رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

اعترافات الفقيه الهادئ.. المفتي في ندوة «الدستور»: نجحنا في تفكيك الفكر المتطرف

جريدة الدستور

لا حديث عن أى تجديد للخطاب الدينى إلا ويكون مقترنًا بتأكيد أهمية دار الإفتاء فى هذا الملف المهم، فبفتوى واحدة قد يضغط شخص ما على الزناد بعدما يسلك طريق التكفير والتطرف، وبأخرى قد يضع سلاحه عائدًا إلى الصراط المستقيم.

دار الإفتاء بدورها أدركت أهمية الدور الذى تلعبه، لكنها اصطدمت بتطورات مذهلة فى وسائل الاتصال المميزة للعصر الرقمى الذى نعيشه، فلم تستسلم وترتكن إلى الأساليب القديمة، وراحت تقدم فتاواها التى لا تحيد عن ثوابت القرآن والسُنة وتراعى المتغيرات الحديثة فيما هو قابل للتجديد من خلال هذه الوسائل، سواء تدوينة على «فيسبوك» أو «تغريدة» على «تويتر» أو فيديو على «يوتيوب»، وصولًا إلى الرسوم المتحركة.

عن هذه التطورات، وآخر ما شهدته دار الإفتاء بقطاعاتها وإداراتها المختلفة من تحديث، دار حديث الدكتور شوقى علام، مفتى الجمهورية، خلال استضافته فى ندوة «الدستور»، بحضور الدكتور إبراهيم نجم، مستشاره لشئون الإعلام، والدكتور محمد الباز، رئيس مجلسى إدارة وتحرير جريدة «الدستور»، ومحمد العسيرى رئيس التحرير.


إصدار مليون فتوى خلال عام 2018.. ومواطنو القاهرة الأكثر سؤالًا

قال الدكتور شوقى علام إن دار الإفتاء معنية بقضية رئيسية هى «تبصير الأمة»، وأن يكون لدى أبنائها عقل رشيد، يتعامل مع النص الشرعى ويتحرك على أرض الواقع بما فيه من مرونة فى كثير من حالاته، مع الحفاظ على الثابت منه، مشيرًا إلى أن الفتاوى تأتى على رأس أسلحة الدار فى مهمتها لـ«تبصير الأمة»، لأنه فى الفتوى يكون شخص معين واقعًا فى «إشكال» يريد إزالته، فإذا لم يزل يتجه إلى التطرف والإرهاب.

وكشف «علام» عن أنه فى عام 2018 بلغ عدد الفتاوى الصادرة عن دار الإفتاء أكثر من مليون و35 ألف فتوى، شملت كل ما يهم المسلم فى مناحى حياته المختلفة، مضيفًا: «لا يمكن ولا نستطيع حسابها بالكم بقدر أهميتها بالكيف، من حيث معالجة وإيجاد ثقه لجمهور المستفتين فى اللجوء إلى المؤسسة الرسمية».

وأوضح أن «المؤسسة الرسمية كان يروج لها طوال الوقت على أنها سلطوية تابعة للدولة والسلطان، وأن المفتى مفتى السلطان ويملى عليه، وهناك من أراد جر الجمهور لجهات أخرى بعيدًا عن المؤسسات الدينية الرسمية، لكننا نسير باتزان استطعنا من خلاله أخذ الجمهور إلى ناحيتنا، وازدادت ثقته فينا، وهذه الثقة إيجابية، لأنه إذا لم نسحب الجمهور إلينا سيلجأ إلى التطرف».

وعن طرق تلقى الفتاوى، قال مفتى الجمهورية إن هناك عدة إدارات لتلقى الفتاوى، سواء الشفوية أو المكتوبة أو الهاتفية أو الإلكترونية، بجانب استحداث إدارة «الفروع الفقهية»، مع الإعداد لاستحداث إدارة جديدة هى «نبض الشارع»، ستعمل على قراءة الواقع، ورصد القضايا والهموم المثارة فى الشارع، ومن ثم الإدلاء برأى الدار فى هذه القضية، وهو ليس بالضرورة حكما شرعيا، لكنها تعطى رؤيتها فى هذه المسألة، مشيرًا إلى أنها ستكون مسئولية المركز الإعلامى بدار الإفتاء، بقيادة الدكتور إبراهيم نجم، المستشار الإعلامى.

