رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

من ثلوج بروكسل لصحراء مصر.. كيف وصل «قاذف القنابل البلجيكي» لأعداء الدواعش في سيناء؟ (تقرير)

جند الاسلام
جند الاسلام

ظهر مؤخراً مقطع فيديو وبعض الصور لجماعة إرهابية فى سيناء تسمى نفسها "جند الإسلام"، والتي لم يعد لها وجود هى ومن شابهها من الجماعات الإرهابية الأخرى بسبب السيطرة الأمنية والملاحقات العسكرية، وتدمير بنيتهم ومخازن أسلحتهم عبر قوات الجيش المصري في سيناء.
لكن كان من اللافت للنظر أن أحد الإرهابيين من أعضاء تلك الجماعة يحمل بندقية مميزة الشكل قصيرة ويبدو أنها قاذفة قنابل، ما يوحي بأنها متطورة وفتاكة للغاية، وفي محاولة من "أمان" للتعرف على تلك البندقية التي ربما ينبئ وجودها برحلة كبيرة خلفها وخلف من أوصلها لصحراء سيناء.
عرضنا صورة البندقية على محمد الكناني، الباحث في شئون التسليح بالمنتدى العربي لتحليل السياسات، ليتضح أن اسمها (FN F2000+GL1)، وأنها بلجيكية الصنع، وتعود ملكية تصنيعها لشركة (FN Herstal) التي تقع بمدينة ليج في شرق بروكسل، والتي تعرف بـ"الشركة الوطنية لصناعة الأسلحة النارية" هناك، وتعتبر حاليا أكبر مصدر للأسلحة الصغيرة العسكرية في أوروبا.

لكن ما الذى أتى بتلك البندقية القاذفة من مدينة ليج الباردة فى بلجيكا إلى الصحراء الحارقة فى سيناء؟.. وكيف أتت؟ ومن أدخلها؟.. وما علاقة تلك البندقية بجماعة "جند الإسلام"؟ وما هي هذه الجماعة وتاريخها الإرهابي؟

حسب خبراء فى شئون الجماعات الإرهابية، فقد ظهرت جماعة "جند الإسلام" عام 2012، ونشرت تسجيلًا مصورا تصدرته قضية القدس والمسجد الأقصى، كما أعلنت فيه استراتيجية عملها وتمسكها بما يعرف بـ"الرباط طويل المدى" بدلًا من التورط في القتال دون تدريب وترتيب مسبق، مستعينة بكلمات لعبدالله عزام، وأيمن الظواهري، المنتميين لتنظيم القاعدة الإرهابي، وتبنت عدة عمليات لتفجير خطوط الغاز بين مصر وإسرائيل، كما نفذت عملية الهجوم على مقر المخابرات الحربية في رفح عام 2013، وانتظرت عاما كاملا لتصدر الجماعة تسجيلًا مصورًا يوثق استهداف مقر المخابرات الحربية، لكنها ظهرت بعد ذلك في 4 بيانات، الأول لتهنئة المسلمين بعيد الأضحى، والثاني لإعلان قرار فصل أحد عناصر الجماعة.

ولكن كان من الغريب أن الجماعة أعلنت قتالها تنظيم "داعش" الإرهابي، ووصفته بأنه يرتكب جرائم بحق أهالي سيناء، كما انتقدت الجماعة التنظيم الإرهابي وأدانت غياب رد الفعل على قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بنقل السفارة الأمريكية للقدس، وقدمت دعوة صريحة: "يا أهل مصر إن مواقع الجهاد والدفاع عن بيت المقدس في سيناء شاغرة، وقادمون يا أقصى".

علاقة الجماعة الإرهابية بفصيل إرهابي في غزة

مصادر قبلية مصرية وفلسطينية مطلعة أكدت أن جماعة "جند الإسلام"، التى تتبع تنظيم القاعدة، كان لها جناح رئيسي فى غزة يدعى "جيش الإسلام"، ينتمي لنفس الفكر التنظيمي  والأيديولوجي القاعدي، وكان يقوده فى غزة إرهابي يدعى محمد أبودلال (أبو جمال) وكان اسمه الحركي "أبوخالد المقدسي".


وحسب بحث متقدم عبر المصادر المفتوحة ومنصات مواقع التواصل الاجتماعي "السوشيال ميديا" حول اسم الإرهابي، اتضح أنه قتل في مواجهات مع الجيش المصري على الحدود المصرية الفلسطينية، وحينها زعم التنظيم أن "طائرة إسرائيلية هي من قصفته"، وحصلنا على عدة صور للإرهابي أمير التنظيم، وكان لافتا للنظر حمله نفس البندقية البلجيكية (FN F2000+GL1) التى ظهرت مع جماعة "جند الإسلام" فى شمال سيناء خلال الفيديو، وبذلك تؤكد الخيوط أن تلك البندقية انتقلت لسيناء عبر غزة، وهنا ننتقل للغز آخر وهو كيف وصلت تلك البندقية البلجيكية القاذفة للقنابل إلى غزة رغم الحصار والتضييق عليها من الاحتلال الإسرائيلي طيلة السنوات الماضية؟.

