رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

د. محمد توفيق يفجر القنبلة.. للمسلم ان يصلى ركعتين على الأقل(2)

جريدة الدستور

لإنسان يجب عليه أن يصلى ركعتين على الأقل.. وله أن يزيد على ذلك دون غلو أو إفراط (2)


ويستكمل د. محمد توفيق في معركته حول الإسلام هو القرآن وحده في مقالته "ليس على المسلم إلا أن يطالع كتاب الله " فيقول:

لنبدأ الآن بالبحث فى مسألة ركعات الصلاة. قال الله تعالى: «وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِى الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُواًّ مُّبِينًا * وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِن وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ» (النساء: ١٠١- ١٠٢) إلى آخر الآية، فيتضح من هذه الآيات الكريمة أن قصر الصلاة مباح فى السفر إذا خفنا العدو، وأن صلاة الخوف للإمام ركعتان فقط وللمؤتمين واحدة يصلى نصفهم الركعة الأولى معه، ثم يصلى النصف الآخر الركعة الثانية، وهذا هو المتبادر من القرآن الشريف وما ذهب إليه ابن عباس وجابر بن عبد الله ومجاهد فإذا كانت صلاة الخوف ركعة واحدة للمؤتم، وظاهر من السياق أن هذا قصر، أى دون الواجب، فيكون الفرض فى أوقات عدم الخوف هو أكثر من ركعة، أى أن القرآن يفرض على المسلم أن يصلى فى كل وقت من أوقات الصلاة أكثر من ركعة، ولم يحدد له عددًا مخصوصًا، وتركه يتصرف كما يشاء، وبعبارة أخرى: إن الإنسان يجب عليه أن يصلى ركعتين على الأقل، وله أن يزيد على ذلك ما شاء أن يزيد بحيث لا يخرج عن الاعتدال والقصد، فإن الغلو فى الدين مذموم وكذا فى كل شىء «إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المُسْرِفِينَ» (الأعراف: ٣١)، ومن ذلك تعلم أن عدد ركعات الصلاة غير معين إلا بهذا القدر فقط، وهو أن لا تنقص عن اثنتين ولا تزيد إلى درجة الإفراط، وبعد ذلك فللمسلم الاختيار فيما يفعل على حسب ما يجده من نفسه ومن وقته، ولا يجوز له القصر عن الركعتين إلا فيما ذكره القرآن الشريف، والذى يدلك من السنة على أن هاتين الركعتين لهما الشأن الأكبر فى الدين ما يأتى: 

- أول ما فُرضت الصلاة كان النبى عليه السلام يصلى دائما ركعتين مدة إقامته بمكة وجزءًا من إقامته بالمدينة، فإن قيل: لعل ذلك كان فى أول الأمر لحدوث عهد المسلمين بالإسلام فناسب أن يكون التكليف حينذاك خفيفًا، قلنا: إن المعهود فى طباع البشر أن يكونوا عند دخولهم فى دين جديد شديدى الرغبة فى القيام بجميع واجباتهم الدينية ويطلبون المزيد، وكلما طال عليهم العهد أخذوا فى التهاون فيها، ولذلك كان المسلمون فى أول الإسلام يقومون الليل بعضه إن لم يكن كله، وكلما ازداد اضطهاد المشركين لهم ازدادوا رغبة فى الصلاة فلو كلفوا بأكثر من ركعتين فى أول الأمر لوجدوا فى أنفسهم من الرغبة الشديدة فى العمل ما لا يجدونه فيما بعد وخصوصًا لأنهم كانوا غير مكلفين بالجهاد ولا بغيره: كالصوم والحج وغيرهما، ثم لو سلَّمنا أن التخفيف فى الصدر الأول كان لمراعاة جانب المسلمين الحديثى العهد بالدين وهم إذ ذاك نفر قليل فلماذا لا يراعى جانب مَنْ دَخَلَ فى الدين فيما بعد وقد كانوا يُعدُّون بالملايين؟، فلهذه الأسباب نحن نتخذ هذه المسألة دليلًا على أن النبى ما كان يكتفى بالركعتين فى ذلك الوقت إلا لبيان أنهما أقل الواجب، ثم زاد عليهما فيما بعد لبيان أن الزيادة أولى. 

-إن النبى لما زاد عدد ركعات الصلاة كان يقتصر على ركعتين فى سفره ولو لم يكن هناك خوف من العدو، ولو كان السفر قصيرًا جدا، ولو أقام بالجهة التى سافر إليها بضعة عشر يومًا وزال عنه العناء والتعب، فلو كانت الزيادة واجبة لعُدَّ هذا تهاونًا، وخصوصًا لأن القرآن لم يبح القصر إلا عند الخوف من العدو ولكنهم يقولون تحكمًا: إن هذا هو القصر المراد فى القرآن ولا يبالون بمخالفة الظاهر منه ونحن نسمى ذلك (اكتفاء بالواجب) محافظة على مقام القرآن الشريف ولا نقول فى قوله تعالى: «إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا» (النساء: ١٠١) إن هذا القيد فى الآية المذكورة آنفًا لا مفهوم له كما يقولون اتباعًا لمذاهبهم.