وتابع المفتى: «يوجد فى كل إدارة لدينا أقل من 100 فرد، ونعمل فى الدار بروح الجماعة، ونعتبر أنفسنا ترسًا داخل منظومة الدولة، وهو ما نعمل فى إطاره»، لافتًا إلى أن الدار لا تكتفى بإصدار الفتوى فحسب بل تتابعها مع توقع الاختلاف فى وجهات النظر، ووجود العديد من الفتاوى المكررة.

وكشف عن أن الدار استحدثت فى 2015 الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم، والتى تهدف إلى ترسيخ منهج الوسطية فى الفتوى، وتبادل الخبرات العلمية والعملية والتنظيمية بين دور وهيئات الإفتاء الأعضاء، وتقديم الاستشارات العلمية والعملية لها لتنمية وتطوير أدائها، وتقليل فجوة الاختلاف بين جهات الإفتاء من خلال التشاور العلمى بصوره المختلفة، والتصدى لظاهرة الفوضى والتطرف فى الفتوى.

وأشار إلى وجود لجنة لدراسة المسائل الشرعية المستحدثة، من بينها «العملات الرقمية» (بيتكوين)، التى استغرقت الدار أكثر من 90 ساعة لدراستها، حتى توصلت لرأى أخذت به الدولة ودور وهيئات الإفتاء فى العالم.

ونوه بعقد الدار بروتوكولات تعاون مع 17 جهة حتى يتم استيضاح الأمور منها فى بعض القضايا، موضحًا: «إذا كانت هناك نواقص فى المعرفة حول قضية من القضايا تحال إلى المختص فى هذه الجهات»، مشيرًا إلى أن لجنة أمانة الفتوى تنعقد بشكل دورى أسبوعيًا لمناقشة مختلف القضايا، مع رفع تقارير إلى المفتى لاعتمادها.

وكشف مفتى الجمهورية عن أن أكثر الفئات التى تلجأ إلى دار الإفتاء هى النساء، وقال إن «السائل أحيانًا يكون غير محتاج إلى حكم شرعى، ويحتاج فقط إلى النصح والفضفضة»، كاشفًا عن أن أكثر المحافظات التى تتلقى الدار أسئلة من مواطنيها هى العاصمة، وأغلبها عن طريق وسائل الاتصال، ما يعكس أن المصريين مواكبون للتطور التكنولوجى والعصر الرقمى الذى نعيشه.

ونوه بأنه يتم تدريب المفتين على علم النفس وعلم الاجتماع، وكيفية استقبال السائل بشكل يليق بمكانة دار الإفتاء، مضيفًا: «الدار تستقبل 1000 سؤال يوميا بينها 300 سؤال مسجل، ونمتنع عن الرد على أسئلة الطلاق فى التليفون، ونفضل أن يكون اللقاء مباشرًا».


الميزانية السنوية 60 مليون جنيه.. والتنسيق بين المؤسسات الدينية يسير بشكل جيد

كشف مفتى الجمهورية عن أن ميزانية دار الإفتاء المصرية تصل إلى 60 مليون جنيه خلال العام، شاملة تنظيم المؤتمرات ورواتب العاملين بها، والأنشطة، وجميع المصروفات الإدارية، مضيفًا: «الدولة لم تتأخر علينا فى شىء نحتاجه، والعاملون فى الإفتاء يعملون من أجل الرسالة وبروح الفريق المحب للعمل، ولذلك نعمل قدر المستطاع».