مصدر" القاذفة البلجيكية" إلى غزة

أحد خبراء السلاح من شركة خدمات أبحاث التسلح والاستشارات الاستخباراتية (ARES) أكد سابقًا، فى تحقيق أجرته مؤسسة "بي بي سي" البريطانية، أن البندقية البلجيكية القاذفة كانت ضمن شحنة كبيرة من البنادق والمتفجرات التى وجدت فى ليبيا بعد سقوط الرئيس الليبي معمر القذافي، مؤكدًا أن بعض الصور هناك أوضحت وجودها مع من كانوا يلقبون أنفسهم بالثوار ويسرقون مخازن السلاح.
واتضحت التفاصيل بالعودة لعام 2004، عندما قرر القذافي وحكومته إرسال قافلة مساعدات إلى دارفور للمشاركة فى حفظ الأمن، خاصة مع ولع القذافي بأن يكون ملكًا فى إفريقيا، ولكنه حينها كان محظورًا عليه من الأمم المتحدة لسنوات عديدة شراء الأسلحة لبلاده، ولكن عندما وعد بتدمير الأسلحة الكيماوية التي كانت لديه والتخلي عن مساعيه للحصول على أسلحة دمار شامل أخرى، بدأ في استعادة مكانته في المجتمع الدولي، وتم رفع حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة في عام 2003، وانتهى حظر الأسلحة المفروض من الاتحاد الأوروبي في عام 2004.

وحسب قاعدة بيانات السلاح من شركة أبحاث التسلح والاستشارات الاستخباراتية "ARES"، فإن النظام الليبي بقيادة القذافي وقّع على اتفاق لشراء شحنة أسلحة بلجيكية في مايو 2008، وتعهدت شركة "FN Herstal" بتزويده بالمتفق عليه ومن ضمنه البندقية من طراز "F2000"، والتي كانت مزودة بقاذفة قنابل يدوية تحت الماسورة "LG1"، مقابل 12 مليون يورو حينها، وكان ذلك ضمن شركات أسلحة أخرى في بريطانيا وإيطاليا أيضًا.

فى نوفمبر 2009، وصلت أسلحة الصفقة البلجيكية كلها إلى ليبيا، ووفقًا لتقارير تتبع السلاح فإنها ذهبت لتجهيز اللواء 32 المعزز المعروف هناك باسم لواء "خميس" على اسم قائده، خميس القذافي، نجل الرئيس الليبي الأصغر، وكانت هذه الألوية من أول الكتائب العسكرية التي تم اقتحامها وسرقة أسلحتها نظرًا لتصديها للفوضى في ليبيا، ومن بعدها عمت الفوضى، حتى إن الأسلحة سرقها سماسرة ووسطاء وأصبحت تباع في الأسواق كسلع تجارية.

- كيف خرجت البندقية من ليبيا إلى غزة؟

سؤال الإجابة عنه تعيدنا للوراء إلى أحداث ثورات 2011، حين كانت الفوضى والأوضاع الأمنية فى المنطقة العربية مضطربة للغاية، وعلى نفس شاكلة ما حدث مع معظم ترسانة الجيش الليبي التي تسربت عبر سماسرة من الحدود للدول المجاورة لها وللجماعات المتطرفة، لكن حسب معلومات تم تداولها حينها، فإن أحد تجار الأسلحة الذى كان يجمع المسروقات من الأسلحة فى السوق السوداء لبيعها للتنظيمات المتطرفة وتحقيق ربح فى مصراتة، فقد جمع أسلحة للتبرع بها لإرسالها للمقاومة فى غزة بفلسطين لمساعدتهم فى مقاومة الاحتلال الاسرائيلي، حسب "بي بي سي".
رحلة وصول "F2000" إلى غزة

