رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المغربي عمر العمري يحكي لـ"أمان " تجربته مع رواية "كنت إسلاميًا"

جريدة الدستور

تم استقطابى تنظيميًا فانقلبت حياتى إلى جملة من التناقضات
اخترت "الحل الإسلامي" كنوع من التمرد على الذات والمجتمع
التنظيمات الدينية امتلكت عناوين خادعة وكانت أرضية خصبة لاختراق المجتمع المغربي
الثقافة ويقظة الأمن حالتا دون رواج الفكر الإرهابي
مكافحة التطرف تتطلب مقاربة استراتيجية وأبعادًا دينية وثقافية وفكرية
تنظيم الإخوان لم يجلب إلى عالمنا سوى التطاحنات السياسية باسم الدين والدعوة
التنظيم الدولي أبان عن فشله الفكري ونزوعاته الاستبدادية الدفينة وقدموا للناس حكامًا أغبياء


تجربة "عمر العمري" الإسلامي المغربي السابق صاحب رواية "كنت إسلاميا عندما يتماهي الخيال مع الواقع" تعد تجربة حركية لناشط مغربي تستحق الدراسة، فقد كان عضوًا في حركة التوحيد والإصلاح المغربية وحركتها العدالة والتنمية. 

"العمري" يحكي في روايته التي خرجت طبعتها الجديدة إلى النور هذه الأسبوع كيف روجت الحركة الإسلامية أطروحات مزيفة عن الإسلام، وكيف استلهم العمري، تجربته من الداخل وليس من الخارج، لقد مزج بين وقائع حقيقية وأخرى متخيّلة إلى درجة التداخل، حول الرؤية الداخلية والسيرة الذاتية لإسلامي سابق قضى في الجماعات الدينية معظم أوقات عمرة كان لـ"أمان" معه هذا الحوار:


* "كنت إسلاميا" سيرتك أم سيرة الجماعات الإسلامية أم سيرة وطن مقهور من جماعات العنف الديني؟ 

- أود أن أؤكد لكم في البداية أنه لا يوجد في المغرب "عنف ديني" بالمعنى المادي، ولا أثر فيه لصراعات الأديان أو المذاهب، لقد تشبع بلدنا منذ القديم بقيم التسامح الديني، وتعايش مع كل الديانات السماوية، من يهودية ومسيحية، ثم استقر فيه الإسلام كعقيدة ودولة مع الفتوحات الإسلامية. 

بل حتى في ظل النظام الإسلامي، وفدت إليه شتى المذاهب والنحل، لأنه كان دائما يستقبل الهاربين والفارين من قمع الخلافة المشرقية، في إطار تدافع مذهبي وسياسي معروفين تاريخيا.

لكن المغرب حسم في النهاية اختياراته المذهبية والعقدية، محافظا في الوقت نفسه على مكسب التعايش والتلاقح الحضاري والديني دون أدنى مركب نقص. 

في نظري، المشكل سيطفو مع استقدام الفكر الحركي إلى بلادنا بداية الستينيات من القرن الماضي، بعد تأثر بعض الشباب بحركة "الإخوان المسلمين" في مصر، ومحاولة استنساخ تلك التجربة في تربة مغربية لم تكن مطلقا في حاجة إلى عملية استنبات دخيلة. 

هي التي تولد عنها فيما بعد "عنف ديني" مرحلي مع تشكيل منظمة "الشبيبة الإسلامية" بقيادة "عبدالكريم مطيع"، وظهر أيضا هذا "العنف الديني" لكن بلباس سلفي جهادي، وبشكل عابر، سنة 2003 من خلال التفجيرات الإرهابية التي عرفتها مدينة الدار البيضاء، والتي في اعتقادنا مرتبطة بتحولات دولية تتحكم فيها سياسات ومصالح دول عظمى تتصارع في العالم، وبالخصوص في منطقة الشرق الأوسط. 

