رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«إخوان الصفا» وجماعة حسن البنا.. تشابه التنظيم السري واتفاق الأهداف

جريدة الدستور

ابتليت الأمة الإسلامية في القرن الثالث الهجري بظهور الاتجاه الباطني السري، متسترا في غلاف ديني، بزعم أن النصوص الشرعية لها تفسير ظاهر، وآخر باطن، ويهدف أصحاب هذا الاتجاه لتحقيق مراميهم السياسية، التي جاءت من الناحية الشرقية خاصة بلاد الفرس، التي اختلطت فيها الديانات الوضعية مثل الكونفوشية والذرادشتية والبوذية والجينية، وغيرها من الديانات التي تسود طقوسها وعقائدها أشكال شتى من الغموض والسرية، الأمر الذي امتدت جذوره ليسيطر على الكثير ممن دخلوا الدين الإسلامي، وتأثروا بهذه الأفكار الدخيلة، فظهرت العديد من الفرق التي تحمل المنهج الباطني، مثل الإسماعيلية، والقرامطة، والخرمية، وإخوان الصفا وغيرها.

ومن الطرائف التي وقعت في التاريخ الإسلامي لأصحاب هذا الاتجاه تلك المناظرة التي وقعت في مجلس الخليفة المنصور أبي جعفر العباس، والتي حاول فيها أحد الباطنيين، تفسير سورة "النحل" بما يتوافق مع غايتهم التي تعتبر أنهم أجدر بالخلافة من غيرهم، طبقا للتفسير المشهور المروي زورا عن الإمام الصادق والذي يقول: "نحن والله النّحل الذي أوحى الله إليه أن اتخذي من الجبال بيوتاً، أمرنا أن نتخذ من العرب شيعة، ومن الشجر، يقول من العجم، وممّا يعرشون يقول من الموالي، والذي يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه، أي العلم الذي يخرج منّا إليكم".

ونقل القرطبي في تفسيره ما ذكره ابن عطية عن هذه الواقعة، فقال: "وذهب قوم من أهل الجهالة إلى أن هذه الآية يراد بها أهل البيت وبنو هاشم، وأنهم النحل، وأن الشراب القرآن والحكمة، وقد ذكر هذا بعضهم في مجلس المنصور أبي جعفر العباسيّ، فقال له رجل ممن حضر: جعل الله طعامك وشرابك مما يخرج من بطون بني هاشم، فأضحك الحاضرين وبُهِت الآخر وظهرت سخافة قوله".

وفي تلك الفترة من التاريخ الإسلامي ظهرت النعرات السياسية التي حملت الكثير من التناقضات وكانت سببا في زرع الخلافات بين المسلمين، فأحدثت شروخا كبيرة بين الزعماء، ولم يأت القرن الرابع الهجري إلا وكان العالم الإسلامي ممزقا بين ثلاثة خلفاء، الخليفة العباسي في بغداد والخليفة الأموي في الأندلس، وفي مصر الخليفة الفاطمي، فكان هذا المناخ عاملا مساعدا على رعاية الأفكار الباطنية التي كانت أكبر عوامل الهدم من الداخل في العالم الإسلامي.

استغلت هذه الحركات الدين في تحقيق مآربها السياسية، وزعمت أن للقرآن والأحاديث النبوية أسرارا وأن ظواهر النصوص الشرعية مجرد قشور لكنوز تتوافق مع تصوراتهم السياسية، ومن أجل هذا التصور تم اختراع "التقية" التي تعتبر العامل المشترك مع كل الفرق الباطنية والحركات السرية الإسلامية قديما وحديثا، والتي يطلق عليها الجماعات الإسلامية ألفاظا أخرى تحمل كلها معاني المناورة، ومنها القاعدة الذهبية التي أرساها حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، التي تقول: "نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه".

ويشبه التفسير الباطني للنصوص الشرعية، عملية تأويل النصوص لدى الجماعات الإسلامية المعاصرة خاصة الحركية منها، التي تتعمد لي أعناق النصوص وتأويل معانيها لما يخدم توجهاتهم وجرائمهم، كما يمكن أن ترى ذلك في فهم أتباع جماعة الإخوان المسلمين لنصوص الكتاب والسنة، وإنزال جميع الآيات التي تخاطب المسلمين على أتباع الجماعة وحدها، وإنزال النصوص التي تتحدث عن الكافرين على معارضي الجماعة، وهي أكثر من أن تحصى، ولا يخفى الهدف السياسي من وراء ذلك.

إخوان الصفا

نحاول في هذه السطور البحث عن أوجه التشابه بين إخوان الصفا، والحركات السرية المعاصرة، خاصة تلك التي تهدف لإقامة دولة باطنية بديلة عن الدولة الحقيقية مثل الخلافة، وهي التي تظهر في الصورة النمطية للجماعات الإسلامية خاصة الإخوان المسلمين التي أسست بالفعل دولة باطنية سرية داخل كل دولة تضم أتباعا لها، وهناك قيادة عامة لهذه الدول يقودها المرشد العام، وفي كل دول والٍ للجماعة هو المراقب العام.

ومع الاختلافات العقدية بين إخوان الصفا التي تناقض ثوابت الإسلام، والجماعات الإسلامية السنية التي تتخذ الدفاع عن ثوابت العقيدة شعارا ثابتا لها، إلا أن هناك أوجه تشابه عديدة بينهما في الجانب الحركي - وليس الفكري أو العقدي بالطبع-.



