رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ماذا تعرف عن "الظاهر بيبرس" في ذكراه

جريدة الدستور

يعرفه المصريون بـ"الظاهر"وهو الاسم الذي أطلقه المصريون علي "بيبرس" كونه يظهر بعد اختفاء لنصرة المظلوم وإعادة الحق إليه، وايضا لكونه أعاد الأمن والاستقرار والأراضي المسلوبة، علي ايدي التتار والصليبيين للمسلمين.

وكان يتناقل المصريون سيرته بينهم كـ"اسطورة" بعد تحقيقه أنتصارات عسكرية،غابت عنهم لفترات طويلة، وصفوه"بالمظفر" وكلمات أخري تدُل علي شعبيته الجارفة بين البسطاء منهم.

كان عاشقا لجلوس العلماء والحكماء،رغم معارضة قاضي القضاة"المعز بن عبدالسلام" الذي رفض بيعته، لانه "رقيق"بيع في سوق النخاسة، ورفض مبايعته حتي جاء"بيبرس" بشهود علي عتقه حتي يوافق"العز" علي بيعته، وقد شهدت فترة حكمة، التي زادت عن الـ17 عاما عدلا ورخاءا، فضلا عن المكانة العسكرية التي احتلتها السلطنة المصرية خلال حكمه.

نشأته

ولد ركن الدين بيبرس العلاني البندقداري الصالحي النجمي، في عام 1223 ميلادية، والذي تنحدر أصوله إلي "تركيا" رغم أختلاف الروايات حول مكان مولده، في الوقت الذي يشير فيه الدكتور قاسم عبده قاسم، في كتابه "عصر سلاطين المماليك"، نقلا عن المقريزي، أن مولده كان في كازخستان".

بدأ "بيبرس" حياته في بلاد العرب عندما دخلها للمرة الأولي، حينما تم بيعه للمرة الثانية لأحد التجار في مدينة"حماة"، والذي أطلق عليه"بيبرس" وتعني بالتركية "أمير فهد" علي اسم أبنه الذي توفي صغيرا، ولم يتجاوز عمره الـ13 عاما وفشلت الصفقة لوجود عيب بأحدي عينيه"مياة بيضاء".

قدمه تاجر"حماة" إلي جيش الأمير"علاء الدين أيدكين البندقداري" وكان عمره حينذاك 14 عاما، ليدخل في خدمة السلطان الأيوبي الملك الصالح نجم الدين لأيوب، "سلطان مصر والشام" والذي حصل منه علي لقب"البندقداري".

أنضم"بيبرس" إلي قوات السلطان الأيوبي،أحد قادة الملك الصالح أيوب،الذي أعتقه من"الرق" بعد أن بزغ نجمه لمهاراته القتالية وتمتعه بالذكاء والدهاء والحنكة السياسية،التي آهلته ليكون أهم القادة العسكريين للمماليك البحرية، نظرا لأنهم يقطنون بجزيرة"منيل الروضة".

مصيدة المنصورة

كانت معركة"المنصورة"ضد الصليبين في رمضان،1249، بداية إنطلاقاته العسكرية، بعد أن قام الصليبيون، بهجوم مباغت علي القوات المصرية، اوقعت حالة من الهرج والمرج بين صفوفهم،وتسببت في حدوث حالة من الأرتباك داخل صفوف الجيش المصري، أدت في النهاية، إلي مقتل قائده "فخرالدين بن الشيخ" وفقدان القوات المصرية، عدة مناطق كانت بحوزته.

أعد"بيبرس" والذي بلغ حينذاك 25 عاما،خطة أطلق عليها "مصيدة المنصورة" لحسم المعركة لصالح الجيش المصري،بعد مقتل قائده"الشيخ"، وهي الخطة التي آهلته لأستعادة توازن قواته مرة أخري، ويحقق إنتصارا تاريخيا علي الصليبيبن، وتم أسر القائد الصليبي"لويس التاسع" وليسجل في تاريخة العسكري، واحد من أهم قادته وليس للمماليك البحرية وحدها.

كان"سيف الدين قطز" قد ولاه منصب"أمير الأمراء" وكان أحد أهم مستشاريه، وحينما أرسل هولاكو قائد"المغول" رسوله لسلطان مصر "بيبرس" لتسليمها دون قتال تجنبا للحرب، اجتمع السلطان"قطز" مع "بيبرس" وبعض القادة العسكريين، لأرسال ردا مناسبا علي قائد المغول.

