رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

شيوخ وأدباء حافظوا على القدس عبر العصور (دراسات)

جريدة الدستور

 يسري عبد الغني: القدس مصدر إلهام المبدعين والفنانين في الشرق والغرب
 عمرو عبد المنعم: المقدسين لم يبيعوا أرضهم وفتوى الشيخ حسنين مخلوف توثق ذلك 
 عزوز علي إسماعيل: "الألم والغربة والحنين" دفعت الأدباء للكتابة والإبداع 
د. محمد عبد النبي: الشعوب العربية مغيبة وتعتمد على رد الفعل 
نهى يسري عبد الغني: اسحاق الحسيني نموذج رائد للمثقف الفلسطيني الواعي 
منى بركات: الرويات أبرزت الجانب النفسي للإنسان العربي الفلسطيني 


أخرجت مؤسسة الحسيني الثقافية مؤخرًا سلسلة الدراسات التي تناولها مؤتمر القدس عبر العصور، والذي عقد تحت رعاية المؤسسة في الفترة من 11 إلى 12 مايو 2018، وهي سللسة من الابحاث التي تؤكد عروبة القدس. 

وتطرقت السلسلة التي قدمها مجموعة متميزة من الباحثين لعروبة القدس وأصالتها وتاريخها، الذي يعبر عن هويتها الفكرية الثقافية عبر العصور، من خلال تناول العديد من الدراسات الهامة من زوايا مختلفة سواء ثقافية أو أدبية أو تاريخية أو سياسية أو دينية.

وفي البداية قدم الكتاب بحث للخبير فى التراث الثقافي د. يسري عبد الغني بعنوان " مدينة القدس في كتابات الرحالة والمؤرخين " أوضح فيه أن القدس وفلسطين كانت محط أنظار الرحالة الغربيين عبر العصور، وخاصة في القرنين 18 و19 الميلادي وذلك للوقوف على ما بها من آثار وعمارة دينية، بالاضافة لمواطن الأحداث التي تضمها تلك البلاد المقدسة؛ فقد زارها مئات الرحالة والأدباء وكتبوا عنها، لذلك أخذت حيزًا كبيرًا من رحلاتهم وأشعارهم. 

وأكد الباحث في دراسته أن القدس مصدر إلهام للمبدعين والفنانين في الشرق والغرب، وخاصة الفنانين التشكيليين الذين استفادوا من ألوانها وعمارتها وفنونها كمفردات وموضوعات للوحاتهم. 

وقدم عبد الغني بعض كتابات الرحلة الذين استوحو أعمالهم عن القدس مثل شمس الدين محمد بن احمد المقدسي، في كتابه "أحسن التقاسيم في معرفة الأقليم"،  والذي وصف بيت المقدس بانها ليس في مدائن الكون أكبر منها، ولا شديد البرد، وليس بها حر، وقل ما يقع بها ثلج، بنيانه حجر لا ترى أحسن منه، ولا أتقن من بنائها، ولا أعف من أهلها ولا أطيب من العيش بها.. ".
وكذلك الرحالة ابن بطوطة الذي قال عن القدس في كتابه " تحفة النظارة في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار"، بها أثار جذع النخلة وعليها عمارة كثيرة والنصارى يعظمونها أشد التعظيم ويضيفون من نزل بها. 


فتاوى القدس والأرض المحتلة

في حين تطرق الباحث عمرو عبد المنعم في دراسته المعنونة " فتاوي القدس والأرض المحتلة.. مسارات التحدي والمقاومة في الفكر الإسلامي " إلي العديد من الفتاوى الخاصة بالأرض وبيع الممتلكات. 

وأضاف أن عامة المسلمين يلجأون إلى الفتوى لتنير لهم الطريق الشرعي للأمور التي اشكلت عليهم، وخاصة في المستجدات العصرية، وفي الغالب يكون الرأي الشرعي المناسب لهذه القضايا من المؤسسات الدينية الرسمية والمجامع الفقهية المتخصصة. 

