رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«التراجع مستمر».. لماذا يريد أردوغان السلام والحوار مع مصر الآن؟ (تحليل إخباري)

أردوغان
أردوغان

"لا مانع من الحوار مع مصر.. ولكن اتفاقها مع اليونان أحزننا".. لم يكن ذلك التصريح الذي أدلى به الرئيس التركي، رجب طيب أرودغان، هو محاولة التراجع الأولى من قبل نظامه، بل إن محاولات أنقرة للتقارب مع القاهرة مستمرة منذ فترة ليست بالقليلة.

وقال أردوغان، في تصريحات تليفزيونية، أمس الجمعة، إن بلاده لا تمانع في الحوار مع مصر وعقد اتفاق معها بشأن التنقيب عن الغاز في منطقة البحر المتوسط، وترسيم الحدود البحرية معها، ما يعني أنه يريد الدخول في الاتفاقيات بين مصر وقبرص واليونان عبر بوابة القاهرة، أو ربما اختلط الأمر عليه، وربما أيضًا لم يطلع على خريطة منذ زمن، ليعرف أنه ليس هناك حدود مباشرة بين مصر وتركيا، ومن ثم فإنه من المؤكد أنه يريد أن يدخل ضمن اتفاق ثلاثي، ليستفيد من وضع يده والحصول على الغاز.

وغيّر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ونظامه، بوصلته، من العداء الصريح، متجهين إلى الخضوع لحقيقة الأوضاع الحالية، وأنهم لن يستطيعوا الاستمرار- على الأقل في الوقت الحالي- في تصعيدهم المستمر ضد مصر خاصةً، ودول خط المواجهة الأول في المتوسط، المتحالفة مع مصر، بشكل عام.


- سعي تركي للحوار مع مصر

المسار العلني لمحاولات تركيا للحوار مع مصر بدأ منذ مطلع عام 2020، تحديدا في 8 يناير الماضي، عندما كتب ياسين أقطاي، مستشار أردوغان، سلسلة تغريدات عبر حسابه الرسمي بموقع "تويتر" حاول خلالها جس النبض لوجود مفاوضات مع القاهرة حول الغاز.

أما في الآونة الأخيرة، وفي غضون 5 أيام فقط، غازل كل من مولود جاويش أوغلو، وزير الخارجية التركي، وياسين أقطاي، مستشار الرئيس التركي، بل وأردوغان نفسه، مصر، خاصةً الأخير حيث أعلن بوضوح أنهم مستعدون للحوار مع مصر، بينما في الأساس هم يسعون إلى محادثات حول الغاز فقط، الثروة التي تثيرهم.

الأحد الماضي، صرح أقطاي بأن "الجيش المصري جيش عظيم، نحن نحترمه كثيرا، لأنه جيش أشقائنا.. وحسبما أسمع وأرى فإن هناك تقاربا وتواصلا بين الأطراف (قاصدا مصر وتركيا)"، تلاه أوغلو، الخميس الماضي، قائلا: "مصر لم تنتهك في أي وقت الجرف القاري لتركيا رغم اتفاقيتها التي أبرمتها مع اليونان وقبرص الرومية بخصوص مناطق الصلاحية البحرية واحترمت حقوقنا.. وبالتالي فإن إبرام اتفاق مع مصر بهذا الخصوص يقتضي تحسين تلك العلاقات السياسية".

لم تمر 24 ساعة على تصريحات وزير الخارجية التركي، ليخرج أرودغان نفسه ويعلن استعداد أنقرة للحوار مع مصر، زاعمًا أن هناك اتصالات مستمرة على المستوى الاستخباراتي.


- برقية تركية إلى مصر

وأكدت مصادر، أمس الجمعة، أن تركيا أرسلت بالفعل برقية إلى مصر تطالبها فيها بعقد لقاء رفيع المستوى بين مسئولين أمنيين، موضحة أن القاهرة لم ترد على طلب أنقرة وذلك بسبب تدخلاتها الإقليمية.

وأوضحت المصادر أن تركيا ما زالت تعمل على محاولات وجود مفاوضات مباشرة مع مصر عبر المسئولين الأمنيين في البلدين.