* كونه لم يعانِ من عنف ديني ومع ذلك ظهرت فيه تنظيمات متطرفة؟ 

- المغرب لا يعاني من "عنف ديني" مثل بلدان أخرى التي ظهرت فيها تنظيمات جهادية بارزة المعالم والأهداف، وإنما أستطيع القول إنه عانى من "عنف رمزي" تسببت فيه حركات الإسلام السياسي الوافدة إلى بلادنا، والتي جعلت جزءا من المجتمع يتصادم مع اختياراته الدينية والعقدية والمذهبية والحضارية. فلم يكن للتدين المغربي أي مشاكل لا مع اللباس ولا مع الحجاب ولا مع بعض الاجتهادات الفقهية إلا عندما تم استيراد فكر "خارجي" له أبعاد بيئية أخرى ومنطلقات اجتهادية معينة، حينها عرف المغرب هذا النوع من الاصطدام الحضاري مع ثقافات وافدة ومتنطعة.

* ما الذي تشير إليه رواية "كنت إسلاميا" في سياق العنف الديني في المغرب؟ 

- هذا العنف الديني الرمزي الذي أحدثه "الإسلام السياسي" الدخيل على المغرب هو ما حاولتُ أن أعكس أبعاده المختلفة في رواية "كنت إسلاميا".. فالرواية تحكي عن شابّ كان يعيش في انسجام مع ثقافته الدينية المحلية، سواء في الكتاب القرآني، أو من خلال تصوف آبائه وأجداده، إلا أن استقطابه إلى تنظيم إسلامي جديد أدخله في مجموعة من التناقضات مع نفسه ومع تصوف أبيه وأمه وأخيه الفقيه وأخته التي كانت مغربية عادية، فاعتقد أنه وجد ضالته في "الحل الإسلامي"، الذي ظن أنه سيخرجه حتى من حالته الاجتماعية الفقيرة والبئيسة. فالرواية يتداخل فيها الواقع والخيال، كما أنها تحكي عن سيرة جماعة دينية استغلت الدين أبشع استغلال لإغواء جزء كبير من الشباب المغربي، ورمت به في آتون التطرف والتشدد الديني، وكل ذلك من أجل تحقيق مصالح دنيوية وسياسية. 

والرواية أيضا تشير بكل وضوح إلى مساهمة "الدولة المغربية" في عملية استنبات هذا الفكر الدخيل على بلادنا إبان الستينيات والسبعينيات، تحت تأثير إكراهات سياسية راغبة في إحداث توازن مع التيار اليساري الجارف آنذاك. 

وفي حمأة هذا الصراع السياسي، فُتحت المساجد أمام "فرسان الدعوة والحركة الجدد"، فاقتنص "الإسلاميون" اللحظة، وكونوا جماعات دينية، تحول بعضها إلى أحزاب سياسية، وبعضها إلى تيارات سلفية مسالمة، وأخرى ذات نزعات جهادية في التسعينيات من القرن الماضي، لكن مع مجيء العهد الجديد بقيادة ملك البلاد محمد السادس، الذي فتح ورشا كبيرة حول الإصلاح الديني وإرجاع الأمور إلى مكانها الحقيقي منذ سنة 2002، والسير في اتجاه إنهاء سياسة دينية كانت متأثرة بإكراهات سياسية مرحلية في عهد الراحل الحسن الثاني، ووزيره في الأوقاف والشئون الإسلامية آنذاك الراحل "عبدالكبير المدغري". 

* في الرواية رمزية الهروب من طغيان الوزير إلى طغيان الأمير إلى طغيان الواقع.. هل من هروب آخر تراه في واقعنا العربي؟ 

- الوزير في رواية "كنت إسلاميا"، له رمزية معينة، وله أبعاد تاريخية وسياسية تعكس المرحلة التي كان يحكم فيها الراحل الحسن الثاني.

فبطل الرواية كان يعيش في البادية (الصعيد)، وحلت بأسرته كارثة الجفاف، حيث غار الماء وجفّ الضرع، لكن بالجوار كانت ضيعة الوزير، الذي يسقي مزرعته مستغلا قنوات صرف الماء الصالح للشرب، في حين أن الناس لا يجدون ما يبللون به ريقهم الناشف. 