-كان عليه السلام لا يجهر بالقراءة فى الركعتين الأخيرتين، وإن جهر فى الأُوليَيْن ولا يقرأ فيهما بعد الفاتحة شيئًا من القرآن، فهل يدل ذلك على أن منزلتهما أقل من الركعتين الأوليين؟.
-إننا إذا نظرنا إلى عدد الركعات التى كان يصليها النبى فى أوقات الصلاة مع قطع النظر عما سماه المجتهدون سُنة وما سمَّوْه فرضًا نجد أنه لم يحافظ على عدد مخصوص، فكان تارة يزيد وتارة ينقص؛ ولذلك اختلفت المذاهب فى عدد السنن وفى المندوب والمستحب والرغيبة إلى غير ذلك من التقسيمات والأسماء التى ما كان يعرفها الرسول نفسه ولا أصحابه، ثم إن عدد الركعات التى كان يصليها فى الأوقات المختلفة من اليوم هو مختلف أيضًا، فصلاة الصبح مثلًا أربع ركعات والظهر عشر ركعات أو اثنتا عشرة ركعة، ولكن الشىء المطرد الذى نلحظه أنه ما صلى وقتًا أقل من ركعتين ولا تقيد بعدد مخصوص، وهذا يؤيد ما ذهبنا إليه كل التأييد.

وأما كونه كان يصلى بعض هذه الركعات فى الجماعة ويواظب على ذلك، وإذا كانت الصلاة رباعية أو ثلاثية لم يسلم إلا مرة واحدة، وإذا ترك سهوًا بعضها أعاده وسجد للسهو، فكل هذه أشياء لا يصح أن يُردَّ بها علينا، أما صلاة الجماعة فهى غير خاصة بالفرض، فصلاة العيدين والكسوف والخسوف والاستسقاء وغيرها كان يصليها جماعة وكذا صلى بعض النوافل، وأما المواظبة على جعل بعض الصلوات أربعًا أو ثلاثًا فهو لا يدل على وجوب ما فوق الركعتين؛ لأن هذه المواظبة المزعومة غير مسلمة كما بينا ذلك فيما سبق، وإذا سلمت فكم من أشياء واظب عليها طول حياته، وقال بعض الأئمة: إنها غير واجبة مثل الاستنجاء أو الاستجمار، ومثل قراءة الفاتحة فى كل ركعة والمضمضة والاستنشاق، وغير ذلك كثير جدًا.

وأما قرن الركعات بتسليمة واحدة فكم من أشياء قرنت بل مزجت بالفرائض، وقال الأئمة: إنها غير واجبة مثل كثير من أعمال الحج والوضوء والصلاة، ولما لا نتخذ نحن جلوسه صلى الله عليه وسلم دائمًا بين الركعتين الأوليين والركعتين الأخيرتين، إشارة منه إلى فصل الواجب عن غير الواجب، وكذا عدم الجهر فى الأخيرتين وعدم قراءة شىء بعد الفاتحة فيهما، وأما إعادة ما تركه سهوًا وسجود السهو فهو أيضًا غير دليل؛ لأن السبب فيه هو أن النبى عليه السلام لمّا كان ينوى أن يصلى أربع ركعات مثلًا، ويجد أن قلبه اشتغل بشىء آخر أنساه ما هو فيه كان يعد ذلك تقصيرًا وذنبًا؛ فيسجد سجدتى السهو استغفارًا لله تعالى وطلبًا للصفح عنه، وذلك بعد أن يعيد ما كان نوى أن يصليه ونسيه عقابًا للنفس، وإن كان سهوها للفكر فى أمر شريف يليق بالأنبياء، فإن حسنات الأبرار سيئات المقربين، وليس سجود السهو هذا خاصًا بترك الفرض، بل إذا نسى الإنسان أى شىء مما نوى عمله لله حق عليه أن يفعله، فإذا نوى أن يصلى مثلًا أربع ركعات، فصلى سهوًا ثلاثًا، ثم تذكر فليصل ما نسيه وليسجد لله، قال عليه الصلاة والسلام: (إذا قام أحدكم يصلى أتاه الشيطان فلبَّس عليه حتى لا يدرى كم صلى، فإذا وجد ذلك أحدكم فليسجد سجدتين). وأما الاحتجاج بالإجماع فهو غير حجة علينا؛ لأن أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم ما كانوا يعرفون اصطلاحاتنا هذه الفقهية، فلا يميزون بين ما نسميه نحن الآن سُنة أو فرضًا أو مندوبًا أو مستحبًّا، بل كانوا يحافظون على كل شىء رأوا النبى عليه السلام يفعله، وأما إجماع الخَلَف فلا نعبأ به والاستشهاد بحديث «لا تجتمع أمتى على ضلالة» إن صح هذا الحديث عنه عليه الصلاة والسلام، فنحن لا نقول: إن المسلمين اجتمعت فى هذه المسألة على ضلالة، فإن مَنْ عرف أن الواجب عليه ركعتان على الأقل فصلى أربعًا تقليدًا للرسول عليه السلام شكرناه وشكره الله ورسوله وزاده الله أجرًا، وإنما الغرض من هذا البحث هو تمحيص المسائل علميًا ليس إلا، وهو يفيدنا أيضًا فى مسائل أخرى من الوجهة العملية فوائد لا تحصى.