رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الباحثة هدير قنديل: الحقبة الساداتية الأكثر ديناميكية في التاريخ المصري (حوار)

جريدة الدستور

باحثات في مواجهة الإرهاب (1)
ثورة التصحيح وضعت الجذور الأولي لتصفية التجربة الناصرية
الجماعات المتطرفة انتقلت من معارضة معارضي النظام إلى معارضة النظام وقتاله
غياب الدور الدعوي والتربوي للمؤسسات الدينية وغياب المرشدين المعتدلين شجع علي التطرف
القاهرة شهدت ولادة قيادات تنظيمية مثل (علوي مصطفى- إسماعيل طنطاوي- نبيل البرعي)
أول مجموعة جهادية في الجيزة قادها مصطفى يسري وحسن الهلاوي وسرعان ما حل التنظيم نفسه 
الإسلامبولي أنهي الحقبة الساداتية بحادث المنصة

هي باحثة شابة تدرس منذ عدة أعوام أدوار العنف والمعارضة داخل المجتمع المصري، اشتغلت علي حقبة السادات بما اشتملت عليه من أحداث كبرى غيرت مجرى التاريخ السياسي لمصر، والتي كان لها أكبر الأثر في ظهور جماعات العنف الديني. 

تحدثت هديل قنديل عن مراحل العنف الديني التي انتهجتها جماعات التطرف، ودور المؤسسات الدينية في التفاعل مع قضايا العنف والمعالجة الفكرية خلال الثلاثين عامًا الماضية، فكان هذا الحوار: 

متي بدأت جماعات الإسلام السياسي في مصر وانتشار التطرف الديني؟

هناك فرق بين بدء العنف وانتشار التطرف، الحقبة الساداتية كانت الأكثر ديناميكية في التاريخ المصري، ونستطيع أن نقول إنها بداية انتشار التطرف، من تنظيمات مثل الفنية العسكرية، التكفير والهجرة، وأحداث مثل الفتنة الطائفية في الزاوية الحمراء. 

ثقافة التمرد على السلطة كانت بدأت تلوح في الأفق بسبب نتائج الانفتاح الاقتصادي ومعاهدة السلام، وقيود الديمقراطية والقوانين سيئة السمعة، كل تلك القرارات أوجدت فئات من الشباب تتمرد بأساليب عدة منها الانضمام إلي أحزاب المعارضة ومن ثم إلي الجماعات الإسلامية.
والمظاهرات التي لم يخلو عام من حكم الرئيس السادات منها، فقد كانت متصدرة دومًا المشهد، ومنهم من اختار الهجرة خارج البلاد، ومنهم من اختار الانضمام لتلك الحركات الدينية كمحاولة لإيجاد أرضية فكرية يواجه بها هؤلاء الشباب النظام الحاكم.

هل لكِ أن توضحي أسباب ظهور العنف في السبعينيات؟

تشابكت عدة عوامل لصعود تيارات العنف في تلك الحقبة، منها على سبيل المثال غياب الدور الدعوي والتربوي للمؤسسات الدينية الرسمية مما كان له أبرز الأثر في غياب المرشدين المعتدلين القدوة للشباب، وفي ظل غياب العدالة الاجتماعية والبطالة التي عانى منها الكثير من الخريجين آنذاك، مرورًا بظروف الحرب والتدهور الاقتصادي والقبضة الأمنية التي اتبعها النظام الحاكم والخلافات السياسية. 

هذه الحركات نشأت كرد فعل لذلك التدهور في مختلف المجالات، مستندين إلى كتابات وآراء نشأت في الأساس نتيجة التعذيب في سجون النظام الناصري، والتي كانت بلا أدني شك اللبنة الأولى لترسيخ الأفكار المضادة وظهور العنف كوسيلة أساسية للوصول إلى المطالب التي يرونها مشروعة وغير المشروعة لجمهور الشباب، الذي انضم في ظل ذلك المناخ إلى تلك الجماعات المناهضة للنظام الحاكم آنذاك. 