اتفق القائدان قطز وبيبرس، علي الخروج القتال المغول في الشرق، حيث التقي الجيشان في معركة "عين جالوت" عام 1259، بالقرب من نابلس الفلسطينية، وبرز "بيبرس" خلال المعركة كقائد عسكري وسياسي مخضرم، يستطيع المناورة داخل صفوف أعدائه وبين خصومه السياسيين.

فور الإنتهاء من معركة "عين جالوت" وأثناء عودة القائد "قطز" بجيشه لـ"القاهرة" وخلال رحله صيد،قتل "السلطان"علي يدي صديقه وقائد جيوشه "بيبرس" بعد خمسين يوما من المعركة التي أنهت وجود التتار في الشرق.

أجمع المؤرخون،أن اغتيال السلطان"بيبرس" علي يدي قائد المماليك البحرية، ثارا لمقتل أميرهم "فارس الدين أقطاي" قائد المماليك البحرية، علي يد "قطز" في عهد "عزالدين أيبك" كما ذكر بن خلدون، وهوما أختلف عليه المؤرخ الدكتور قاسم عبده قاسم، أستاذ التاريخ بجامعة عين شمس، والذي أرخ بأن عملية الإغتيال كانت بسبب اعتقاد"بيبرس" بأنه الأحق بالسلطنة من "قطز".

 المدرسة الظاهرية

تولي بيبرس"السلطنه المصرية، يوم الجمعة الموافق 6 ذو الحجة658 هجريا، الموافق 11 نوفمبر 1260 ميلادية، لم يتوقف دور"بيبرس" علي تغير خريطة المنطقة العربية،و لكنه أمتد ليشمل منطقة البحر المتوسط في جنوبه وشماله ككل.

بدأت فتره حكمه التي استمرت نحو 17 عاما وبضعه شهور، في رسم الأستقرار السياسي والأقتصادي للسلطنة المصرية، مع تدعيم حكم الأمراء من المماليك البحرية، كما قرب إليه التجار والأعيان، وأبدي اهتمامه بالتعليم،بأنشاء المدرسة الظاهرية، وقام ببناء السفن لتقوية قواته البحرية لخدمه تطلعاته العسكرية، ولذلك كان الأهتمام ببناء السفن وإشرفه عليها بنفسه.

وقعت في مصر أزمة اقتصاية عام 1264، فقام بتخفيض سعر"اردب القمح" من 100 درهم إلي 50 درهم،وطالب الأمراء والأعيان زكبار التجار،أقامة موائد للطعام من أجل إطعام الفقراء، وامرهم بدفع الضرائب كاملة دون نقصان.
أشتهر "بيبرس" بحبه للعلماء حيث استدعى الأمراء والعلماء لبيعته، وكان من بينهم الشيخ العزّبن عبدالسلام، قاضي القضاة، والذي فاجأ الظاهر السلطان الجديد أمام الحاضرين بقوله: يا ركن الدين أنا أعرفك مملوك البندقدار، أي لا تصح بيعته.

وهي الفتوي الذي سبق واصدرها"العز" ضد المماليك بضرورة بيعهم،قبل معركة"عين جالوت" من أجل تجهيز الجيش للقتال ؛ حيث ري"المعز" أن بيبرس، ليس أهلًا للتصرف، بموجب الفتوي السابقة، فما كان من الظاهر بيبرس إلا أن أحضر ما يثبت أنّ "البندقدار" قد وهبه للملك الصالح أيوب الذي أعتقه،وهنا تقدَّم الشيخ فبايع بيبرس على الملك.

وكان الظاهر بيبرس على شدّته وهيبته يعظم الشيخ العزّ ويحترمه، ويعرف مقداره، ويقف عند أقواله وفتاواه، ويعبر السيوطي عن ذلك بقوله: وكان بمصر منقمعًا، تحت كلمة الشيخ عزّ الدين بن عبد السلام، لا يستطيع أن يخرج عن أمره حتى إنّه قال لمّا مات الشيخ: ما استقر ملكي إلاّ الآن. 

مات"بيبرس" في مثل هذا اليوم 30 يونيه 1277، عن عمر يناهز الـ54 عاما.