وأكد أن قضية فلسطين والقدس من القضايا التي تهم المسلمين جميعًا في مشارق الأرض ومغاربها في كل زمان ومكان؛ فالقدس أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين. 

وأشار إلى أن القدس والفلسطين يعتبران قضية دينية، بالإضافة إلي أنها قضية سياسية تهم كل مسلم عربي، وليس تهم الفلسطينيين وحدهم، موضحًا أن فتاوى قضية فلسطين، وعروبة المسجد الأقصى، والجهاد لاستردادها، والصلح مع اسرائيل، كل هذا شكل عقل و وجدان أغلب المسلمين لما لها من شرعية ثابته في تناول المستجدات المجتمعية والواقعية؛ ليلجئ إليها المسلمين لبيان الحكم الشرعي؛ ليقفوا على حدود أمورها الثابتة والمتغيرة. 

وأكد أنه في خضم هذه الأحداث كان لعلماء المسلمين سواء من الأزهر الشريف أو هيئة كبار العلماء أو من دار الإفتاء المصرية أو حتى المفتون الأهليون دورًا كبيرًا في مواجهة سياسة الاستيطان والتحذير من خطر هذا الاحتلال وتصدوا بالفتاوى الشرعية للدفاع عن الأراضي الفلسطينية. 

وتابع: أن المؤسسات الدينية الرسمية في مصر لها دور الريادة منذ بداية الصراع الصهيوني في الشرق الأوسط، والتي عملت على توعية الرأي العام العربي والاسلامي بحقائق الأمور سواء بالفتاوى التي تحض المسلمين على أتباعها وتنفيذها. 

وأكد أن أهم فتوى في هذا الصدد كانت من قبل الشيخ حسنين محمد مخلوف بحرمة بيع الأرض في فلسطين لليهود والتي تشير بشكل مباشر إلي أن اليهود عملوا علي إزلال العرب والمسلمين وتطويعهم و إعادة تشكيل جغرافيتهم لضغط عليهم لبيع أراضهم، وهذا ما تصدى له الشعب الفلسطيني وتصدى له علماء المسلمين. 

وذكر أن جماعة كبار العلماء المسلمين دائمًا ما كانت تدعو إلى تذكر قضية فلسطين وليلة الإسراء والمعراج، وكانت تطلب أن يتوجهوا بالدعاء إلى الله سبحانه وتعالى في تلك الليلة بأن يحفظ هذه الأرض مما يراد بها، وأن يحفظ الآثار المقدسة في الأقطار العربية القريبة والبعيدة من الصهاينة وأتباعهم. 


ألم الأرض والغربة في الرواية الفلسطنية

تناول الدكتور عزوز علي إسماعيل في دراسته موضوع " ألم الأرض والغربة فى الرواية الفلسطينية"، حيث دائمًا ما ترتبط الأرض بالغربة، سواء أكانت الغربة عن الوطن من أجل المال، أم الغربة عن الوطن بسبب المنفى، أو أنها كانت بسبب الاستعمار؛ فأصبحت الغربة مرتبطة بألم الأرض، وأصبحت الأرض مرتبطة بألم الغربة، سواء أكان في وقت السلم أم الحرب... ". 

وحلل عزوز هذا الألم وعلاقة الغربة بالأرض من خلال تناول تحليلي لبعض الروايات التي تناولت ذلك الأمر في القرن الماضي حتى الآن، ومن تلك الأعمال: 

رواية " رجال في الشمس" للكاتب الفلسطيني غسان كفاني.. موضحًا أن تلك الرواية تُعتبر الأولى له، حاول فيها تفريغ هم الألم الذي عاشته بلده  فلسطين، وخاصة بعد نكبة 1948، و توضح ألم الغربة بعيدًا عن أرضهم؛ فأرتبط من ثم ألم الغربة من ألم الأرض المحتلة التي أخرجوا منها. 

وتطرق لرواية "السفينة".. للكاتب الفلسطييني جبرا إبراهيم جبرا، كما يشير فيها لأنواع عديدة من الآلام، ومنها آلام العشق والحب، وآلام الغربة، وآلام الوطن، ومرارة الاحتلال، الذي جعل الشباب يهجرون بلادهم. 

