رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عاصمة دواء إفريقيا

 

الاتفاقية المنشئة لـ«وكالة الدواء الإفريقية»، AMA، بدأ العمل عليها سنة ٢٠١٩، والانتهاء من صياغتها النهائية، خلال رئاسة مصر الاتحاد الإفريقى. وبمجرد إقرار الاتفاقية، وقبل دخولها حيز التنفيذ، فى نوفمبر ٢٠٢١، عرضت الدولة المصرية استضافة مقر الوكالة، انطلاقًا من حرصها على النهوض بالصحة العامة فى القارة السمراء، وإيمانًا منها بأهمية هذه الوكالة كإطار تنظيمى للصناعات الدوائية فى دول القارة. 

لمناقشة هذا العرض، زار القاهرة وفد لجنة التقييم، التابعة لمفوضية الاتحاد الإفريقى، واستقبله أمس الأول الأحد الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، الذى أبدى خلال اللقاء استعداد الحكومة المصرية لتقديم كل سبل الدعم والتسهيلات اللازمة لاستضافة مقر الوكالة، مشيرًا إلى ما تتمتع به المقرات الدولية والإقليمية التى تستضيفها مصر من مزايا وتسهيلات، وموضحًا أن لدينا حيًا دبلوماسيًا بالعاصمة الإدارية الجديدة، سيكون مقرًا للبعثات الدبلوماسية ومحل إقامة العاملين بها. ودعا مدبولى الوفد إلى القيام بزيارة ميدانية للعاصمة الإدارية للاطلاع على الأعمال المنفذة، وزيارة الحى الدبلوماسى بها. 

فى ٢٨ يوليو الماضى وقّع السفير أسامة عبدالخالق، مندوبنا الدائم السابق لدى الاتحاد الإفريقى، على انضمام مصر للنظام الأساسى المنشئ للوكالة. وفى أول فبراير الماضى، قام السفير محمد جاد، مندوبنا الحالى لدى الاتحاد، بإيداع أصل وثيقة تصديق رئيس الجمهورية على المعاهدة المُنشِئة للوكالة، خلال احتفالية نظمتها مفوضية الاتحاد، بحضور يناتا ساماتا، مفوضة الصحة والشئون الإنسانية والتنمية الاجتماعية.

هذا عن الجانب الشكلى، أو الإجرائى، أما على المستوى الموضوعى، فالواقع يقول إن لدينا الآن مدينتين للدواء: الأولى افتتحها الرئيسان المصرى والسوفيتى، جمال عبدالناصر ونيكيتا خروتشوف، منذ ٥٨ سنة، فى منطقة الجبل الأصفر بمنطقة أبوزعبل، والثانية افتتحها الرئيس عبدالفتاح السيسى، صباح الأول من أبريل ٢٠٢١، فى منطقة الخانكة بمحافظة القليوبية. وبين المدينتين، صارت مصر أكبر منتِج للأدوية واللقاحات فى منطقة الشرق الأوسط، وأكثرها تطورًا فى صناعة الدواء.

فى مدخل المدينة الأولى، القديمة، توجد لوحة حمراء، تحمل توقيع الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، تصف المدينة بأنها «مشروع يتجلى فيه دور العلم فى خدمة السلام»، وتشير إلى أن «هذا المشروع بمقياس الكفاية العلمية، هو أضخم مشروع من نوعه فى آسيا وإفريقيا». وبالفعل، ظل ذلك المشروع هو الأضخم حتى تراجعت «دولة ٢٣ يوليو» ودخلت مصر فى فاصل مظلم طويل، قطعته «دولة ٣٠ يونيو» بإجراءات ومصانع ومشروعات كثيرة، لم تكن «مدينة الدواء الجديدة» أولها، ولن تكون آخرها.

بصدور القرار الجمهورى رقم ٢٣٨٢ لسنة ١٩٦٠، بإنشاء شركة «النصر للكيماويات الدوائية»، باتت لدينا خمسة مصانع لإنتاج الأدوية، اثنان منها وطنيان. ومع افتتاح لـ«مدينة الدواء» سنة ١٩٦٤، أضيف إليها ١٧ مصنعًا وطنيًا، وظل العدد يتصاعد، بالتدريج، حتى وصل سنة ٢٠٠٥ إلى ٧٠ مصنعًا، ٦٢ منها وطنى و٨ تابعة لشركات أجنبية. ثم تضاعف العدد تقريبًا، بحلول سنة ٢٠١٧ ليصل إلى ١٢٣ مصنعًا، وبنهاية العام الماضى كاد العدد يقترب من ٢٠٠ إلى جانب حوالى ١٢٠٠ شركة تجارية تقوم بتصنيع منتجاتها لدى الغير.

مع احتلالها المركز العاشر فى أبحاث الدواء المنشورة بأكبر الدوريات العلمية، فإن لدى مصر أيضًا أقدم مركز للمستحضرات الحيوية واللقاحات فى المنطقة، كما أنها إحدى الدول القليلة التى تُصنع اللقاحات المضادة لفيروس كورونا، ومنذ أيام حصلت «هيئة الدواء المصرية» على الاعتماد المتقدم لمنظمة الصحة العالمية. وهيئة الدواء المصرية، تم إنشاؤها فى أغسطس ٢٠١٩، لتحل محل «الهيئة القومية للرقابة والبحوث الدوائية» و«الهيئة القومية للبحوث والرقابة على المستحضرات الحيوية»، وغيرهما من الجهات والكيانات المختصة. 

طفرة كبيرة حققتها دولة ٣٠ يونيو فى صناعة الدواء والأبحاث العلمية، وعمليات تسجيل الأدوية، ومراقبة عمليات الإنتاج والتخزين. ومنذ أغسطس ٢٠١٩، صارت لدينا هيئتان مسئولتان عن إدارة وحوكمة منظومة إنتاج الأدوية والمستلزمات الطبية، بدلًا من تعدد الجهات: هيئة الدواء المصرية، والهيئة المصرية للشراء الموحد والإمداد والتموين الطبى وإدارة التكنولوجيا الطبية. ولا نبالغ لو قلنا إن قانون إنشاء الهيئتين، القانون رقم ١٥١ لسنة ٢٠١٩، أسهم بدور حيوى فى تطوير المنظومة الصحية وتوفير الدواء، ومواجهة الممارسات الاحتكارية فى القطاع، وتنمية الصناعات الطبية، بالإضافة إلى مواجهة ظاهرة الأدوية المغشوشة.

.. أخيرًا، وبغض النظر عن قرار لجنة التقييم، التابعة لمفوضية الاتحاد الإفريقى، نتمنى أن يكون لهذا الجهاز الإفريقى الجديد دور محورى فى تعزيز الصحة العامة فى إفريقيا ومواجهة الأمراض والأوبئة بالقارة السمراء. غير أننا نعتقد أن هذه الأمنية قد لا تتحقق، وقد لا تحقق أيضًا الأهداف التى تم من أجلها إنشاء الوكالة، فى غياب الخبرات والأدوات والتسهيلات والمرافق، التى ستستفيد منها الوكالة حال اختيار مصر مقرًا لها.