وحول مسألة التنسيق بين المؤسسات الدينية، قال «علام» إن هناك عدة تنسيقات وتعاونا بين المؤسسات الدينية، فهو عضو بمجلس أمناء أكاديمية وزارة الأوقاف، التى أُنشئت حديثًا لتأهيل العلماء والدعاة، ويحاضر فيها عن قواعد الفقه الكلية.

وأضاف: «هناك مساحة كبيرة تحظى بها الدار فى (إذاعة القرآن الكريم)، فالمفتى له لقاء متكرر أسبوعيًا، تحت مسمى (لقاء الإمام) مع سعد المطعنى، يذاع كل يوم جمعة قبل الصلاة، وهو مستمر لقرابة السبع سنوات، ونحاول من خلاله أن يكون هناك توازن بين ما بنى وبين الدفاع عن المبنى، بجانب برامج أخرى مثل (دقيقة فقهية) يقدمه الدكتور مجدى عاشور، و(السائل والفقيه)».

وأشار إلى أن المنوط بها الفتوى 4 جهات، هى «هيئة كبار العلماء، ودار الإفتاء- صاحبة الاختصاص الأصيل فى هذا الشأن- ووزارة الأوقاف من خلال الإدارة العامة للفتوى، والأزهر الشريف»، مضيفًا: «نحن نسير على حديث الرسول (سددوا وقاربوا وأبشروا)، وهو الذى تحاول دار الإفتاء السير عليه فى تحديد القائمة التى يحق لها الإفتاء، نتيجة انتشار وسائل التواصل الاجتماعى والتطور التكنولوجى».

وتابع: «هناك العديد من الأماكن التى تفتى، سواء كانت قناة عبر موقع الفيديوهات يوتيوب، أو غيرها، ولكن على مر السنين وجدنا أن العمل الناجح هو الذى يفرض نفسه على الساحة، وهذا ما وقع مع دار الإفتاء، فالناس فى المجتمع يثقون فيها كثيرًا».

وأشار المفتى إلى أن «الدار هدفها إنشاء وتغذية العقل العلمى لتدريبه على كيفية التدريب الفقهى»، معتبرًا أن المشكلة تكون فى العرض.

المساواة فى الميراث مخالفة للشريعة

رأى الدكتور شوقى علام أن المساواة فى الميراث بين الرجل والمرأة مخالفة للشريعة الإسلامية وإجماع العلماء على مر العصور، فى ظل الآيات قطعية الدلالة والثبوت التى فرضت استحقاق الرجل مثل حظ الأنثيين، ووضعت نظامًا لتقسيم الميراث فى كل حالاته.

وأوضح «علام» أنه «لا اجتهاد فى النصوص قطعية الدلالة والثبوت بدعوى تغير السياق الثقافى الذى تعيشه الدول والمجتمعات الآن، مثلما يدعى البعض، لأن تلك النصوص المقطوع بدلالتها وثبوتها تعد من ثوابت الشريعة»، مشيرًا إلى أن القرآن الكريم «قطعى الثبوت» من ناحية آياته، ويشمل آيات كثيرة دَلالتها قطعية لا شك فيها، ولا تحتمل ألفاظها إلا معنى واحدًا ينبغى أن تُحمَل عليه، معتبرًا أن الاجتهاد فى مثل تلك الحالات يؤدى إلى زعزعة الثوابت التى أرساها الإسلام. وأضاف مفتى الجمهورية: «الإسلام كان حريصًا كل الحرص على مساواة الرجل بالمرأة فى مجمل الحُقوق والواجبات لا فى كل تفصيلةٍ، والشريعة الغراءُ بينت أن التمايزَ فى أنصبة الوارثينَ والوارثات لا يَرْجعُ إلى معيار الذُّكورةِ والأنوثةِ، وإنما هو راجعٌ لحِكَمٍ إلهيةٍ ومقاصدَ ربانيَّةٍ قد خَفِيتْ عن هؤلاء الذين جعلوا التفاوتَ بين الذكورِ والإناث فى بعض مسائل الميراث وحالاته شبهةً على عدم كمالِ أهليةِ المرأةِ فى الإسلامِ، فالمرأة فى نظرِ الإسلام وشرعهِ كالرجلِ تمامًا، لها ما للرجل من الحقوق، وعليها ما عليه من الواجبات».