فكانت الحيوانات تموت عطشا وجوعا ومواشي الوزير تزداد سمنة ونضارة.. هذه بطبيعة الحال مرحلة مرت بها بلادنا، وأضحت تعكس فوارق اجتماعية رهيبة وكانت لها انعكاسات سياسية واضحة في ظهور تيارات اليسار الراديكالي ثم "الإسلام الحركي"، فاختار بطل الرواية "الحل الإسلامي"، حيث يشكل هذا الانتماء الجديد نوعا من التمرد الاجتماعي و"الثورة" على الأوضاع المتردية، والبحث عن الخلاص "الروحي"، والانفكاك من رقبة الحرمان والفقر، وهكذا وجدت التنظيمات الدينية أرضية خصبة لاختراق المجتمع المغربي تحت عناوين خادعة مثل أن الحل هو الإسلام، أو الخلافة الراشدة هي العاصمة، أو الصحوة الإسلامية هي سبيل التغيير الحضاري، كما قال بذلك بعض كتَبَة التيار الإخواني بالمغرب. 

فبطل الرواية هرب من طغيان "الوزير"، لكنه سقط في طغيان أشد منه هو "طغيان الأمير"، أي أمير الجماعة الدينية، الذي فتح له كل الأبواب من أجل الدراسة، والاحتضان "الأخوي"، لكنه في الوقت نفسه كان يستغله من أجل التمدد التنظيمي، والانتشار الحركي في أحزمة الفقر وهوامش المدن، وهو "الكاريان" (دور الصفيح)، حيث انتشر الفكر الديني المتشدد والمتصادم مع الثقافات المحلية.

لكن بطل الرواية سيكتشف في النهاية أن هؤلاء "الدعاة الجدد" كانوا يُرتِّبون لأمور دفينة أبعد من ذلك، وهي المشاركة السياسية والمنافسة الانتخابية، وبالتالي الوصول إلى مقاعد الحكم والتحكم.. وهذا ما حصل بالضبط، حيث تمكنت أحد الفصائل الإسلامية هي حركة "التوحيد والإصلاح"، التي كان ينتمي إليها بطل الرواية، وذراعها الحزبية "العدالة والتنمية" من اكتساح الانتخابات والوصول إلى رئاسة الحكومة المغربية سنة 2011. 

* هل فرضت تحولات ما يسمى الربيع العربي تغيرات جديدة على الإسلام السياسي في المغرب؟ 

- لقد فرضت التحولات السياسية العالمية، وبالخصوص ما عرف باسم ربيع الثورات العربي، على المغرب والمغاربة بالقبول بهذا الفصيل الإسلامي الإسلام السياسي، هذه المرة بصفات جديدة هي البرلماني والمستشار والوزير والعمدة، بعدما برزوا كدعاة وأئمة للمشروع الإسلامي، وانخدع بعض المغاربة بتصريحات هؤلاء "الزعماء الجدد"، وظنوا فيهم الخلاص، إلا أن النتيجة كانت مرة أخرى كارثية، وأدخل دعاة أو وزراء "الإسلام السياسي" بلادنا في تردي اجتماعي وثقافي غير مسبوقين بسبب قراراتهم اللا شعبية. 

فإذا كان بطل الرواية هرب من طغيان الوزير وسقط في طغيان أكبر منه هو استبداد أمير الجماعة، فقد انخدع "المغاربة" أجمع بعد ذلك بأكذوبة اسمها "الحكومة الإسلامية" أو "الملتحية" كما يسميها البعض، وأثبتت عن جدارة واستحقاق فشلها المدوي في كل شيء، فأين المفر بعد كل هذا؟ وربما هذا هو الإكراه الذي يعيشه المغاربة الآن والذي يؤرق جفونهم وهو: ماذا بعد فشل الإسلاميين في ترؤس الحكومة لأزيد من سبع سنوات؟ هل هناك بدائل سياسية الآن؟ أظن أنه أصبح من المحتم على المغاربة، حكومة وشعبا، أن يبدعوا في إخراج مشاريع وطنية قادرة على تجاوز المرحلة الراهنة التي أعتبرها في غاية الخطورة..

