رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فكّة رمضان!

العملات المعدنية، التى كانوا يصنعونها من الذهب والفضة، ويقتصر تداولها على الأثرياء، جار عليها الزمن وباتت توصف اليوم بـ«العملات المساعدة»، أو الفكة، وتنطلق بين الحين والآخر دعوات، مطالبات أو حملات لإلغائها، فى مختلف دول العالم، بزعم أن عدّها مضيعة للوقت!

الموضوع كبير ومعقد وله جوانب قد لا تخطر على بالك، من بينها مثلًا الجانب الخاص بالعدّ، عد تلك العملات أو إحصائها، وهناك تقديرات لـ«الجمعية الوطنية للمتاجر الصغيرة فى الولايات المتحدة» تشير إلى أن عد العملات المعدنية قد يضيف ٢.٥ ثانية إلى كل معاملة دفع نقدى. وأوضحت الجمعية، فى دراسة طويلة عريضة، أن هذه الثوانى عندما تتضاعف ملايين المرات على مدار اليوم، تؤثر على الإنتاجية.

فى مصر يصل إجمالى إنتاج «الفكة» شهريًا إلى ٤٥ مليون جنيه، وتزيد الكمية المطروحة بنسبة ٥٠٪ خلال شهر رمضان، لتسهيل عمليات البيع والشراء، وتلافى حدوث أى اختناقات فى مواقف السيارات أو الأسواق. ومن اللواء حسام خضر، رئيس مصلحة «الخزانة العامة وسك العملة»، عرفنا أن احتياطى العملات المعدنية المساعدة «الفكة» يكفى احتياجات الأسواق والمواطنين لمدة عام ونصف العام، موضحًا أن مصلحة «الخزانة العامة وسك العملة» تصرف حصصًا إضافية من «الفكة» خلال المواسم والأعياد. مشيرًا إلى ربط الإنتاج بالتوزيع، الذى تحقق بدمج مصلحتى «الخزانة العامة» و«سك العملة» فى كيان واحد، ربط الإنتاج بالتوزيع، ما أسهم كثيرًا فى تحديد الاحتياجات الفعلية من «الفكة» بكل دقة، ومن ثم سرعة تلبيتها.

لسنوات طويلة ظلت عملة الـ٢٠ قرشًا هى أعلى العملات المعدنية، فى مصر، بعد فئات الـ٥ قروش، والـ١٠ قروش، المصنوعة على هيئة أشكال دائرية مكونة من النحاس والألومنيوم ونسبة من الحديد. ثم حدثت طفرة سنة ٢٠٠٥، بصدور الجنيه المعدنى، المكون من النيكل والزنك والنحاس المطلى، الذى ظل العملة الرسمية لـ«ركن السيارات»، حتى جرى استبداله فى ٢٠١١ بالخمسة جنيهات الورقية. ولم يعد لديك ما تفعله بهذا الجنيه أو بنصف الجنيه المعدنى، غير أن تضعه فى صناديق التبرعات.

تمثل النقود المعدنية التى يتبرع بها الناس فى صناديق التبرعات رافدًا مهمًا لدخل الجمعيات والمؤسسات الخيرية، فى كثير من دول العالم. وطبقًا لدراسة أجرتها مؤسسة دعم الجمعيات الخيرية البريطانية «كاف»، فإن أكثر من نصف التبرعات تأتى بالعملات المعدنية من الفئات الصغيرة. وأوضحت سوزان بينكنى، رئيسة وحدة الأبحاث بالمؤسسة أن الأسهل للغالبية العظمى من الناس هو أن يخرجوا من جيوبهم عددًا من العملات المعدنية ويضعوها فى صندوق التبرعات.

يمكنك أن تضيف ذلك أن «الفكة» تمثل طوق نجاة للمشردين. وبقليل من البحث، ستجد على «يوتيوب» مقطع فيديو، يقول فيه فينكس بلاك، الذى عانى التشرد فى ماساتشوستس لأكثر من سنة: «من واقع تجربتى، أستطيع أن أجزم أن الناس أكثر استعدادًا بمراحل للتبرع بالنقود المعدنية مقارنة بأساليب التبرع الأخرى، وقد يكون من السهل أيضًا على السائل أن يطلب نقودًا معدنية، لأنها تبدو ضئيلة القيمة».

بهذا الشكل، تتعالى أصوات الجمعيات الخيرية فى مواجهة دعوات أو حملات إلغاء العملات المعدنية، التى لم تتم الاستجابة لها، وأيضًا حينما تقوم الدول بإلغاء بعض الفئات من عملاتها المعدنية، كما حدث فى المملكة المتحدة، حين أعلنت هيئة سك العملة الملكية عن إيقاف سك النقود المعدنية من فئة بنسين وجنيهين إسترلينيين، لمدة عشر سنوات، بسبب انخفاض الطلب عليها وتخمة المعروض. و... و... وأوقفت كندا سك العملات المعدنية من فئة سنت، سنة ٢٠١٢، ولم تصدر أستراليا، منذ ١٩٩٢، أى نقود معدنية من فئة سنت أو سنتين.

.. وتبقى الإشارة إلى أن المستقبل القريب، القريب جدًا، قد يخلو من التعاملات النقدية، الورقية أو المعدنية. فى وجود خطط التحول إلى مجتمع أقل اعتمادًا على أوراق النقد، التى بدأ تنفيذها بالفعل، ويجرى العمل منذ سنوات للتغلب على التحديات القائمة فى سبيل تحقيق هذا الهدف، الذى هو إحدى أولويات استراتيجية التنمية المستدامة ٢٠٣٠ الأممية والمحلية.