رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عاصم عبدالماجد.. زعيم الجماعة المتحول

عاصم عبد الماجد
عاصم عبد الماجد

كنت أسمع ممن التقوا به فى سجن أسيوط أنه كثير الاعتداد بنفسه مُصر على ما يقتنع به، وأنه قال لهم ساعتها إن الجماعة ستستهدف السياحة، وحصل بالفعل، أى أن كل شىء ‏كانوا يخططونه، وهم من يمررون كل شىء، حتى التقيت به بعد سنوات بسجن الوادى الجديد، وكان أحد المحاضرين فى هذه الندوات «ندوات مبادرة نبذ العنف» وأذكر أننى سألته: ‏هل وضعت الجماعة كل الجماعات الأخرى فى خندق المبادرة بمعنى إما المبادرة أو السجن؟
فأجاب وهو فى شدة الغضب: إحنا مالنا، الجماعات وضعت فى خندق أو مش فى خندق المهم إن إحنا عملنا الصح واللى عاوز يعمل صح زينا براحته واللى مش عاوز يتحمل نتيجة ‏أفعاله.‏

كان عاصم يتنقل بين العنابر، وهو يعكز على رجله، فقد أصيب بثلاث رصاصات بها فى أحداث مدينة أسيوط عام 1981.‏
قتل فى الأحداث 114 جنديًا، وبعد الإفراج عن عبدالماجد رفض على الهواء أن يعترف بخطئه فى قتل هؤلاء الجنود.‏
فى عام 2003، أثيرت مسألة مشاهدة التليفزيون فى السجون، وأفتى عاصم بحرمة المشاهدة، وأرسل 20 ورقة بخط يده ما زلت أحتفظ بها، قال فى بعضها: إذا كان سلفنا الصالح متفقين على من ذم من ‏أفتى فى مسألة جزئية ولو صغيرة ولو لم تقع إلا لمكلف واحد مرة واحدة دون أن يكون مؤهلًا للفتيا أو كان أهلًا لها، ولكنه لم يستفرغ الوسع حتى قالوا (ومتى قصر مجتهد أثم) فما عساهم يقولون فى ‏نصب مصالح وإقرار مبادئ بمعزل عن نظر شرعى سديد صادر من أهله فى الدليل الصحيح؟!‏
النصيحة الثانية تتعلق بثقافة الخوف والهروب من جهاز يمكن أن نتحكم فيه، ولا يتحكم فينا والرد على ذلك يتلخص فى أن الخوف منه ما هو ممدوح ومنه ما هو مذموم ومنهى عنه شرعًا، ومن الخوف ‏الممدوح الخوف من الانسياق وراء المبيحات فتوقعه الغفلة وتجره للمعصية، فإلى أى النوعين من الخوف ينتمى من يريدون التلفاز؟
الغريب أنهم ينكرون الخوف لشىء يراه أهل الشورى فى السجن أمرًا محظورًا يؤدى فى بعض الأحيان إلى الحرام، وبصيرتهم دفعتهم للاعتزاز بكل ما يُقال من كلام منمق عن فوائد هذا الجهاز، وأن ‏مفاسده يمكن اجتنابها ببساطة ثم جعلتهم يواجهون النفس والضمير برفض كل حيل النفس وألاعيبها. ‏
إن هؤلاء الخائفين هم من نجوا من مفاسد التلفاز، وأما الشجعان فهم الذين وقعوا فى مفاسده، وأوهموا أنفسهم بأنهم أقوياء لا يتأثرون بالفتن.‏
إننى أقسو على إخوة أمضوا شطرًا من عمرهم فى شدة وبلاء، وكرهت أن تكون محصلة عمرهم وسعيهم وخاتمة بلائهم جهادهم من أجل إدخال ومشاهدة التلفاز.‏
فى سجن المنيا شاهدته حينما أثار مشكلة الغش فى الامتحانات وحرمتها، وكان كل أفراد الجماعة يجيزون ذلك ويفعلونه، وكاد يتعرض ساعتها للفتك به، حينما أصر بالقوة أن يغير المنكر!‏
كانت من الكلمات المشهورة لعاصم حينما يقول له أحد إن الإخوان تقول عن نفسها إنها الجماعة الأم: الإخوان الأم ونحن الأب والرجال قوامون على النساء.‏
بعد سنوات أصبحت الجماعة هى القوامة على الجماعة، وانحاز عاصم للإخوان، وحين كان الإخوان يمارسون الإقصاء لكل خصومهم، أصبحت الجماعة الإسلامية هى الحليف الأكثر التصاقًا بها، ‏فقامت بالإعداد لما يسمى (جمعة الشريعة) بميدان التحرير، وشاركت فى كل الفعاليات الإخوانية، وبدأ قادتها مثل عاصم عبدالماجد يخدمون الإخوان فى كل الملفات المطروحة على الساحة الإعلامية، وحين ‏أقام الرئيس الأسبق مرسى مؤتمرًا دعا فيه للجهاد بسوريا، كان عبدالماجد أول من أقام ما يسمى "جبهة الأنصار" لجمع الشباب للسفر إلى هناك، وهو ما حصل بالفعل، حيث يوجد للجماعة عدد غير قليل ‏من عناصرهم، على رأسهم أحمد عشّاوى.‏

فجأة بعد غياب، خرج عاصم بما يسمى بالمراجعات، في 26 حلقة نشرها بصفحته الشخصية، تحت عنوان (الأمة لا الجماعة)، تحدث عن أنه على كل التنظيمات وضع الأمة قبل الجماعة، وقلب عبدالماجد الأولويات، فبدلاً من أن يكون التنظيم هو الأولى، جعل الأمة هي الأهم، التي ستتحرك بفعل دعوة الجماعات، ليقفز عليها التنظيم فيما بعد، والحكاية ببساطة أنه قلب المعادلة، في تقلبات تكتيكية بفعل الظروف السياسية المحيطة، دون تغير في الأيديولوجية البناءة داخل التنظيمات الحالية.

اعتبر عبد الماجد أن الصورة الحالية للجماعات الإسلامية لم تكن موجودة فى تاريخ أمتنا، قائلاً: لا أقول كما يدعى بعضهم أن مجرد وجود جماعات هو أمر باطل أساسا، وأنها نوع من الحزبية المنهى عنها، وأنها تؤدى إلى تمزيق الأمة، فهذه دعوة (مدخلية) قبيحة مقصودها الإبقاء على الأمة فى حالة استكانة وخنوع تحت حكم طواغيت مرتدين يسميهم المداخلة- زورًا- ولاة الأمر!

كل ما فعله عبدالماجد في مراجعاته أنه غير الخطة، فبدلاً من أن الجماعة هي التي ستواجه السلطات، جعل الجماهير هي التي تكون في المواجهة، ثم تقفز الجماعة على انتصار الأمة.

أعتقد أن عبدالماجد دائم التفكير والتحولات، لكن للأسف تحولاته تكون داخل نفس الدائرة أو المربع، الذي يتحرك فيه منذ زمن طويل.