رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

معركة الحجورية والمداخلة.. بصمات الخوارج في ثوب السلفية

جريدة الدستور

تتوالى الفتن داخل تيار السلفية العلمية، التي تعلن الانتماء إلى منهج أهل السنة والجماعة، وقد زادت حدتها خلال الفترة الماضية بشكل لافت، وصل فيها الخلاف من مجرد التلاسن بالالفاظ وظهور مصطلح جديد على الساحة وهو مصطلح "الصعافقة" وهو المصطلح الذي يدل على الفراغ العلمي والجهل، إلى بداية أعمال عنيفة واشتباكات بالأيدي في بعض الأحيان، تزداد حدة هذه الخلافات عند ذكر أسماء محمد بن هادي المدخلي والشيخ ربيع بن هادي، وقد ظهرت بوضوح أسماء أخرى اقل شهرة منهما، منهم الشيخ يحيي الحجوري، الذي بدأ الخلاف مبكرا مع التيار السلفي.

قد لا تكون سمعت عنه كثيرا لكنه أحد أعلام السلفية في اليمن، وله تأثير كبير على السلفيين في العالم الإسلامي خارج الجزيرة العربية ويمتد تأثيره إلى المغرب العربي.

هو تلميذ الشيخ مقبل بن هادي الوادعي الداعية الشهير الذي تورط خلال تحضيره للماجيستير في المملكة السعودية في قضية جهيمان العتيبي المعروفة باقتحام الحرم المكي، التي راح ضحيتها العشرات من الضحايا، وسجن لمدة ثلاثة أشهر بتهمة كتابة الرسائل لجهيمان، وبعد براءته من القضية تم ترحيله إلى بلده اليمن لينشر منهج السلف، عن طريق تأسيس دار الحديث في منطقة دماج، التي كانت مدرسة لتخريج شيوخ التيار السلفي، وعلى راسهم الشيخ يحيي بن علي الحجوري الذي خلفه في إدارة دار الحديث، واشتهر منهج الشيخ الوادعي في العالم الإسلامي كله، فكان أحد الأركان الثلاثة لما يعرف بالتيار المدخلي نسبة إلى الشيخ ربيع المدخلي، أو الجامية نسبة إلى الشيخ محمد أمان الجامي، وهي المدرسة المشهورة حاليا بتحريم الخروج على الحكام.

وجاءت شهرة الشيخ يحيي بن علي الحجوري من انتمائه لهذه المدرسة التي انقلب عليها وبات أحد أكبر الطاعنين فيها، الأمر الذي أدى إلى وقع حالة شديدة من الانقسام داخل التيار، وتحول الخلاف إلى معركة شرسة بين أطراف النزاع، ولعبت أفكار الحجوري دورا محوريا فيما يسمى الآن بفتنة "الصعافقة" التي وصلت إلى أوجها في المغرب والجزائر، وانتقلت من مجرد سجال فكري بين فريقين إلى حد التشابك بالأسلحة البيضاء في مدينة حد السوالم المغربية قبل عدة أيام.

ارتبط الحجوري بعلاقات وطيدة مع كل من الشيخ علي الحلبي وهو أحد مشايخ السلفية في الأردن ومناوشات بين تاييد ومعارضة مع الشيخ المصري أبو الحسن المأربي رئيس رابطة أهل الحديث في اليمن، وهما الشخصيتان اللتان يلعبان دورا رئيسيا في الخلاف بين شيوخ التيار السلفي، ويطبقان عليهم أدوات علم الجرح والتعديل، الأمر الذي أوقعهما في صدامات مباشرة مع كل أتباع التيار المدخلي وصل النزاع بين الطرفين إلى حد امتحان أتباعهما بمدى ولائهم لشيوخ التيارين.

الامتحان بالأشخاص

ومن الأمور اللافتة في التيار الحجوري أو تلاميذ الشيخ يحيي الحجوري، يعتمدون ما يطلق عليه امتحان الأشخاص بالأشخاص، أي قياس نسبة انتمائهم إلى منهج الفرقة الناجية بمدى قربهم من رموز التيار، سواء كان الباعث على ذلك العداواة مع الشخص الذي يقاس عليه الحال، من التيارات المخالفة للحجورية وأبرزهم بالطبع تلاميد مدرسة الشيخ ربيع المدخلي، أو الإطراء على المنتسبين او الموافقين لمنهج الحجوري، ويجعلون ذلك معيارا لما يطلق عليه التجريح أو التبديع والتحذير، وهو ما يمكن أن تراه في المساجلات الفكرية بينهم على مواقعهم ومندياتهم التي لا تخلو من السباب.

ويكون الامتحان بوضع شخص من العلماء مقياسا للصحة، كما هو الحال في وضع الحجوري فإذا كنت موافقا لرأيه ومنهجه، كنت من الفائزين بدخول الفرقة الناجية، وإذا كانت ميولك لشيخ آخر من معارضيه، خرجت من هذه الدائرة وصرت من المبتدعة (1).

