب فقط، بل اغلاق العين عن النظر إلى الباطل، واغلاق الأذن عن سماع النميمة والمذمة، إنه نوع من التدريب الراقي لضبط النفس والامتناع عن كل العادات السيئة المُدمرة للنفس والجسد ، كما أنه فرصة لنختبرالاحساس بالجوع والعطش  فنقدر الفقراء ونشاركهم ليس فقط  في مشاعرهم ولكن في تسديد احتياجاتهم.

ليس الصوم فرصة لاستعراض تقوانا والظهور بمظهر الصالحين أمام الناس في الشوارع والميادين، وليس فرصة للعبوسة والضجر والحزن وعدم احتمال من حولي،  قال السيد المسيح في الموعظة على الجبل  «وَمَتَى صُمْتُمْ فَلاَ تَكُونُوا عَابِسِينَ كَالْمُرَائِينَ، فَإِنَّهُمْ يُغَيِّرُونَ وُجُوهَهُمْ لِكَيْ يَظْهَرُوا لِلنَّاسِ صَائِمِينَ. اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُمْ قَدِ اسْتَوْفَوْا أَجْرَهُمْ. وَأَمَّا أَنْتَ فَمَتَى صُمْتَ فَادْهُنْ رَأْسَكَ وَاغْسِلْ وَجْهَكَ،لِكَيْ لاَ تَظْهَرَ لِلنَّاسِ صَائِمًا، بَلْ لأَبِيكَ الَّذِي فِي الْخَفَاءِ. فَأَبُوكَ الَّذِي يَرَى فِي الْخَفَاءِ يُجَازِيكَ عَلاَنِيَةً"        
متى نكون قد استفدنا من الصوم؟   عندما نستمر في سلوكنا بعد الافطار كما كنا قبله، فالافطار ليس رخصة لارتكاب الشرور والمعاصي. الصوم يعطي للانسان ثقة في نفسه إنه بنعمة الله يستطيع أن يقول لا لشهواته الطبيعية التي لا غبار عليها، وبالتالي يستطيع أن يقول لا لشهواته المُحرمة، لذلك أرى في الصوم فرصة ثمينة لا لتجويعنا، بل تغييرنا وترقىة نفوسنا وتهذيبها  لتختبر الحياة الأفضل. وكل عام وجميعكم بخير.                       

راعي الكنيسة الإنجيلية في العباسية.