رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«الوقف الإسلامي».. رهان الفقهاء وتحدي قوانين الواقع

وزارة الأوقاف
وزارة الأوقاف

عماد هلال: لا يوجد نقد للقاعدة عند من يعترفون بالوقف
عبد الباسط هيكل: يجوز مخالفة شرط الواقف من أجل تحقيق المنافع العامة
عبد المنعم العدوي: جبهة العلماء كانت أقل حدة من آراء بعض الفقهاء القدامي
أسامة الأزهري: الأوقاف قيمة ومؤسسة وحضارة


أصبحت قاعدة "شرط الواقف كنص الشارع" جزء من فقه الوقف في المؤسسات الشرعية، بل والثقافة العامة عند الكثيرين من المهتمين بهذه القضية، كما أصبحت من أهم تقاليد العمل الوقفي تلك القاعدة التي أعتمدت عليها كثير من المؤسسات الوقفية ومن ثم الشرعية والإفتائية في تسيير أمور الأوقاف الخيرية، فرتبطت عند كثير من العامة وبعض المثقفين بأنها قاعدة ثابتة لا يوجه لها نقد وتعد من الثابت في الفقة لا المتغير في أصوله وفروعه،رغم ما وجهه بعض الفقهاء والعلماء والباحثين المعاصرين من نقد بالغ لها.

وقد أحيا هذه القاعدة "شرط الواقف كنص الشارع" مؤخرا موقف جبهة علماء الأزهر الشريف، عندما رفضت مشروع قانون الأوقاف الجديد الذي تم عرضه بمجلس الشعب تحت مسمى "مشروع قانون إعادة تنظيم هيئة الأوقاف المصرية" لتعديل أحكام القانون رقم 80 لسنة 1971م، والذي أرسله المجلس لهيئة كبار العلماء لإستطلاع الرأي الشرعي فيه، فخرج بموقف صارم ومحدد بعدم جواز تغيير شرط الواقف، وهي القاعدة الشرعية المتعارف عليها في قضية الوقف "شرط الواقف كنص الشارع" ونقلت الهيئة ما قالت عنه انه ما اتفق عليه الفقهاء قديمًا وحديثًا، ومن ثم لا يجوز بأي ذريعة مخالفة شرط الواقف، أو التصرف في الوقف على غير ما شرطه، ويعد ذلك مخالفة للأحكام الشرعية المتفق عليها.

وقد ظهرت دعوي لنقد هذه القاعدة علي أسس حديثة وظهرت دراسات علمية وفقهية وأكاديمية أخذت بمنظور عصري لمحاولة إصلاح نظام الوقف وتغير شرط الواقف بحسب المصلحة العامة المترتبة علي ذلك، ولا نعلم لماذا لم تأخذ بها هيئة كبار العلماء او حتي تشير لها، بقي آثار هذه القاعدة الشرعية عند بعض الفقهاء والعلماء ممن يرون بقائها وعدم تغيرها بعتبارها نصا شرعيًا ثابتا علي مدي الحياة.


الوقف قديمًا
والحقيقة لقد ساهمت أعمال الوقف في كثير من أعمال البر والخدمات والمنافع العامة والخاصة مثل الأوقاف التي خصصت للإنفاق على تعبيد الطرقات وشق الترع وبناء المنازل والإستراحات للمسافرين وبناء أسبلة المياه في الأماكن العامة وغرس الأزهار وإطعام الطيور والكلاب وبعض الحيوانات والعناية بالأثار المعمارية والفنون الجميلة.

بل وبلغ حرص الواقفين إلي تخصيص وقف خاص بإزالة "العناصيص " وهي الحجارة الناشئة في الطرقات ورفع الحجارة من طرقات المسافرين لابعاد الاذي عنهم.

بل وشملت أيضا رعاية العجائز وكبار السن ومن لا عائل لهم أو فقدوا عوائلهم وهي قيمة أحترام بقاء النفوس في كل حال كيلا يتطرق الاستخفاف بالنفوس إلي عقول الناس مثلما حدث في عهد هتلر الذي أمر بقتل كبار السن والعاجزين عن العمل بحجة أنهم يأكلون ولا ينتجون.

وحول الوقف وأثره في المجتمع المسلم يقول الشيخ أسامة الأزهري في دراسته القيمة عن "الشخصية المصرية" لقد تحول خلق الرحمة إلي مؤسسة ونشطت الأوقاف في الحضارة المصرية حتي قامت ببناء المدارس والمستشفيات حتي وصلنا إلي غرائب الأوقاف واعجبها مثل قصر الفقراء والذي عمره في رحاب دمشق نور الدين زنكي. 

