رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بيعة الدم.. الخلطة السحرية لسيطرة الجماعات الإرهابية على عقول أتباعها

تعبيرية
تعبيرية

"أُبايعك على السمع والطاعة في المنشط والمكره، وفي اليسر والعسر وعلى أثرة من نفسي وعلى أن لا أنازع الأمر أهله"..

جملة قصيرة يطلقها أعضاء جماعة أو تنظيم تغير حياتهم وتقلبها رأسها على عقب، فالمبايع في هذه الحالة، وبهذه الشروط لم يعد ملك نفسه، فقد قدم ذاته لمن يتحكم فيها ويصبح بين يديه "كالميت بين يدي المغسل"، يجعل له الحق في توجيهه أينما كان، ظنا منه أن ذلك كله يقربه إلى الله، ويرفع درجاته في الجنة المنتظرة، وهو ما تكشفه السطور التالية لنعرف هل حقا ترضي هذه البيعة ربنا تبارك وتعالى، وكيف يصل عضو الجماعة إلى الاقتناع بها؟

قال ابن خلدون في مقدمته (ص209) : (اعلم أن البيعة هي العهد على الطاعة، كأن المبايع يعاهد أميره على أنه يسلم له النظر في أمر نفسه وأمور المسلمين، لا ينازعه في شيء من ذلك، ويطيعه فيما يكلفه به من الأمر على المنشط والمكره، وكانوا إذا بايعوا الأمير وعقدوا عهده جعلوا أيديهم في يده تأكيدا للعهد، فأشبه ذلك فعل البائع والمشتري، فسمى بيعة، هذا مدلولها في عرف اللغة ومعهود الشرع، وهو المراد في الحديث في بيعة النبي ليلة العقبة وعند الشجرة).

وبالفعل تتشابه صيغة البيعة لدى كل الجماعات المارقة ومنها بيعة جماعة الإخوان التي توجه للمرشد ويقول نصها:
"أبايعك بعهد الله وميثاقه على أن أكون جندياً مخلصاً في جماعة الإخوان المسلمين، وعلى أن أسمع وأطيع في العسر واليسر والمنشط والمكره إلا في معصية الله، وعلى أثرة عليّ، وعلى ألا أنازع الأمر أهله، وعلى أن أبذل جهدي ومالي ودمي في سبيل الله ما استطعت إلى ذلك سبيلاً. والله على ما أقول وكيل، (فمَن نكث فإنما ينكُث على نفسه ومَن أوفى بما عاهد عليه اللهَ فسيؤتيه أجراً عظيماً".

وحول هذه البيعة يخترق "أمان" عقل أحد أعضاء تنظيم داعش الإرهابي الذي كشف في مدونة له عقيدة أعضاء التنظيم في ترجمة شروط البيعة كما تجيب على عدد من التساؤلات حول كيف يبيع الشخص نفسه لغيره، وتكشف كيف يمكن أن يترك عضو التنظيم حريته، ويقدم نفسه ثمنا رخيصا، ولقمة سائغة لزعيم يتحكم فيه كيف يشاء دون حتى أن يسأله لماذا؟

في البداية عرض عضو التنظيم الإرهابي في مذكراته التي نشرها في مدونته الخاصة على الشبكة العنكبوتية تحت عنوان "تعرية الباطل" ، والذي يصدمك في واجهته بحديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه مسلم في صحيحه في كتاب الإمارة برقم: (1851): "من مات وليس في عنقه بيعة مات مِيتة جاهلية ".

يركز الداعشي على لي أعناق النصوص الشرعية التي تؤيد مشروعية البيعة لأبي بكر البغدادي زعيم التنظيم الإرهابي ويضع 5 أوجه لإثبات وجوب البيعة له، زاعما أن أول هذه الأوجه أن البغدادي أول من أعلن دولة اسلامية بشروط إمامة صحيحه، وأن الإمارات السابقة على التنظيم مثل طالبان في أفغانستان وغيرها لم تكن غير إمارات محدودة مكانًا، أو نوعا أي مختصة بمنطقة محددة وليست خلافة أو إمارة عامة كإمارة البغدادي، أو أنها مجرد إمارة جهاد ونصرة فقط وبالتالي فلم تكن لها البيعة بالخلافة العامة مثل خلافة البغدادي.