تهنئة الأقباط من البِر الذى يأمرنا به الدين

أفتى الدكتور شوقى علام بجواز تهنئة الإخوة المسيحيين فى أعيادهم، باعتبارها من باب «البِر»، الذى تأمرنا به الشريعة الإسلامية، وقال: «يجوز شرعًا تهنئة غير المسلمين بأعيادهم، فهو من باب البر الذى تأمرنا به الشريعة الإسلامية، ويتوافق مع حاجتنا الشديدة لنشر المزيد من المودة والرحمة والتآلف بين أبناء الوطن الواحد من المسلمين والمسيحيين لمواجهة محاولات ومؤامرات نشر الفتن»، وأوضح مفتى الجمهورية أن هذا الفعل يندرج أيضًا تحت باب «الإحسان» الذى أمرنا الله، عز وجل، به مع الناس جميعا دون تفريق، مذكرًا بقوله تعالى: «وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا»، وقوله جل فى علاه: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ». وتابع «علام»: «الإهداء وقبول الهدية من غير المسلم جائز أيضًا، والنبى، صلى الله عليه وسلم، كان يقبل الهدايا من غير المسلمين، إذ ورد عن على بن أبى طالب، رضى الله عنه، أنه قال: (أهدى كسرى لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقبل منه، وأهدى له قيصر فقبل، وأهدت له الملوك فقبل منهم»، واختتم: «علماء الإسلام قد فهموا من هذه الأحاديث أن قبول هدية غير المسلم ليست فقط مشروعة أو مستحبة، لأنها من باب الإحسان، وإنما لأنها سنة النبى، صلى الله عليه وسلم».


قتل الفكرة أهم من القضاء على الإرهابى.. والبناء السليم يحتاج إلى زمن طويل

قال المفتى إن استراتيجية دار الإفتاء فى معركتها ضد الإرهاب تستند إلى محورين أساسيين، هما البناء الفكرى السليم، وتصحيح المفاهيم المغلوطة، وهما نفس المنهجية التى قام عليها علماء الإسلام منذ قديم الزمان، تحت عنوان «قضية البناء والدفاع ضد المبنى»، موضحًا أنه «إذا أقيم البناء، الأمر يحتاج إلى مراحل زمنية طويلة لحمايته ضد كل ما يهدده، لذا نحن نبنى الفكرة أولا ونعطى أرضية واسعة وثقافة حول المفهوم الصحيح للدين الإسلامى».

أضاف «علام»: «نحتاج لمن ينير للناس الطريق حول خطأ الفهم الذى تستند إليه الجماعات الإرهابية، لأن قتل الفكرة وتوضيح تأويلها فى النصوص أهم من قضية قتل صاحب الفكرة، والمحور الفكرى أهم من المواجهة الأمنية، لكن لا يمكن إغفالها».

وواصل: «مرحلة البناء الصحيح تكون من خلال النص الشريف، القرآن الكريم وسنة النبى، صلى الله عليه وسلم، مع التنبيه على أن لدينا واقعًا متغيرًا على مدار التاريخ وليس ثابتا، ولا يمكن أن يبقى ثابتًا، لأن الله، سبحانه وتعالى، أراد التنوع والاختلاف، وقضية التنوع هى سنة وإرادة إلهية، والقرآن يعترف بهذا التنوع فى الكون، فنجده فى الجماد والنبات والحيوان والإنسان، حتى الحواس نفسها، فلا يمكن إطلاقًا إلغاء فكرة التنوع».