ويضيف الازهري: " فقد تحول معني الرحمة في الإسلام إلي مؤسسة يطلق عليها مؤسسة الأوقاف وتحولت بالتالي إلي قيمة وإلي مؤسسة ومن ثم إلي حضارة بل اتسع ليشمل عندنا إلي الحيوان والجماد وظهرت عندنا فى هذا الباب أوقاف رعاية الحيوانات والعجائز وقد وجدت الأوقاف لتطبيب الحيوان وأوقاف لرعية المسنة والعجائز منها، فمؤسسة الأوقاف بدأت بكلمة وتحولت إلي قيمة من هذه القيمة تنهض الحضارة. 


«الأوقاف» لا تلبي النماء الاقتصادي
يري بعض الباحثين المعاصرين أن هناك ميلًا متزايدا لتسخير الوقف لخدمة أغراض تناقض مقاصد الشرع وذلك بوضع شروط مجحفة سماها بعض الفقهاء "وقف الجنف والإثم"، وسماها أخرون "الوقف الطاغوتي".

بينما هناك عدد من الدراسات لا بأس بها وجهت لهذه القاعدة بعض النقد منها دراسة الشيخ محمد عبد الحميد المنياوي " رسالة في لزوم الوقف وشروطه " سنة 1931م، ودراسة للعلامة القانوني احمد فرج السنهوري بعنوان "مجموعة القوانين المصرية المختارة من الفقه الإسلامي " وكانت سنة 1949م، ورسالة لشيخ محمد أبو زهرة بعنوان "محاضرات في الوقف" سنة 1959م.

ومن الباحثين المعاصرين في مجال الوقف الدكتور محمد بوجلال الأستاذ المحاضر بكلية العلوم الاقتصادية وعلوم التسيير – جامعة فرحات عباس ـ بالجزائر "الذي يري أن الأوقاف بشكلها التقليدي - الثابت والمنقول - لا يمكن أن تكتسب دورًا بارزًا في العملية التنموية لأنها لا تلبي شروط النماء الاقتصادي كما عرفها أهل الاختصاص". 

لذلك يدعو "بو جلال" إلى تحديث المؤسسة الوقفية وتمكينها من مواكبة التطورات الجديدة التي تميز الحياة الاقتصادية المعاصرة في عالم تعددت فيه المنتجات المالية سواء تعلق الأمر بتعبئة الموارد أو بتوظيفها. 

ويقترح المحاضر بكلية العلوم الاقتصادية وعلوم التسيير وضع صيغة وقفية جديدة تخدم أغراض التنمية من حيث تراكم رأس المال في المنبع وكذلك في المصب وقد اطلق علي هذه الصيغة الجديدة في دراساته وابحاثة بـ "الوقف النامي" الذي يقتضي إرساء مفاهيم جديدة للعمل الوقفي بما يتفق مع الأحكام الشرعية ومتطلبات التنمية بمفهومها المعاصر.

الوقف لا يكون إلا بشرط الواقف
بينما يري الدكتور عماد هلال أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر المشارك بكلية الآداب‏ بجامعة الملك فيصل‏ والمتخصص في تراث النوازل والفتاوى"أن النقد الذي وجه لقاعدة "شرط الواقف كنص الشارع" كان لمبدأ الوقف نفسه، لكن طالما كان الفقيه أو المذهب معترفا بالوقف؛ فالوقف لا يمكن أن يكون إلا بشرط الواقف، ولذلك لم أسمع بنقد لهذه القاعدة عند من يعترفون بالوقف".

ويضيف "الحقيقة الهدف من الوقف أمر من اثنين: إما التحايل على التوريث بشروط الشريعة واستدالها بشروط الواقف، أو التحايل على السلطات التي قد تصادر الأرض".

وجوب الرجوع إلى القضاء للفصل 
ويقول الدكتور عبد الباسط هيكل المتخصص في قضايا التراث والفكر الإسلامي إن من أهم أركان الوقف "صيغة الوقف" لأنه من التصرفات التي تُوجد بإرادة منفردة، بمعنى أنه يتحقق الوجوب بالشرط والصيغة التي نصّ عليها الواقف، واشترط الفقهاء في صيغة الوقف ألا تكون معلقة على أمر غير موجود وقف الوقف، واشترط الأحناف تأبيد الوقف أي أن يكون غير مؤقت.. وأجاز المالكية التأقيت بفترة زمنية محددة تعود بعدها ملكية العين الموقوفة إليه أو إلى ورثته. 