في تقديرك كيف تكونت جماعات العنف السياسي في هذه البيئة؟

تشكلت الإرهاصات الأولى قبيل السبعينيات بقليل حينما نشأت التنظيمات الجهادية المختلفة، تأسست أول جماعة جهادية عام 1966 بالقاهرة، وكان أبرز مؤسسيها (علوي مصطفى- إسماعيل طنطاوي- نبيل البرعي) ثم انضم إليهم مجموعة جهادية أخري تسمي مجموعة الجيزة أبرز قادتها هو مصطفى يسري وحسن الهلاوي. 

بعد قليل، مصطفي يسري حل الجماعة بعد اكتشاف أمرها للأمن، وهو طبيب موجود حتي الآن بالمناسبة لم يقبض عليه في أي من تنظيمات العنف بعد ذلك، الهلاوي قضي أيضًا وقتًا في جماعات العنف وانتهي للمراجعات والتوبة. 

أواخر الستينيات تشكل من سجون عبدالناصر العديد من التنظيمات المتطرفة، والتي كانت نواة مرحلة السبعينيات، ومن هنا تفرعت التنظيمات المختلفة ورصدت الساحة صعود حركات دينية مختلفة الرؤى. 

الجميع من هذه الجماعات اتفق على رفض الواقع والعمل على تغييره، لكن الأساليب اختلفت، فمنها من رأي أن الحل يكمن بعمل الانقلاب (جماعة الفنية العسكرية - صالح سرية)، ومنها من دعت إلى العزلة والتكفير والهجرة (جماعة المسلمين- شكري مصطفى)، وهناك من أعلن الاغتيالات وحرب العصابات كفريضة على المسلمين استرجاعها والقيام بها (محمد عبدالسلام فرج)، كل تلك التنظيمات وغيرها كانت لها القدرة على استقطاب آلاف الشباب، كان أبرزهم (خالد الإسلامبولي عطا طايل، حسين عباس، عبدالحميد عبدالسلام) الذين أنهوا فعليًا الحقبة الساداتية بحادث المنصة الشهير لتبدأ أولي مراحل العنف المنظم الجماعي في الثمانينيات.

كثير من الباحثين يرون أن السادات صعّد من دور الجماعات الإسلامية لضرب التيارات اليسارية وهو ما دفع ثمنه بحادث الاغتيال ما حقيقة ذلك؟

بالتأكيد ساهم نظام السادات بشكل رئيسي في هذه الرؤية وتصاعد تلك التيارات الدينية الناشئة والمتواجدة بالفعل، حيث أراد السادات عند توليته الحكم التخلص من بقايا نظام عبدالناصر فجاءت أحداث مايو 1971، بثورة التصحيج الشهيرة لوضع الجذور الأولي لتصفية التجربة الناصرية وبالفعل نجح ووضعهم في السجون. 

أراد السادات في نفس الوقت أن يكون له حليف آخر للوصول إلى قاعدة شعبية لكي يضفى الشرعية لحكمه ومواجهة المعارضة النشطة التي قادتها التيارات اليسارية الباقية، فما كان هناك خير من الجماعات الإسلامية في الجامعات لاستغلالها. 

لقد اعترف رجال النظام الساداتي بهذه الحقيقة فكتب محمد عثمان إسماعيل، محافظ أسيوط، في مذكراته أن السادات استجاب لمشورته في تشكيل جماعات تضم المتدينين من طلاب الجامعات للعمل على تأجيج مشاعرهم الدينية الجارفة في هذه المرحلة من العمر ضد المعارضة اليسارية باعتبارها دعوة للإلحاد. 

هذه لعبة الأنظمة والتوازنات السياسية والأمنية، وبالفعل نجح النظام في خلق عدو جديد ضد معارضيه، ومن هنا بدأت الحركات الدينية في الصعود، لكن ما لم يكن في حسابات النظام أن تلك الجماعات التي استخدمها لضرب معارضيه ستنقلب ضده فيما بعد لتحقيق مقاصدها، وبالفعل انتقلت من معارضة معارضي النظام إلى معارضة النظام نفسه فيما بعد.