* كيف تقرأ تجربة تنظيمات الجهاد في المغرب بعد هذه الأعوام؟ 

ليست لدينا في المغرب تنظيمات جهادية على الإطلاق مثلما حصل في بلدكم مصر، حيث تشكلت تنظيمات جهادية ذات معالم واضعة وأدبيات معروفة، ومراجعات موثقة.. كما أكدت لكم في السابق كان هناك بعض المراحل التي شهدت ما نسميه بعنف ديني مرحلي مرتبط ببعض التوازنات السياسية الداخلية والدولية.. أعتبر أن المغرب محصن تماما من وجود أي تنظيم جهادي، ولا يمكن أبدا أن ينجح هذا الفكر العنيف في تربة مغربية عُرفت تاريخيا بالتسامح الديني والتعايش الحضاري بين جميع الديانات، على غرار تعايش عرقي وإنساني فريدين. إن المشكل في المغرب هو أن بعض التيارات المتطرفة تلعب على حبال الدين والعرق من أجل إذكاء صراعات تخدم اجندات سياسية معينة.

ورواية "كنت إسلاميا" تشير بكل وضوح إلى هذه المرحلة، حيث ظهر التيار السلفي المتبني لأطروحة الجهاد، وهو أيضا فكر تم استيراده على شاكلة الإسلام السياسي والحركي، بعد نجاح الجهاد الأفغاني، وحركة طالبان، و"غزوات" القاعدة بقيادة الراحل أسامة بن لادن. لم تكن في المغرب تنظيمات سلفية جهادية منظمة، ولكن تكونت على شكل تيارات دينية متأثرة ببعض الشيوخ ومرتبطة بهم فكريا ووجدانيا. 

بالفعل كانت هناك محاولة لاستنبات فكر جهادي في المغرب لكنها باءت بالفشل على اعتبارين: الأول أن الحاضنة الثقافية المغربية لا يمكن ان تستقبل مثل هذه الأفكار العنيفة، ثم ثانيا أن الأجهزة الأمنية المغربية كانت في مستوى عال للتصدي لكل محاولة لتشكيل خلايا إرهابية ببلادنا.

فالمغرب بفضل تجربته في هذا المجال، استطاع ان ينمي مقاربة استراتيجية فعالة، ذات أبعاد دينية وثقافية وفكرية وإصلاحية وأيضا أمنية لمكافحة التطرف والتطرف العنيف، أصبح يتحدث عنها الجميع، وهي خبرة تستفيد منها دول كثيرة، خصوصا الأوروبية.

لذلك لا مستقبل للفكر الجهادي في المغرب، كما أنه لا مستقبل للإسلام السياسي كذلك، فهي جميعها مشاريع حالمة ووهمية، خصوصا بعد أن توضّحت للمغاربة مصلحيتها وانتهازيتها واستغلالها المقيت للدين وللتراث المغربي المشترك والزج به في صراعات سياسية طاحنة.. ويبقى دائما السؤال مطروحا: ماذا بعد كل هذه الانكسارات الفكرية والمشاريع السياسية بشتى ألوانها التي عرفها العالم العربي؟ 

* ما هو تقييمك لتجربة جماعة الإخوان في مصر؟ 

"الإخوان المسلمون" هم إحدى المشاكل التي عرفها عالمنا العربي. لقد استطاع "حسن البنا" أن يؤسس لفكر رجعي ماضوي، وأن يجد له تنظيمات دولية، ما زلنا نعيش على آثاره الكارثية إلى يومنا هذا. 