وحول قاعدة "شرط الواقف كنص الشارع" يؤكد هيكل، أنها سارية ويجب الإلتزام بها ما دام الشرط صحيحا ليس فيه مخالفة للشرع، لكن أجاز الفقهاء مخالفة الشرط من أجل تحقيق منفعة أكبر للوقف ولمن أوقف عليهم شريطة الرجوع إلى القضاء للفصل في أمر تعديل شرط الوقف والتأكد من أن فيه المصلحة الأكبر للوقف وللموقوف عليهم.

ويؤكد هيكل، أن التصرف في الشرط حتى بإبدال الوقف ببيع العين الموقوفة لشراء عين أخرى يكون وقفا بدلها، بل من الممكن استبدالها بنوع آخر مختلف كما قال الحنفية فنجعل الأرض عقارا أو العقار أرضا لكن يجب ان تبقي القاعدة الأساسية المحافظة على قيمة الوقف ليس عينه وتحقيق النفع الأكبر للموقوف لهم وأن يتم هذا تحت إشراف كامل للقضاء.

وختم " الأهم المحافظة علي قيمة الوقف ولو يكون هناك تعديل يجب ان يكون تحت إشراف القضاء وليس عين الوقف ولا يتم تعديل الشرط بمعرفة السلطة التنفيذية وهذا هو جوهر المسألة".


لا يجوز مخالفة شرط الواقف
ويخالف الدكتور عبد المنعم عبد الرحمن العدوي أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر المشارك بجامعة الأزهر، من يذهب لنقد قاعدة "شرط الواقف"، معتبرا أن كلمة الفقهاء أتفقت قديمًا وحديثًا عليها، ومن ثم لا يجوز بأي ذريعة مخالفة شرط الواقف، أو التصرف في الوقف على غير ما شرطه. 

وقد عبَّر كثير من الفقهاء مثل أبن القيم وأبن حجر الهيتمي في كتابه (الزواجر عن اقتراف الكبائر) وأحمد بن محمد مكي الحنفي في كتابه (غمز عيون البصائر في شرح الأشباه والنظائر) والذي خصص جزء من كتبه لهذه المسألة تحت عنوان: (الْقَضَاءُ بِخِلَافِ شَرْطِ الْوَاقِفِ) عن الإتزام بهذه القاعدة، ومن ثم فإن مجمع البحوث الإسلامية وهيئة كبار العلماء قاما بالدور المنوط بهما وهو بيان الحكم الشرعي في الموضوع على الوجه الأكمل، ودون تجاوز بل كانت عباراتهما أقل حدة من آراء بعض العلماء القدامي، وهو الدور الذي قصرت فيه لجنة الشؤون الدينية بمجلس النواب عندما تم تقديم القانون.

سن القوانين وربطها بالمقاصد الشرعية 
ويطرح الدكتور إبراهيم البيومي غانم الخبير بالمركز القومي للبحوث الجنائية في دراسته عن مقاصد الشريعة في مجال الوقف تطوير نطام الوقف وفتح آفاق جديدة في هذا المجال من منظور المقاصد الشرعية وطرح ثلاثة أمور رئيسية: 

أولًا: إعادة ربط ثقافة الوقف ومنظومة العمل الخيري بمقاصد الشريعة في الوعي الجماعي محليًا وعالميًا، وذلك عبر برامج بحثية ومقررات تربوية وتعليمية ومواد إعلامية وفنية، تستوفي شروط الأصالة والجدية والإحتراف المهني. 

ثانيًا: وضع مقايس لترتيب أولويات الوقف في ضوء إحتياجات الوقع ليسترشد به الواقفون في تحديد أغراض وقفياتهم ومصارفهم، وذلك بما يتفق مع مقاصد الشريعة، ويسهم في تحقيقها في الواقع الاجتماعي الراهن. 

ثالثًا: وضع مشروع قانون عام للوقف، يعتمد ـ ضمن ما يعتمدـ على نظرية المقاصد الشرعية، ليكون دليلا إرشاديا تستعين به الدول الإسلامية التي ليس لديها قانون للوقف حتي اليوم وترغب في سن مثل هذا القانون، أو تقوم بتعديل القانون الموجود لديها، ليس هذا فقط وإنما بتعين تدارك هذه المقاصد في القوانين الأخري ذات العلاقة بالوقف ومجال عمله مثل قوانين الجمعيات الأهلية والمنظمات غير الحكومية، وقوانين المواريث، والأحوال الشخصية، والشؤون الاجتماعية.