واستكمل «علام»: «النص الشرعى الثابت عالج هذا التنوع، الذى نحتاجه كمنهجية فى عملية تجديد الخطاب الدينى، والتعامل مع النصوص الشرعية وقضية العقل الفاهم والعقل الرشيد والعقل المتميز والعقل المفكر»، مشيرًا إلى أنه فى تاريخ المسلمين ومؤلفاتهم «وجدنا كتبًا عليها شروح وانتقادات وتفسيرات واختلافات، ما يمثل حركة علمية ناقدة ومبصرة بالمساءلة، وفى الوقت الحالى نحتاج إلى تأهيل الناس ليتعاملوا مع الواقع».

وقال: «نحن فى مرحلة يراد فيها أن يفهم النص الثابت، وفى الوقت نفسه يكون هناك علوم تعرفنا على الواقع المتغير الذى يختلف باختلاف الزمان، على أن يكون النص الشرعى معنيًا بضبط حركة الإنسان فى الحياة».

وتابع: «بداية من القرن الثانى الهجرى حدثت تطورات متسارعة وتغيرت الأحكام، لكن النص كما هو»، مشيرا إلى أن الرسول تعامل مع هذا المتغيرات وأعطى أحكامًا جديدة، لذا علينا أن نسأل أنفسنا: لماذا اختلفت الأحكام، فنجد أن هذا العقل الرشيد الذى كونه سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، والصحابة والتابعون لم يورّثوا تفريعات ومسائل كثيرة وإنما ورّثوا منهجًا، ليبقى السؤال الهام: «كيف يتعامل هذا الانسجام الرشيد مع النص الشرعى فى إنزاله إلى أرض الواقع»؟.

استحداث وحدة الرسوم المتحركة للرد على الظلاميين

كشف مفتى الجمهورية عن أن دار الإفتاء تستند إلى استراتيجية مختلفة ومتنوعة لتصحيح الفكر، وتنوير المواطنين مع استخدام وسائل العصر، لذا استحدثت بنهاية 2018 «وحدة الرسوم المتحركة»، التى تعمل على عرض الأفكار المغلوطة التى ترددها جماعات الظلام ثم الرد عليها ودحضها بطريقة ميسرة، عن طريق تقديم المعلومات والفهم الصحيح عبر تقنيات الرسوم المتحركة.

ورأى «علام» ضرورة استخدام الأساليب والوسائل الجذابة والفعالة لمواجهة التمدد الفكرى لتيارات الإرهاب، التى تتخذ من الفتوى سلاحًا فتاكًا لتنفيذ أجندات خارجية تسعى إلى تخريب الأوطان، وهو ما تم من خلال «وحدة الرسوم المتحركة»، التى بها «ردود قصيرة على دعاة التطرف والإرهاب فى قوالب تكنولوجية حديثة، تمكنها من الوصول إلى الشرائح المتعددة داخل المجتمع، خاصة فئات الشباب، وترد على الدعاية المضادة والمضللة من جانب الجماعات المتطرفة التى تنشط فى مجالات التكنولوجيا والتصوير».

وأضاف أن الدار ستطلق قريبا «دليل مواجهة التطرف»، وهو الدليل المرجعى الأول من نوعه لمواجهة التطرف والتعامل مع الأفكار والأشخاص المتطرفين، موضحًا أنه «دليل علمى شامل يحتوى على تشريح كامل للتطرف ومراحله المختلفة، ومقولاته المرددة، والرد عليها»، وتابع: «الدليل يحتوى أيضًا على موسوعة للمفاهيم المتطرفة المؤطرة للتطرف، وتصحيحها، وموسوعة شاملة للتنظيمات التكفيرية، والأدوار المختلفة للتعامل مع مشكلة التطرف، سواء على مستوى الأسرة والمجتمع، أو على مستوى المؤسسات وهيئات الدولة، أو على مستوى المجتمع المدنى والعمل الخيرى، كما يشمل قائمة بالمؤسسات والهيئات التى يمكن الرجوع إليها لطلب المساعدة لمواجهة التطرف، وكيفية التواصل معها، حتى يكون الدليل خير معين لمواجهة هذه المشكلة الملحة التى باتت تشكل تهديدًا وجوديًّا للعالم بأسره».