تنظيم الإخوان لم يجلب إلى عالمنا سوى التطاحنات السياسية باسم الدين والدعوة، وأدخل الناس في نوبة حادة من أحلام اليقظة الطامحة إلى إنشاء خلافة إسلامية بائدة. هذا الحلم أسكر أجيالا كثيرة ورمى بهم في أحضان التطرف والتطرف العنف في سبيل إعلاء "كلمة الله" و"الجهاد في سبيله".

حوالي 80 سنة والإخوان في مصر يصارعون ويقاتلون ويناورون من أجل حلم واهم، وعندما أتيحت لهم الفرصة بفضل الربيع العربي، وسقوط نظام "حسني مبارك"، أبانوا عن فشلهم الفكري والتنظيمي، وأظهروا نزوعاتهم الاستبدادية الدفينة، وقدموا للناس "حكاما أغبياء"، لا يفقهون في الواقع، ولا في التحولات الدولية، ولا يمتلكون أية مشايع مخلِّصة، سوى زرع بذور التفرقة الدينية والأيديولوجية داخل الشعب المصري. 

سأقول لكم كلاما يسير عكس التيار "الإخواني"، وهي أن تدخل الرئيس "عبدالفتاح السيسي" كان في الوقت المناسب لإنقاذ مصر من انهيار خطير، وكان سيدخل المنطقة العربية برمتها في ظلمات بعضها فوق بعض. 

لو بقي الإخوان على رأس مصر لضاعت البلاد وتشرد العباد ولسقطت معها أنظمة أخرى عربية، في نظري على النظام المصري الآن أن يظهر للناس أنه أنقذ مصر من الانهيار، وذلك بسن سياسة بديلة تخرج البلاد من الأزمة التي تعيشها، وفتح المجال أمام الشباب للممارسة الحكم في إطار نظام ديمقراطي قد يكون نموذجيا في المرحلة القادمة..

* يتوهَّم الاسلامي أن له هوية ووطنا وأخوة مختلفة عن هويتنا وثقافتنا، فهو لا يحتاج إلي شيء آخر؟ فهل فكرة الوطن تحتاج إلى تعديل في عقله ام فكرة الوطن نفسها تحتاج إلى اعادة تقييم في محيطنا العربي؟ 

أستطيع أن أقول لك إنه بعد الفترة الاستعمارية بالخصوص بدأ العالم العربي يعرف استقرار ما يسمى بالدولة القومية، وبناء مقوماتها الأساسية كما عرفتها العديد من بلدان العالم. 

هذه الدولة تقام بالأساس على قيم المواطنة والمشترك الإنساني والقيمي والديني والحضاري.

 فالناس جميعا، باختلاف أديانهم ومذاهبهم وعقائدهم، يجمعهم وطن واحد، وهكذا بدأت تتشكل عقيدة وطنية تضمن العيش المشترك للجميع، لكن بظهور المد "الإسلامي" بشتى تلاوينه، بدأ يُروِّج لما يسمى بالرابط الديني أو آصرة الدين او آصرة العقيدة، على أساس أنها هي التي ينبغي أن تؤسس للمشترك الإنساني، وهنا حلت الطامة ببعض الدول العربية، حيث بدأت العقيدة الوطنية تنمحي شيئا فشيئا والسعي لإحلال محلها الآصرة الدينية، التي هي مقدمة لإنشاء خلافة إسلامية حسب زعم الإسلاميين.

 فلا يمكن أبدا بناء خلافة إسلامية، حسب زعم "الإخوان"، دون انمحاء الآصرة الوطنية وبناء الآصرة الدينية، التي ستشكل رابطا أساسيا بين مواطني الخلافة التي يحلمون بها. 

وهذا يتناقض حتى مع المجتمع الأول الذي بناه رسول الإسلام، الذي كان يستوعب اليهودي والمسيحي والمنافق والمسلم. 