أثر منهج الشيخ يحيي الحجوري الإقصائي في ظهر فتنة أخرى بالمغرب العربي، بعد تدخله وتنقيبه خلف السلفيين هناك وإزكائه نار الفتنة- كما يصفها المداخلة- هناك حينما بدأت الردود عليه من الجزائر بعدما بدأ في تحريم الدراسة في الجامعات الإسلامية ومنها الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة التي قال عنها:
"أما الآن الجامعة الإسلامية جامعة حزبية .ولهذا توقفنا وتركنا أن نزكي إليها, حرام إعانة الطلاب على المنكر وعلى الحزبية"(2)

الأمر الذي أثار عاصفة من الردود المضادة على الحجوري من التيار المدخلي، وأرد لذلك الشيخ عبدالمعز فركوس عددا من المقالات، كانت هذه الردود والردود المضادة، إضافة إلى عوامل أخرى وقودا للفتنة الموجودة الآن بين التيار السلفي في المغرب العربي.

انشقاقات وتزكيات

ومن اللافت في فرقة الحجوري تفتتها لأكثر من 14 فرقة، أبرزها فرقة عبدالرحمن العدني الذي وقعت بينه وبين الحجوري ملاسنات واتهامات بين الطرفين وأتباعهما أقلها التبديع وكذلك أيضا خالد الغرياني صاحب شبكة العلوم، والاتهامات المعلبة جاهزة للاطلاق في أية لحظة تظهر في مقالات ومدونات كل فريق على شبكة الإنترنت.

ومن الانشقاقات إلى التزكيات، فلم يكتف أتباع هذه التيار على سوق الاتهامات والردود بين بعضهم البعض وبين باقي التيار السلفي ، فعمد كل فريق إلى تقوية موقفه بجمع أكبر عدد من التزكيات لفريقه، من العلماء السابقين فتجد أتباع الحجوري يأتون بتزكيات شيخ ما له، فيرد عليهم التيار الآخر بطعن الشيخ نفسه في الحجوري وهكذا.

أبرز الاتهامات الموجهة له

من أبرز الاتهامات التي وجهها له مناوئوه خاصة التيار المدخلي أنه يقول: "إن النبي صلى الله عليه وسلم يخطئ في وسائل الدعوة، مع أن الحجورى يراها توقيفية.
وتقريظه لمن يقول إن النبي صلى الله عليه وسلم لا يقبل قوله إلا بدليل من التيار المدخلي" (3).

وقد نقل سعيد الزعابي مقالا فصل فيها أخطاء الحجوري العقدية خلال محاضرة القاها في حضرموت، قال الزعابي:
" قال الزعابي :" وقد هالني كلاماً سمعته للشيخ يحيى الحجوري ضمن إجابته عن أسئلة وجهت له يتنافى مع مكانة الرسول صلى الهم عليه وسلم ووجوب الأدب معه،
وأضع بين أيديكم أخوتي الكرام كلامه بنصه ثم نعود لبيان ما تضمنه من خطر وخطل وزلل غفر الله لنا وله:
قال في أسئلة وادي حضرموت 1422هـ :
..نعم إن النبي صلى الله عليه وسلم، كان يجتهد في بعض المسائل، لكن اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم يكون توفيقاً، فالسنة، توقيفية وتوفيقية، أما على التوقيف على دليل يأمره الله بذلك، أما على التوفيق يقره الوحي على ذلك .
وما كان مخطئا في ذلك ينزل الوحي في أسرع وقت في بيان ذلك الغلط"(4)
ورغم ذلك فقد نفى الحجوري هذه الاتهامات وشرحها بشكل تفصيلي إلا أن شرحه أقر فيه بهذه الاتهامات وثبتها عليها رغم اختلاف العلماء في هذه المسائل العقدية الدقيقة، سواء كان ذلك من السلف أو الخلف.

وتبقى أهم المشكلات التي ثبتها الحجوري بين أتباعه مسألة المغالاة والتشدد في الإطراء عليه، والطعن في أي مخالف له حتى لو كان ممن ينتمي إلى تياره السلفي، الأمر الذي أدى إلى زيادة المشاحنات والانشقاقات، بين تلاميذ المدارس السلفية المختلفة بشكل ينذر بظهور جماعات جديدة أكثر تشددا وتطرفا من الجماعات المسلحة.

_______________________
مراجع وهوامش:
(1)انظر: امتحان الناس بالأشخاص عند حزب المداخلة المبتدعة، لعبدالمحسن العباد، شبكة سحاب السلفية، ومقال آخر لفواز المدخلي علي صفحته الشخصية فيس بوك.
(2)انظر: مقال الحجوري على موقعه، بعنوان(التوضيح لما جاء في التقريرات العلمية والنقد الصحيح).
(3) مقال:"البيان الفوري" للشيخ عرفات المحمدي، و"التقريرات" علي الحذيفي.
(4)مقال سعيد الزعابي بعنوان " انتقاد قول للشيخ الحجوري يتنافى مع مكانة الرسول صلى الله عليه وسلم ووجوب الأدب معه"