وأوضح " عزوز" أن الكاتب جبرا إبراهيم جبرا تناول تلك الآلام التي منها آلم الأرض المغتصبة؛ مستنتجًا إلى أنه يتفق مع الكاتب غسان الكفاني في معظم أعماله. 



الخلفية التاريخية للمشكلة الفلسطينية

ناقش الدكتور محمد عبد النبي المؤرخ المتخصص في المسالة اليهودية الخلفية التاريخية للمشكلة الفلسطينية، في بحث بعنوان " الخلفية التاريخية للمشكلة الفلسطينية " موضحًا أن الرئيس الأمريكي الحالي، دونالد ترامب، أصدر قرار نقل سفارة بلاده للقدس لتكون عاصمة للدولة الإسرائيلية، بخلفية عمل تاريخية كبيرة عبر السنوات الماضية، وهو ما أثار الشعوب العربية التي اعتادت على السكون ورد الفعل وليس الفعل. 

وأشار إلى الخلفية التاريخية التي يجب أن يدركها الجميع؛ المتمثلة في بداية الصراع الإستعماري علي المنطقة العربية من الصراع الصليبي -الإسلامي. 

وتطرق إلى الصراع الأول المتمثل في الحملات الصليبية، أيام صلاح الدين الأيوبي وانتصارهم عليهم في معركة حطين في النصف الثاني من القرن الثاني عشر؛ واسترداد بيت المقدس منهم، يمثل حدًا فاصلًا وبداية التكوين الاستعماري. 

وتابع: أن طرد المسلمين واليهود من أسبانيا المسيحية في نهايات القرن الخامس عشر، جعل اقتراب جيوش المسلمين من أبواب فيينا من منصف القرن السادس عشر محط أنظار أوروبا و الاستعمار الغربي ويعد هذا هو الاستعمار الاول. 

وأوضح الدكتور "عبد النبي"، أن صراع الثاني المتمثل في الغربي الإسلامي الذي انتهى بطرد المسلمين واليهود معًا من اسبانيا، وتثبيت المسيحية فيها. 

أما الصراع الثالث ؛ وهو ما يحدث الآن على الأراضي العربية من محاولة تقسيمها وضرب مقدساتها التي يتصدا لها العرب والمسلمين ببسالة كبيرة في كل المواقع. 


موسى الحسيني علم من مثقفي القدس  

وتناولت الباحثة نهى يسري عبد الغني في دراستها " إسحاق موسى الحسيني، بعتباره كاتب و باحث ومفكر و أديب عربي فلسطيني كان له دوره في الساحة الثقافية العربية المعاصرة، وبينت من خلال مؤلفاته ودراساته ونشاطاته التربوية والتعليمية، دوره في الحياة الفكرية التي لم تقتصر على إنتاجه الأدبي، بل اتسع ليشمل القصة الأدبية للقضايا الفكرية التي برزت في عصره.

وأشارت إلى إسهاماته في عضوية مؤسسات علمية وبحثية عديدة منتشرة في بلاد عربية كثيرة، وإخرج العديد من الدراسات الهامة مثل "ابن قتيبة.. حياته وآثاره"، و" المجتمع الإسلامي والغرب"، وقصص مثل " وردان الوفي" و" أحمد والمدلل". 

و أوضحت الباحثة، أنه استطاع أن يقدم صورة ناصعة للمثقف العربي المتسلح بثقافة التراث والمنفتح على الثقافة الغربية المعاصرة، لذلك اعتمدت آراءه بخصوص تجديد اللغة العربية وتطوير قواعد نحوها وابتكار السبل الكفيلة بتيسير مادة الأدب بروح عصرية، كما أراد تنمية حركة الفكر العربي المعاصر، مما يعاني منه في محاولة منه أن تنسجم مع حيوات سائر الأمم القريبة والبعيدة منه. 