وأضافت المصادر، في تصريحاتها لشبكة "العربية" السعودية، أن الاستخبارات التركية طالبت بأن يكون هناك تنسيق مع مصر بشأن ملف غاز المتوسط فقط، مشيرين إلى أن القاهرة رفضت بسبب التوغل التركي في ليبيا، والعديد من الدول العربية، بالإضافة إلى عدة ملفات أخرى، أبرزها دعمها جماعة الإخوان الإرهابية.


- أهمية مصر

تدرك تركيا جيدًا، لاسيما أردوغان، أنها لن تستطيع التنقيب على الغاز في المتوسط دون وجود موافقة مصرية في هذا الشأن، ووجدت نفسها يتم إقصاؤها من الأمر بعد الاتفاقيات التي وقعتها القاهرة مع أثينا ونيقوسيا، بالإضافة إلى الاتفاقية المماثلة التي وقّعتها إسرائيل مع البلدين أيضًا.

وجد أردوغان نفسه في مأزق، ربما يبتلعه إلى الأبد، خاصةً في الملفات التي يعادي فيها مصر طوال السنوات الماضية، فلم يعثر على حل سوى التراجع، وتكرار التلميحات- علنًا- بأن أنقرة تريد أن يكون هناك حديث، بل واتفاق مع مصر.

وبعد أن كان أردوغان، ونظامه، يزعمون مرارا وتكرارا أن الاتفاقات التي تعقدها مصر تضر بها في الأساس قبل أن تضر بتركيا، ويقولون زورًا إن القاهرة تنتهك حقوقهم في ثروات المتوسط، لجأوا إلى التراجع الشديد، إذ أكد وزير الخارجية التركي، الخميس، أن القاهرة لم تنتهك الجرف القاري لتركيا بأي شكل، بل وإنها لم تتعدَ على الحقوق المالية لها.


- صدمة أردوغان من موقف فرنسا

يسعى أردوغان، الذي يعيش تحت حالة من التهديد بفرض عقوبات على بلاده بسبب انتهاكاته المستمرة في ليبيا وتهريبه السلاح إليها مما يهدد الأمن في شرق المتوسط، خاصةً بعد إعلان ألمانيا وإيطاليا وفرنسا دراستها فرض عقوبات على الأطراف التى تنتهك قرار حظر توريد السلاح إلى ليبيا- إلى تهدئة نبرته العدائية، قد تصل لتقديم تنازلات خوفا من العقوبات.

وفي بداية أغسطس، أرسل أردوغان سفينة "عروج" للتنقيب عن الغاز في المتوسط قبالة السواحل اليونانية، ولكن الخطوة انقلبت عليه- كعادته- وأعلن جوزيف بوريل، ممثل الشئون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي، في 28 أغسطس الماضي، أن الاتحاد أعد قائمة عقوبات ضد تركيا لمناقشتها في القمة الأوروبية المقرر عقدها في 24 سبتمبر الجاري، مؤكدًا أن تلك العقوبات قد تستهدف أصولا كالسفن، والشركات والأفراد، وأنه يجب على أنقرة وقف التنقيب وسحب سفنها.

وتصاعدت حدة التوتر بين فرنسا وتركيا، فأعلن الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، أن أنقرة تنتهك الحدود البحرية في المتوسط، وكذلك قرار حظر نقل السلاح إلى ليبيا، وأنه سيتم معاقبتها، فيما اتهمت أنقرة، باريس، بأنها تفتقد الحيادية.


- خوف أردوغان من العقوبات

واصطدم أردوغان بالموقف الفرنسي واتحادها مع اليونان، وتفاجأ بعقد ماكرون، الخميس الماضي، اجتماعا لدول جنوب الاتحاد الأوروبي، وهى: إيطاليا وإسبانيا واليونان والبرتغال ومالطا وقبرص، لبحث تفاقم الأزمة مع أنقرة، وبعد 4 أيام فقط- أي الاثنين الماضي- وافقت دول الاتحاد الأوروبي على وضع قائمة عقوبات اقتصادية ضد عمليات التنقيب التركية عن النفط والغاز في مياه قبرص.

ويظهر جليا أن الرئيس التركي اضطر في نهاية المطاف إلى تحويل وجهتين من العداء إلى محاولات الحديث وتخفيض التوترات والتخلي عن لهجته العنترية، نظرا لعدم قدرته على مواجهة نتيجة عداءاته، وكذلك قبل القمة الأوروبية المقررة في 24 و25 سبتمبر المقبل، التي قد تفرض عقوبات عليه حال استمرت استفزازاته.