رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عمرو عبد المنعم يكتب: "أشرف مروان" ثمن الانتقام في حياة أمير الدهاء

جريدة الدستور

عرض فيلم «الملاك – The Angle» الأيام الماضية على النتفليكس لأول مرة، والذي يمثل بعضا من الرواية الرسمية الإسرائيلية لدور «أشرف مروان» الاستخباراتي الغامض في فترة حرب أكتوبر وما قبلها، له دلالات ومغزي إعلامي وفكري يحتاج إلي أن نتوقف امامه قليلا.
لم يكن "أشرف مروان" زوج ابنة عبد الناصر، مجرد صيدا سهلا ولم تكون تلك المعلومات التي ادلي بها عملا للتجارة أو اللهو، فقصة عمالة أشرف مروان لإسرائيل قصة درامية من الطراز الأول، المعلومة كانت هي هدف إسرائيل وربما التضليل أيضًا كان هدف مصر.

خيوط العملية واهدافها مازالت خفية حتي الآن، وأظن أنها ماتت مع موت صاحبها في 27 يونيو عام 2007م في لندن بطريقة قريبة الشبه بمقتل الفريق الليثي ناصف رئيس الحرس الجمهوري للسادات وكذلك الفنانة سعاد حسني. 

الفيلم إنتاج إسرائيلي أمريكي مشترك، تكلف ملايين الدولارات، وشارك في بطولته ممثلون بعضهم من أصول عربية، والبعض الآخر اسرائيلي، ويظهر خلاله شخصيات "جمال عبدالناصر، ابنته منى عبدالناصر، محمد أنور السادات، معمر القذافي"، وبدأ تصويره في يوليو، بين لندن والمغرب وتبني رأي رئيس الموساد تسيفي زمير، في أشرف مروان في كتابة بأعين مفتوحة.

تناول الرواية الإسرائيلية بدون تحليل يضلل الراي العام المصري والعالمي، فحتي هذه الرواية بها خلافات كثيرة وتناقضات اعتبرها الجانب الإسرائيلي مشكوك فيها، كمثال الإسرائيلي القائل " الذئب الذئب" والذي يقال في إسرائيل عمن يحذر من وجود ذئب دون الإبلاغ عن مكانه أو الإدلاء بأوصافه أو بأية معلومات تدل عليه. 

وهذا ما استخدمه الفيلم فعلا عندما كان يروي مروان، لابنة جمال قصة الرجل والذئب، وهي قريبة من حكايات "جحا" القديمة والتي تعبر عن معنى أهمية الصدق كقيمة ينبغي زرعها في عقول الأطفال، وبينما يصور الفيلم مروان، وهو يطبق فكرة القصة كاستراتيجية لخداع العدو الصهيوني قبيل تنفيذ خطة حرب أكتوبر، حيث أستقبل مروان فكرة قص الحكاية لابنه "جمال " لمرتين في القصة المعروفة بـ "حكايات ايسوبس" قصة الرجل والذئب، الذي كان يصرخ في قومة، الذئب الذئب، وكان في المرتين يتهم بالكذب وفي الثالثة حدث الهجوم الفعلي من (الذئب علي الغنم)، كأسلوب ناجز لخداع الإسرائيليين في جدية السادات والعرب في شن حرب حقيقية على إسرائيل، وجاء ذلك في خاتمة الفيلم عندما قدم ضابط المخابرات الإسرائيل كتاب Aesop's Fables أو قصة الرجل والذئب هدية كنوع من الإيمان برسالة "أشرف مروان" من أجل إسرائيل، في "مفترق الطرق" معبر جدا عن إنفصال "مروان" عن الموساد في مشهد يذكرنا بنهاية فيلم أمير الدهاء لأنور وجدي. 

لقد ظهر العمل في نفس توقيت لقاءنا في صحيفة "الدستور" مع الصحفي والخبير في الشئون الإسرائيلية توحيد مجدي، وتوحيد له خبرة بالملف العبري وخيوط لعبة الاستخبارات بحثًا وتحقيقًا وتمحيصًا، والذي ادلي بمعلومات جديدة عن بعض التفاصيل عملية الإغتيال في كتابه "الصهر أسرار اغتيال أشرف مروان". 