فالمجتمع النبوي لم يكن بتلك المثالية التي تم الترويج لها في بعض أدبيات التراث والإسلام السياسي، فقد عانى نبي الإسلام كثيرا في تشكيل دولة تتسع للجميع، ولم يكن لنبي الرحمة أي اعتراض على وجود ديانات مختلفة تحت حكمه، وربط الناس على أساس وطن لا إكراه للدين فيه، بل إن الرسول كان يتعايش مع "فئة المنافقين"، ويقبل بهم في المجتمع، ويجتمع بهم، وينصت إليهم، ويصلي بهم، حتى عندما طلب منه بعض "المتشددين" أن يصفيهم جسديا، قال عليه الصلاة والسلام ما معناه أن محمدا لا يقتل "أصحابه"، وقد أقر بذلك بصحبتهم. 

وهكذا فالإسلاميون كانوا يحلمون بقتل الدولة القومية وإحياء دولة دينية لا يعيش فيها إلا من يؤمن بأفكارهم وعقيدتهم.. ولا يمكن أن نغفل أن بعض المفكرين "الإسلاميين" انتبهوا إلى هذه المعضلة الخطيرة، وشرعوا الآن في الحديث عن المواطنة وما إلى ذلك، بعدما اكتشف بعضهم تلك النزعات الدينية المتطرفة. 
فالإسلام لا يتعارض مع فكرة الوطن، بل إن فيه من المبادئ والقيم ما يجعل الإسلام في حد ذاته يتعايش مع كل الثقافات والقبول بها في كل مكان وزمان، بل له القدرة على التشكل والتبيئة المجالية بشكل رهيب، إلا أن المشكل ليس في الإسلام وإنما في عقل "الإسلامي" الذي يريد أن تسير الأمور حسب مصالحه وأهوائه.

* لماذا أثيرت ضجة في وجهة نظرك على رويتك كنت إسلاميًا؟ 

- الرواية نشرت سنة 2014 حين كان "الإسلاميون" على رأس الحكومة المغربية وكانوا آنذاك في أوج قوتهم وكان الجميع يتحدث عن الربيع الأخضر الذي سيجتاح العالم العربي. وتعمد الكاتب أن يصدر روايته في هذا الوقت حتى لا يقال إنه جبان ولم ينتقد الإخوان إلا عندما سقطوا وبانت عوراتهم وخارت قواهم. في سنة 2014، وجدت الرواية بعض الصعوبات في نشرها بسبب أن كثيرا من دور النشر رفضت توزيعها، ربما خوفا من سطوة الإخوان الذين كانوا في الحكم. 

لقد تم طبع الرواية وتوزيعها بمساعدة تطوعية من بعض الأصدقاء الذين تعاطفوا شخصيا مع الكاتب، وهي مناسبة أشكر فيها كل من ساعد هذا العمل في أن يرى النور وأن يصل إلى القراء الكرام.. وبالرغم من كل ذلك، فقد حققت الرواية أعلى المبيعات في بعض المكتبات إبان صدورها.. هذه الإشكالات في التوزيع كانت في صالح الترويج للرواية، كما أن انتشارها ارتبط بوصول الإسلاميين في المغرب إلى رئاسة الحكومة، حيث كانت تبشر بسقوطهم واندحارهم، كما أنها ساهمت ولو بشكل من الأشكال في الكشف عن وجههم الاستغلالي للدين.

* هل تعد روايتك من نوع أدب البوح أم من نوع السيرة الذاتية وهل لها من جديد تعد له؟ 

هي خليط من كل هذا. هي بوح إنساني في أسمى معانيه.

هي استغفار لله من التطاول على دينه والتحدث باسمه.. 

هي إعلان عن القطيعة النهائية مع كل فكر دخيل على ثقافتنا المغربية ومتصادم مع اختياراتنا الدينية..

هي براءة من كل فكر متشدد ومتطرف وعنيف.. هي توبة من كل استغلال للدين في صراعات سياسية ومن أجل تحقيق مصالح شخصية.. 

هي بشارة عامة على اندحار المشروع الإسلامي برمته وعدم صلاحيته لإنقاذ العباد والبلاد من التردي الاجتماعي والاقتصادي.. 