هناك روايتان حول طريقة دخول تلك البندقية ضمن الأسلحة المهربة إلى غزة، أولاها أشار لها سامح عيد، الخبير في شئون الجماعات الاسلامية، بأن الأمر كان بمساعدة اللبناني محمد يوسف أحمد منصور، وشهرته سامي شهاب، أحد أبرز المطلوبين لدى القضاء المصري، والذي سُجن في مصر عام 2009 بعد إدانته بالتخطيط لتنفيذ أعمال إرهابية داخل البلاد ضمن خلية تابعة لحزب الله، قبل أن يهرب من السجون المصرية إبان الفوضى أثناء ثورة 25 يناير 2011، وعرف عنه بأنه قد التحق بالوحدة 1800 في حزب الله، وهذه الوحدة مكلفة بدعم المقاومة الفلسطينية، وتم تكليفه بالعمل في مصر بجواز سفر مزور، ثم اشترى منزلا وقطعة أرض في رفح واستغلها في أعمال الرصد والاستخبار وحفر الأنفاق بينه وبين غزة، وفي عام 2009 ألقت السلطات المصرية القبض عليه لتهريبه مسلحين وأسلحة من وإلى مصر.
أما الرواية الثانية، فتشير إلى أن هذه البندقية لم تدخل غزة عبر الأنفاق ولكن عبر البحر، حسبما أشار الجهادي السابق نبيل نعيم، لافتًا إلى أنه رغم تدمير عدد كبير من الأنفاق إلا أنه لا تزال هناك وسائل تهريب أخرى لا يزال البحث عنها قائمًا، مؤكدًا أن "حماس" تستطيع التهريب عن طريق البحر بسهولة لتهريب الأسلحة عبر الصيادين بالقرب من العريش، موضحًا أن الحركة لا زالت تحصل على الأسلحة عن طريق لبنان وحزب الله عبر البحر.
- كواليس ظهور البندقية في غزة

فى أغسطس 2015، كانت حركة الجهاد الإسلامي تحتفل في عرض عسكري بشوارع رفح الفلسطينية في قطاع غزة، وتحيي ذكرى استشهاد أحد قادتها على يد الموساد الإسرائيلي في مالطا، وعندما ظهر مقاتلو "سرايا القدس"، الجناح المسلح لحركة الجهاد، ظهرت في أيديهم البندقية البلجيكية القاذفة، وفى عرض عسكري آخر ظهرت نفس البلدية مع مقاتلي حركة حماس في غزة، لا سيما أن علاقة وثيقة حينها كانت تربط بين كتائب القسام وجماعة جيش الإسلام وثيقة الصلة بـ"جند الإسلام" في سيناء.
محمد الكناني، الباحث فى شئون التسليح بالمنتدى العربي لتحليل السياسات، قال إن هذه البندقية التي ظهرت مؤخرا بيد بعض الجماعات الارهابية بشمال سيناء ليست جديدة بل متواجدة منذ عدة سنوات، وكان أكثر ظهور لها مع كتائب عزالدين القسام بغزة، مشيرًا إلى أن تلك الأسلحة انتشرت من وإلى غزة عبر الأنفاق التي كانت منتشرة بشكل كبير في شمال سيناء، قبل أن يدمرها الجيش المصري بنسبة تصل إلى 99% ولم يكن يقتصر الأمر على السلاح فقط، بل كان يتم توريد المسلحين من قطاع غزة تحت ما يسمى "جيش الإسلام"، وهم جماعة تكفيرية جهادية كانوا يقومون بتكفير حتى الجماعات الأخرى، والتي كان على رأسها  "داعش"، ولكن الجيش المصري قضى عليهم في مصر باعترافاتهم عبر صفحاتهم الخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي بغزة.

وأوضح الكناني، لـ"أمان"، أنه بالحديث عن وجود أي سلاح نوعي أيا كان نوعه قديما أو متطورا فما دام أصبح في يد ميليشيا إرهابية فذلك يعد خطرًا، إلا أنه أكد أنه ومنذ العملية الشاملة سيناء 2018، التي نفذتها القوات المسلحة المصرية شمال سيناء، فقد أصبح الأمر تحت السيطرة بشكل واضح وكبير.

- مواصفات ومميزات البندقية البلجيكية

منذ نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات، سعت الشركة البلجيكية "FN Herstal" لدخول عالم البنادق الهجومية، ببندقية تكون حديثة وأكثر تطورًا من البنادق الشائعة، وتحقق لها هذا بتصميمها البندقية المتميزة "FN F2000"، التي خرجت إلى العالم في سنة 2001، وأظهرت عدة مزايا كالفاعلية القتالية، والتصميم المتطور، وأيضًا احتوائها على عدة إمكانيات إضافية- منظار، قاذف قنابل- لتجعل منها بندقية مناسبة للعديد من المهمات القتالية المتنوعة.

ومن تلك المهمات استخدامها في مهمات حفظ النظام، بحيث تطلق القنابل الغازية المسيلة للدموع، ومزودة بعدسة تكبير 1.6 X، وتم مؤخرًا إطلاق نوع جديد منها، وهي نسخة ميدانية أطلق عليها اسم "FS2000" تتميز بسبطانة أطول من الأولى، لكن بقيت بنفس الامتياز والدقة والإطلاق النصف آلي.


النسخة الميدانية ظهرت في منتصف 2006، ونظام عمله شبيه بنظام عمل PS90، وهذا السلاح وجد له عدد لا بأس به من المشترين، حيث قبلته القوات الخاصة البلجيكية، وكذلك الجيش السلوفيني، والنرويجي، كما اقتنته باكستان، والسعودية والعديد من الدول الأخرى.