سألت توحيد مجدي، سؤال خبيث في ندوة الدستور 79 لماذا لم تؤمن المخابرات المصرية أشرف مروان، خوفا من اغتياله؟ فأجاب قائلا: "أشرف مروان ملفه أغلق في المخابرات المصرية في نهاية، وقضيته كانت أمنة تماما، فقد تحقق أمانه في زيارته للندن يوم 5 أكتوبر أي قبل الحرب بيوم واحد فقط، وكان مسافر في مهمة رسمية ضمن وفد إعلامي رسمي إلي عدة دول أوربية، وكانت محطة وصولهم روما، بأوامر من الرئيس الراحل أنور السادات، الذي كان يعلم بغلق المطارات يوم 6 أكتوبر. وواصل حديثه: لقد كان الهدف المطلوب أن الوفد الإعلامي المصري يسافر وينتظر التعليمات وكان سر التعليمات في جواب سري مشمع يفتح بعد 6 أكتوبر العصر، لم يكن هذا الوفد يعرف سبب سفرهم بل مجرد رؤوس موضوعات أهمها الدفاع عن الموقف المصري في الصراع مع إسرائيل، وكانت مهمة "أشرف مروان" الرئيسية وقتها توجيه الضربة الأخيرة في معلومات الاستخبارات الإسرائيلية، الأمر الثاني كان تأمينه شخصيًا من خلال قيامه بالحديث مع الموساد وإعطاءهم بعض المعلومات كي ينفي عن نفسه أي تهمة بأنه عميل لمصر حرصا على حياته. 

وأشار الكاتب الصحفي المتخصص في الشئون الإسرائيلية إلى أن المخابرات المصرية، لم تضع حراسة على "أشرف مروان" لأنها لو فعلت ستكون إشارة واضحة أنه كان جاسوسا لمصر مما قد يعرض أمنه الشخصي للخطر، منوها في الوقت ذاته أن "مروان" ورغم زياراته المتعددة لبريطانيا لمقابلة عناصر الموساد إلا أن المخابرات البريطانية، لم تكن تشك في أمره كونه قام بطلب للحصول على الماجستير والدكتوراه من جامعة أكسفورد وبالتالي أصبحت زياراته المتكررة لبريطانيا منطقية ولا تستدعي أن يقوم الأمن هناك بتحويل ملفه إلى المخابرات كما يحدث مع أي زوار تتكرر زياراتهم لهذه الدولة حيث يتم مراقبتهم للكشف عن أسرار تلك الزيارات، وهو ما لم يحدث مع "مروان" الذي أصبح بعد ذلك دكتورا في الكمياء.


فيلم "الملاك" من ناحية الحبكة الدرامية ضعيف ومن ناحية المعلومات التاريخية استند إلي القصة المأخوذة عن رواية الكاتب الإسرائيلي أورى بار جوزيف أستاذ العلوم السياسية، الخبير في شؤون الاستخبارات، والتي تعتبر مروان قدم للمخابرات الإسرائيلية معلومات قيمة عن مصر في الفترة من 1969حتى1975. 

ونأتي إلي الإخراج وهو الأقوي في الفيلم فقد لعب المخرج "ارييل فرومين"علي وتيرة الإنتقال السريع بين الأحداث وعمل اسقطات تارخية متعددة مثل ـ نصيحة "مروان" لسادات بدعم عمليات ارهابية ضد اسرائيل لصالح المقاومة الفلسطينية لكي يكسب السادات ود القذافي، كشف "مروان" عنها بعد ذلك للمخابرات الإيطالية وهي واقعة حدثت بالفعل ووردت في كتاب تسيفي زمير تحت عنوان " "قضية الطائرة الليبية وأشرف مروان"، واسقاط أخر وهو الطريقة البريئة في تعاملات "مروان" في الدفع بمعلومات عسكرية وسياسية وخاصة مشهد المواد الكيماوية (البوتاسيوم) أمام السادات رغم حرص مروان الشديد في مشاهد أخري من الفيلم.
كذلك كثرة الثغرات التاريخية مثل احتساء عبد الناصر للخمر (غير معروف أن عبد الناصر كان يشرب)وتتبع أسرار عبد الناصر لرجاله عن طريق سامي شرف، والوقيعة بين مروان وزوجته مني، بتسريب أسرار علاقته النسائية رغم ان هذا(أـ ب)، كذلك حشر مشاهد التعذيب في السجون المصرية داخل "ليمان طره" في داخل السياق الدرامي أيضا وهو ما له مغزي سياسي في هذا التوقيت.