واستكمل: «بطبيعة الحال هناك أسئلة لها شق سياسى، وقد تلقينا بالفعل أسئلة عن تفكيك الدولة وغيرها، وأنصح الشباب بأنه عندما يقرأون الأسئلة المطروحة من قبل الجماعات الإرهابية ينبغى أن يلجأوا إلى متخصص ليوضح لهم الرؤية الصحيحة المتوافقة مع الدين، ونجحنا بالدار فى تفكيك الفكر المتطرف عن طريق مجموعة من الإصدارات، بينها (دليل المسلمين فى تفنيد أفكار المتطرفين)».

من ناحية أخرى، أشار «علام» إلى إطلاق دار الإفتاء استراتيجية موسعة للنهوض بالإفتاء ومعالجته وفق أطر علمية دقيقة ومدروسة، على أن يتم العمل بها خلال العام الجارى 2019، موضحًا أن هذه الاستراتيجية تتضمن عدة مشروعات، بينها «إدارة معايير الجودة فى المؤسسات الإفتائية»، الذى «نهتم فيه بتطبيق إدارة الجودة فى المؤسسات الخاصة بالفتوى، بما يعمل على رفع مستوى الأداء، وتحسين نوعية الخدمة، وتخفيض تكاليف التشغيل، والتحسين المستمر، وتطوير إجراءات وأساليب العمل، وتحليل الأخطاء، ووجود مناخ علمى أفضل، وتطوير المهارات القيادية والإدارية لقادة المؤسسة، والرؤية الواضحة لكل مكان فى المؤسسة الإفتائية، ومنع حدوث مشكلات كإجراء وقائى بدلًا من العمل على تصحيح الأخطاء». وأضاف أن الدار خلال العام الجارى ستتوسع فى البرامج التدريبية، لفتح أفق أوسع واستهداف فئات جديدة بالتدريب والتأهيل، وعلى رأسها برنامج «إعداد المفتى عن بُعد وتأهيل المتصدرين للفتوى»، فضلًا عن تطوير منصة «هداية» لخلق بيئة علمية آمنة يأمن فيها الناس على أنفسهم وأولادهم فى تعلم الإسلام الصحيح، إذ تعمل على تزويد المسلم فى كل مكان بكل ما يحتاجه من معارف وعلوم ومهارات، وكذلك محاربة الأفكار المتطرفة والهدامة من خلال تحويل الردود العلمية المنهجية التى قام بها كبار العلماء إلى برامج وصور إلكترونية تتناسب وثقافة العصر.

%95 من إجابات الفتوى بشأن الطلاق: لا يقع.. وهيئة جديدة للإرشاد الأُسرى

قال الدكتور شوقى علام إن فتاوى الأحوال الشخصية والطلاق تتصدر الأسئلة التى تتلقاها دار الافتاء، وتبلغ فى الشهر الواحد من 4200 لـ4800 سؤال حول «وقوع الطلاق من عدمه»، مشددًا على أن احتمالية وقوع السائل فى ظروف معينة دفعته للنطق بـ«لفظ الطلاق» تستلزم أن يكون المفتون فى الطلاق مُحددين من ذوى الخبرة.

وكشف عن أن 95% من الأسئلة التى تتلقاها الدار حول الطلاق تكون إجاباتها بـ«لا يقع»، مضيفًا: «نحن نفتقد ثقافة الطلاق، لأن العامة يستخدمون الطلاق فى أمور حياتية عامة».

وعن الـ5% المتبقية من الأسئلة حول الطلاق، بيَّن «علام» أن «هناك لجنة أكثر تخصصًا هى (لجنة الطلاق العليا)، تجتمع بشكل دورى أسبوعيًا لبحث الحالات التى لم يحسمها المفتى، ثم ترفع إلى لجنة أخرى شهرية إلى أن يُبت فيها عن طريق المفتى، وفى الأغلب نجد أن 70% منها لا يقع الطلاق فيها أيضًا».