قتل السادات فتح المجال لصعود التيارات الدينية.. هل هذا صحيح؟

بالفعل ساهم حادث المنصة بشكل رئيسي في صعود تلك التيارات على أرضية صلبة، فلأول مرة في التاريخ المصري يُقتل حاكم بهذه الطريقة، مما شكل طفرة كبري للحركات الدينية، التي تاجرت بهذا النجاح ما ساهم في استقطاب أعداد كبيرة من التابعين بترديد شعار "قتلنا رأس النظام". 

من يطلع علي أدبيات هذه الجماعات يجد ذلك، فهناك قيادي كتب شعرًا سماه "عصابة الأربعة" يقصد به قتلة السادات وسماهم العصابة وسخر من السادات واعتبر قتله بمثابة قتل الفرعون. 

الكثيرون لم يتوقعوا التخلص من السادات بهذه الصورة، ليس أدل على ذلك من وصية خالد الإسلامبولي نفسه التي كتبها بخط اليد، هذه الوثيقة تعني أن خالد كان يعتقد أنه لن ينجو من ذلك الحادث سواء استطاع أو لم يستطع قتل السادات. 

توالت الأمور حتي استطاع التنظيم بالفعل قتل السادات وقفز بالحركات الإرهابية إلى ذلك الصعود المدوي، مما شكل أرضية ارتكزت عليها الجماعات الدينية فيما بعد في أحداث أسيوط وغيرها من الاحداث التي استمرت فترة الثمانينيات والتسعينيات، وصولًا للمراجعات التي غيرت منهجية بعضها، وهذا طبعًا في تقدير البعض والبعض الآخر يعتبرها مؤامرة وخديعة.

هل تعثر التجربة الحزبية في مصر سبب تصعيد الجماعات الإسلامية في فترة السادات؟

إن قرار نشأة المنابر في السبعينيات بين يمين ووسط ويسار، مرورًا بقانون الأحزاب عام 1977، وإتاحة الفرصة لنشأة الأحزاب السياسية ساهم بشكل كبير في إحياء التجربة الحزبية وتواجدها على مسرح الأحداث السياسية. 

لكن وجود تلك الأحزاب متأخرة كل تلك السنوات شكل بما لا يدع مجال للشك فراغ كبير على الساحة مما ساهم في بروز واضح لتلك الجماعات الدينية التي استطاعت بالفعل استقطاب جمهور الشباب لأفكارها ومعتقداتها المتطرفة.

التكفير والجهاديين والجماعة الإسلامية والإخوان.. من الأخطر؟

أيديولوجية تلك الجماعات المختلفة استخدمت جميعها العنف في فترات التاريخ منذ الاحتلال البريطاني حتي الآن، على صور متباعدة أو متقاربة، فالجميع خطر. 

غير أن التكفيريين هم الأخطر فهؤلاء في الحقبة الساداتية لعبوا أدوارًا خطيرة علي الساحة الاجتماعة، وهنا نأخذها كمثال واضح لنشوء جميع التيارات العنيفة فيما بعد، فقد استغلت هذه الجماعات الفراغ القيمي والثقافي لدي جمهور الشباب وحاولت تأسيس أيديولوجية دينية خاصة تتمركز حول فكر التكفير والحاكمية، بدأت بتكفير الحاكم مرورًا بتكفير المجتمع. 

وأدي ذلك إلي تكفير الفرد الذي لا يتبع منهاجها، ومن هنا نشأ العنف الذي صار فيما بعد فكرًا ومنهاجًا لجماعات متشعبة نشأت خلال فترة السبعينيات والثمانينيات وحتي وقتنا الحالي.

كيف ترين معالجة ظواهر العنف والتكفير في مصر الآن؟ 

وجود معارضة قوية سيخدم أي نظام سياسي ناجح، فإتاحة الحرية سيخلق توازنًا للوصول إلى الصالح العام للوطن، ومن هنا يجذب حماس الشباب المتدين ويخلق فرص لمعرفة ثقافة جيدة ومجتمع معرفي جديد.