والغريب في الأمر أن رئيس الموساد قال في كتابه "باعين مفتوحة.. رئيس الموساد يحذر"ـ لم يكن مروان مفلسا ولا مستجديا، كان مكانه في القيادة المصرية، لقد كان مواطنا مصريا ولم يكن صهيونيَا لقد كان جزء من الفريق، كنا نعرف أنه حتي عندما كانت العلاقات مع ناصر فاترة كان لا يزال جزء من الأسرة المصرية".

والسؤال الأن.. هل كان يحتاج مروان المال والمكانة العربية والدولية حتي يتصل بإسرائيل ويعرض خدماته عليها ؟

الثاني: لماذا تم فتح الملف بهذه الطريقة رغم أن به فضائح إسرائيلية وخاصة وأن رأي رئيس جهاز الموساد، أن الأجهزة الأمنية داخل إسرائيل أخفقت في تقدير حرب أكتوبر وهذا ايضا تقدير لجنة أجرانات التي حققت وتقصت في الموضوع. 

لم يلتفت أحد أن هناك نزع بين الإدارات الأمنية "أمان "شعبة الاستخبارات العسكرية" و"الموساد" شعبة الاستخبارات والعمليات الخاصة" لكي يضرب بعضهم بعض بهذه المعلومات. 

فيلم "الملاك" سيناريو وحوار ديفيد أراتا الذي عرض منذ عدة أيام وكتاب "تسيفي زامير" (بأعين مفتوحة رئيس الموساد يحذر) لعب في العقل الجمعي العربي واستكمال لدور التشكيكي في "اشرف مروان" والذي معلوماته كلها من العدو وليست من الطرف الأخر من الصراع وهو مصر والذي علي ما يبدو أنه لغز ستحتار فيه العقول مهما تقدم الزمان. 

الفيلم لا يبتعيد كثيرا عن الكتب التي تناولت القصة من جانب واحد فقط وهي العقيدة الإستخباراتية نشر الإرتباكات والمعوقات والتشويش المعلوماتي لنشر الشك من قبل الموساد في الإرادة الوطنية المصرية.

نهاية حياة "أشرف مروان" بهذه الطريقة في لندن تدل ان هناك جهة ترغب في الانتقام من "مروان" أمير الدهاء المصري، الانتقام في حد ذاته وليس الخوف من "مروان" ومن اي معلومات قد يدل عليها، لآن حقيقة الرجل لم يعد مخيفا علي الإطلاق خاصة في أخريات حياته بل كان حذرا في حياته وعلاقته جدا وهذا ظاهر في علاقته بزوجته مني عبد الناصر فما بالنا بعلاقته بالأخرين. 


حقيقة أخيرة "تسيفي زمير" حاول أن يتصل بمروان، بعد خروجه من الخدمة من جهاز الموساد علي أساس العلاقات التي كانت بينهم في القديم ووسط أحد الاشخاص بينهم وجاء الشخص لزمير بعدها يخبره بعدم رغبة "مرون" باستمرار العلاقة بينهم. 

أنتهت حياة "مروان" ويبدو أن من انهي حياته، اراد لها أن يصدر أزمة كل فترة ليتفرق دمه بين القبائل من جهة ويموه علي امر جدي خطير يصنع في الخفاء!، وأخيرا فالحقيقة دائما لها وجهان وجه ظاهر وأخر خفي، والظاهر واضح للجميع.


أقرأ ايضاً  : نكشف القصة الكاملة لبراءة "أشرف مروان" من التجسس لصالح إسرائيل

أقرأ المزيد: "توحيد مجدى" يكشف فى ندوة بـ"أمان" قصة أشرف مروان وزواج سيد قطب

وايضاً : بالأسماء.. قادة إسرائيليون اعترفوا بتبعية "أشرف مروان" للمخابرات المصرية

وأقرأ : تفاصيل جديدة لقصة وفاة "سعاد حسني" في بريطانيا