وضرب مثلا بجماعة أنصار الاسلام في العراق، وقال إنها رغم قدمها فهي لم تبايع إماما على إمارة أو دولة إسلامية، بل كانت بيعة جهاد وقتال فقط.
‏وأوضح كذلك أن الملا عمر الزعيم الروحي لحركة طالبان، أيضا كانت من مبادئ إمارته؛ الاقتصار على أفغانستان وحدها، وأنه لم يبايع على إمامة عامة. وأضاف أن البغدادي تمت له البيعة بالفعل، وأن من مات وليس في عنقه بيعة له فقد مات ميتة جاهلية.

ثم يدخل في محاور تأصيل عقد البيعة لزعيم دولة الإرهاب "داعش"، فيزعم أنه ليس من شروط صحة انعقاد البيعة على الإمامة شورى الجميع؛ بل تنعقد بمبايعة من تيسر من حضوره من أهل الحل والعقد كما لا يشترط إجماعهم بل تنعقد بواحد مطاع تتحقق به الشوكة".

لكن الداعشي المخدوع يأتي بما ينقض البيعة للبغدادي من جذورها من كلام عمر ابن الخطاب رضي الله عنه طنا منه أنه يؤيده، فيقول: "قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: من بايع رجلا من غير مشورة من المسلمين فلا يتابع هو ولا الذي تابعه تغرة أن يقتلا".
(انظر: صحيح البخاري، كتاب الحدود،حديث رقم: 6442)، وجاء في شرح صحيح البخاري لابن بطال: التغرة: التغرير، يقال: غررت بالقوم تغريرا وتغرة، وإنما أراد عمر أن في بيعتهما تغريرا بأنفسهما للقتل وتعرضا له فنهاهما عنه).

نقض البيعة المزورة

وبالعودة إلى تلك الأصول التي يحاول الداعشي الاستناد إليها في تأكيد مشروعية خلافة البغدادي، وهي الأصول نفسها التي يستند إليها كل الجماعات الإرهابية، يتبين وقوعه في مخالفة تهدم الأساس الذي اعتبر خلاله أن البغدادي يستحق الإمامة والبيعة، وهي أن البغدادي لم يأت على فراغ، أو دولة بدون حاكم فعلي، كي تنعقد له البيعة من الأساس، فانعقاد البيعة لا يتم إلا بعد إعلان خلو منصب الخليفة العام- إذا كانت هناك خلافة قائمة- أو خلو منصب رئيس الدولة، وإلا كان ذلك الأمر مروقا عن جماعة المسلمين، والقائمين على البيعة بجملتها مجموعة من البغاة ينبغي على الدولة القائمة محاربتهم، لأنهم نقضوا البيعة للحاكم الموجود، وحكم من مات منهم كما ذكر الحديث الذي استشهد به أنه مات ميتة جاهلية.

فقد روى مسلم في صحيحه: " من مات وليس في عنقه بيعة مات مِيتة جاهلية "، وهذا الحديث وحده كفيل باعتبار أن جماعة البغدادي وغيره من الجماعات الإرهابية، حكمها هو المروق من الدين ونقض البيعة، كما أن نصوص الشرع توجب قتل الإمام الثاني الذي يدعو لنفسه بالبيعة في ظل وجود الحاكم الفعلي، طبقا لما رواه مسلم في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

" إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما". ومثله حديث: "إنه ستكون هنات، فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع فاضربوه بالسيف كائناً من كان". ومثله حديث: "من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه".

وحول ذلك قال النووي في شرح صحيح مسلم: " اتفق العلماء على أنه لا يجوز أن يعقد لخليفتين من عصر واحد سواء اتسعت دار الإسلام أم لا، وقال إمام الحرمين في كتابه الإرشاد: قال أصحابنا لا يجوز عقدها لشخصين، قال: وعندي أنه لا يجوز عقدها لاثنين في صقع واحد، وهذا مجمع عليه.

وبالتالى فإن البغدادي وجماعته أو أية جماعة أخرى تعقد البيعة لأحد زعمائها فحكمها أنها فئة باغية، وبالتالي فإن النصوص الشرعية التي يستشهدون بها كلها مردودة عليهم.