"انتفاضة الأقصى" والتاريخ الفلسطيني

وأوضحت الباحثة منى بركات في موضوعها عن "الإنتفاضة الفلسطينية في الأدب الفلسطيني"، معتبرة أن الانتفاضة فرضت وجودها ودلالاتها على الأدب العربي الفلسطيني، كما رصدت الباحثة الأعمال الأدبية التي تتحدث عن انتفاضة الأقصى، مشيرة إلى أهمية تلك الأعمال في تغطية الجانب النفسي والتربوي الضروري للأجيال القادمة حتى تصمد أمام تحدياتها يومًا بعد يوم. 

وأشارت الباحثة فى دراستها للروايات التي تتحدث عن انتفاضة الأقصى، موضحة أن الوضع العام الذي تثيره أغلب تلك الأعمال، هى معرفة الحادث التاريخي؛ فجعل له دوره الهام في الذاكرة القومية للشعوب. 

مضيفة أن كثير من الروايات التي تتحدث عن انتفاضة القدس ركزت على الموضوعات الاجتماعية، والتي منها صعوبة جمع الشمل، وتصاريح الخروج من الأراضي المحتلة، وكذلك ظروف الناس وعلاقتهم بالمخيمات، وكذلك ظروف تلك المخيمات، ودور المرأة في الانتفاضة. 

لفتت إلى أن تلك الرويات أبرزت الجانب النفسي للانسان العربي الفلسطيني، بالرغم من الوحشية التي يتعرض لها، كما أبرزت دور القيم الروحية في تزكية الانتفاضة، وخاصة الإشارة إلى محاولة الصهاينة سرقة المقدسات الإسلامية من مدينة القدس. 

كما أظهرت تلك الروايات التزامًا قويًا بالحرية، وفضح قسوة العدو الإسرائيلي في مواجهة الانتفاضة وادعاءاته وإهماله المتعمد لكل ظروف الحياة في الأرض المحتلة، خاصة في المخيمات؛ ليجبر الناس على ترك بلادهم والنزوح عنها. 

توصلت الباحثة منى بركات إلى أن انتفاضة القدس تُعتبر حالة اجتماعية فريدة تعبيرًا على الرفض ومحفزة عليه عاشها ويعيشها كل أفراد الشعب الفلسطيني؛ فبدت جلية في الإبداعات القصصية والروائية، وأعطت الكثير من الصور والتجارب التي ربما كان خيال القاص أو الروائي قادرًا على استحضار أو تخيل بعضها بسبب تلك الاحداث. 


فلسطين.. "محنة شعب.. وقضية وطن" 

وفي النهاية الدراسات التي نشرتها مؤسسة الحسيني الثقافية، أوضحت الدكتورة عواطف يونس، مدير إدارة النشر بالهيئة العامة لتعليم الكبار في بحثها " فلسطين.. محنة شعب.. وقضية وطن" أن فلسطين تٌعد بوابة مصر الشرقية، وأنها قضية أمن مصر القومي بالأساس، فبين مصر وفلسطين تاريخ مشترك، وهذا ما يؤكد على مدى الارتباط القومي والأمني بين مصر والمشرق العربي، وخاصة فلسطين. 

لفتت الباحثة إلى دور القدس و وجود اسرائيل في مواجهة بعض الدول العربية على مدى العصور، كما أن فلسطين تمثل أهمية خاصة بالنسبة لمصر؛ لأنها بوابة مصر الشرقية أي قضية أمن قومي لمصر. 

وأشارت إلى دور جامعة الدول العربية ومنظماتها في دعم فلسطين، موضحة أن الدور الذي لعبته في الدفاع عن شعب فلسطين وحقه في إقامة دولته العربية المستقلة. 

وأضافت أن قضية اللاجئين وتعليم أبناء اللاجئين، التي تُعتبر من أبشع القضايا لانسانية في القرن الحادي والعشرين، وخاصة بعد ما أصدر وعد بلفور واستغل اليهود هذا التصريح وساندهم في ذلك سلطة الانتداب البريطاني؛ فأنشأ اليهود الوكالة اليهودية في الأراضي المقدسة، كما عملت هذه الوكالة على أمرين الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية بأي ثمن، والأمر الأخر تكثيف الهجرة اليهودية من أرجاء العالم إلى فلسطين.