ولمواجهة هذه الظاهرة، استحدثت دار الإفتاء «وحدة الإرشاد الأسرى والمقبلين على الزواج»، لحماية الأسرة المصرية، والحفاظ على ترابطها، وفق «علام»، الذى قال: «دار الإفتاء تؤمن بأن قضية الطلاق لا تعد مشكلة اجتماعية وحسب، بل هى بمثابة قضية أمن قومى، ذلك أن تفكك الأسر بالطلاق يعنى ضخ المزيد من المدمنين والمتطرفين»، مشيرا إلى أن هدف الوحدة خفض نسب الطلاق فى المجتمع، والمحافظة على ترابط الأسر، وحمايتها من خطر التفكك، وتقديم الدعم لمنخفضى التوافق الزواجى.

وأضاف «علام» أن دار الإفتاء أعدت 6 برامج تدريبية، لتأهيل المقبلين على الزواج فى الأول من يناير 2014، لتدعيم الشباب بالمعارف والمهارات لتكوين حياة زوجية وأسرية ناجحة، وأيضا للحد من ظاهرة الطلاق المنتشرة بين الشباب فى السنوات الأولى من الزواج، والبرنامج يحاضر فيه نخبة من المتخصصين بدار الإفتاء والجامعات المصرية من علماء الشريعة وعلماء النفس والاجتماع وأساتذه الطب وخبراء التنمية البشرية.

وقال المفتى إن الزواج من أهم وأخطر الأمور الشرعية، لأنه الرافد الشرعى الوحيد لإخراج جيل من الأبناء الذين يكونون امتدادا للأجيال السابقة فيما بعد، مضيفًا: «دار الإفتاء لديها خبرة على مدار أكثر من مائة عام من القيام بمهمة الإفتاء الشرعى، تؤهلها للوقوف على أهم الأسباب لتقوية الروابط الأسرية، وأيضا الوقوف على أسباب ودوافع ما ابتلى به المجتمع من كثرة وقوع الطلاق بين طبقة الشباب لأسباب ترجع لقلة المعرفة وعدم التأهيل، وهناك تزايد لانتشار الطلاق بشكل يهدد استقرار الأسر المصرية، وذلك نتيجة لانتشار التيارات المتشددة ونشر أفكارها عبر وسائل الإعلام، مما جعل الأحكام الشرعية والقيم الأخلاقية مشوشًا عليها»، وتابع مفتى الجمهورية: «دار الإفتاء المصرية تضع حماية الأسرة نُصْب أعينها وفى قمة أولوياتها، مستفيدة من سعة الفقه ويسره».

وعن زواج القاصرات تحت السن القانونية دون توثيق، قال المفتى: «هذه مشكلة عويصة وخطر كبير، وهذا الزواج فيه مخالفة واضحة للقانون وللتشريعات، فضلًا عن أن ذلك يضر الفتاة كثيرًا، خاصة إذا كانت أمّا لأولاد فتكون عرضة لتنصل زوجها من وجود العلاقة الزوجية بينهما، وفى هذا ضياع كبير لا يخفى على أحد».

وأضاف: «زواج الصغيرات يهدد استقرار الأسرة والمجتمع، فضلًا عن ضرره الطبى، وهو زواج قد منعه بعض أهل العلم من التابعين كالإمام ابن شُبرمة والإمام الأصم، فقالا ببطلانه، وكما هو معلوم يجوز الأخذ بأى قول مُعتبر من أقوال أهل العلم بما يحقِّق المصلحة، ووَفْقًا للاختيار الفقهى المنضبط، وقولهما يقوى القولَ بمنعه الآن والذى تؤيده الدراسات والبحوث الثابتة والمعتمدة، ويؤيده الواقع أيضًا».

 شارك في الحوار فريق "أمان":  عمروعبد المنعم ـ محمد يسري ــ أحمد الجدي