هي تنبؤ بفشل الإسلاميين في إنشاء خلافة إسلامية راشدة مزعومة.

هي تنبيه إلى الحالات الاجتماعية والاقتصادية المتردية التي تحتاج إلى معالجة فورية وآنية قبل فوات الأوان.. 

هي دعوة صريحة إلى إصلاح الدين وتجديده وتحريره من الوصاية والحماية والاستغلال.. 
هي تنبيه أيضا إلى الفوارق الاجتماعية الصارخة والمهددة للسلم الاجتماعي.. 

هي بوح عميق عن التناقضات التي يعيشها الإنسان في حياته والصراعات الداخلية والمكبوتة والتي قد تتغلف بالدين وتتمظهر فيه فتنتج تدينا مزيفا..

في نهاية المطاف، الرواية هي دعوة عامة للإنسان للبحث عن الله والتعرف عليه، فقد يحدث ان يعبد الإنسان إلاها غير الإله المستحق للعبادة، وهو ما حصل لبطل الرواية، فقد اكتشف في نهاية الأحداث أنه كان يبحث عن إله لم يجده عند "الإسلاميين"..


* في تقيمك.. هل الهجوم على الجماعات وتجربتها أفضل أم مواجهتها فكريا أفضل أم كيفية التعامل معها؟

- أنا أفضل المواجهة الفكرية والثقافية لمثل هذه الجماعات فهي الوسيلة الأنجع لاجتثاث الفكر المتطرف والعنيف. 

ولكنها ليست الأداة الوحيدة للقضاء على هذه النوازع المتشددة في المجتمع، إذ لا بد من البحث عن الأسباب الاقتصادية والاجتماعية ومعالجتها على وجه السرعة.

فالجماعات المتطرفة نبتت بشكل عام في أحزمة الفقر والهوامش، ولكنها فيما بعد استطاعت ان تجذب إليها الأغنياء والجامعيين والمهندسين وحتى بعض رجال الدين.. الآن بدأ الناس يكتشفون زيف هذه الأطروحة وشرعوا في التفرق من حولها.

وفي الوقت نفسه أنا مع استعمال العنف المشروع الذي تمارسه الدولة في مكافحة الإرهاب، لكن في الحالة التي يتجاوز فيها هؤلاء المتطرفون حدود الفكر إلى استعمال العنف او الشروع في استعمال أدواته، حينها يكون من واجب الدولة التدخل لحماية أمن الناس والسهر على راحة بالهم.. 

وفي المغرب لا تتدخل الأجهزة الأمنية المختصة إلا عندما يشرع بعض المتطرفين في تكوين خلايا والاتصال بمنظمات إرهابية والشروع في تحضير الوسائل المادية لتحقيق الجرم، أما عندما تكون مجرد أفكار أو قناعات دينية، فهناك قدر كبير من الحرية في المغرب للنشاط الفكري، بل حتى لممارسة العقائد بكل حرية..

النقاش الفكري حول جماعات الإسلام السياسي في رأيك هل يكون فكريا ثقافيا أم دينيا وشرعيا؟

في نظري لا حدود لحرية التعبير والتفكير.. فالأشخاص أحرار في دينهم وتدينهم وعقائدهم ماداموا لا يعتدون على حرية الآخرين أو يعرضون سلامتهم للخطر.. 
ثم لا لاحتكار الدين والوصاية عليه والتحدث باسم الله وباسم شرعه.. ينبغي الاعتراف بأن هناك دولة لها بطبيعة الحال اختياراتها الدينية والمذهبية والعقدية الرسمية، وهي بذلك تحاول أن تتجاوز الشروخات الفكرية والدينية التي أحدثها الإسلام الحركي والسياسي في المجتمع في الفترة الماضية، لكن الدولة لا ترغم أحدا على أي شيء سوى احترام مشترك المواطنة ومقتضيات الإمارة، لكنها لا تمنع أبدا من الاجتهاد والإصلاح كلما تطلب الأمر ذلك..