الهدف: إنشاء دولة باطنية

يقول الباحث العراقي علي طاهر الموسوي:
"وتكلم الإخوان- إخوان الصفا- عن مدينة فاضلة دمجوا فيها الجانب المثالي بالواقعي إذ حاولوا إخفاء رغبتهم بقيام دولة لهم، ولهذا لجأوا إلى الفكر "اليوتيوبي"، والإخوان دعوا إلى وحدة ثقافية ودينية ومذهبية وعلمية، ساعين إلى إرضاء أكبر عدد ممكن من المعجبين والأنصار من مختلف القوميات، وهذا لا يخلو من غاية أيديولوجية وهدف سياسي، فالإخوان مثلما مدحوا الديانات والمذاهب المختلفة نجدهم في مواضع من رسائلهم نقدوا معتقداتها، متخذين من الطريقة الرمزية وسيلة لهم إذ عبروا عن موقفهم الحقيقي على ألسنة الحيوانات، وعند تتبع أفكارهم نجدهم يدعون إلى دولة عربية في قوميتها، إسلامية في دينها، إسماعيلية في مذهبها، ساعين إلى إسقاط الدولة العباسية عن طريق نشر رسائل بشكل سري وبث العيون في مختلف مؤسسات الدولة، وجمع أكبر قدر ممكن من الشباب، إذ دلت القرائن عندهم على انتهاء وقت الحكم لهذه الدولة، وأن قيام دولتهم، دولة "أهل الخير" قد حان".
انظر: دراسة في فكر إخوان الصفا، علي طاهر الموسوي، ص (181).

وتعد تلك المدينة الفاضلة التي ذكرها الموسوي المعادل الموضوعي، للخلافة التي تسعى كل الجماعات الإسلامية في العصر الحالي لتفكيك وهدم دولهم من أجل إقامتها.
وبالفعل فقد كان الهدف الحقيقي، غير المعلن لـ "إخوان الصفا" هو إسقاط الدولة العباسية في بغداد، وإقامة دولتهم التي يزعمون أنها دولة أهل الخير، ووسيلتهم في ذلك العمل الباطني السري.

ويعد تأسيس الدولة الباطنية التي سعت "إخوان الصفا" لإقامتها عاملا مشتركا مع جماعة الإخوان، وقد أوضح حسن البنا في رسالة التعاليم 4 مراتب لإقامة الدولة الباطنية للإخوان وتتلخص هذه المراتب كما ذكر البنا فيما يلي:
"- تحرير الوطن بتخليصه من كل سلطان أجنبى ـ غير إسلامى.
- وإصلاح الحكومة حتى تكون إسلامية بحق، وبذلك تؤدى مهمتها كخادم للأمة وأجير عندها وعامل على مصلحتها، والحكومة إسلامية ما كان أعضاؤها مسلمين مؤدين لفرائض الإسلام غير متجاهرين بعصيان، وكانت منفذة لأحكام الإسلام وتعاليمه.
ولا بأس أن نستعين بغير المسلمين عند الضرورة في غير مناصب الولاية العامة ولا عبرة بالشكل الذى تتخذه ولا بالنوع، ما دام موافقًا للقواعد العامة فى نظام الحكم الإسلامى.
- إعادة الكيان الدولى للأمة الإسلامية، بتحرير أوطانها وإحياء مجدها وتقريب ثقافتها وجمع كلمتها، حتى يؤدى ذلك كله إلى إعادة الخلافة المفقودة والوحدة المنشودة
-"أستاذية العالم بنشر دعوة الإسلام في ربوعه (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ للهِ) (لأنفال:39) , (وَيَأْبَى اللهُ إِلا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) (التوبة:32)".
(انظر: رسالة التعاليم، من مجموع الرسائل، لحسن البنا)

سرية الوسيلة

وكان من أبرز الوسائل السرية التي اعتمدت عليها جماعة الإخوان، النظام الخاص، الذي يقول عنه محمود عبد الحليم – مؤرخ الإخوان وعضو اللجنة التأسيسية للنظام الخاص:
” وقد أدرك الأستاذ المرشد أن قضية فلسطين هي قضية الإخوان المسلمين، وأن الإنجليز بتواطؤهم مع اليهود لن يعدلوا عن خطتهم ويسلموا البلاد لأهلها إلا مكرهين، وعلم الأستاذ المرشد أن الإنجليز يسلحون عصابات اليهود، وأنه لابد من معركة فاصلة بين الإخوان المسلمين وبين هذه العصابات مادام الإخوان مصرين على تحرير هذه البلاد وإنقاذ المسجد الأقصى الذي هو هدف اليهود الأصيل…
أدرك الأستاذ المرشد هذا أيضا فكان ذلك حافزا على سرعة الاستعداد بتكوين "النظام الخاص".
"وكان تأسيس التنظيم الخاص، فكرة مشتركة بين المرشد السابق للجماعة، حسن البنا والحاج أمين الحسيني، مفتي فلسطين".
انظر: (الإخوان المسلمون كما يراهم فريد عبدالخالق، والإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ، لمحمود عبدالحليم).

ويقول منير الغضبان المراقب العام الأسبق لجماعة الإخوان في سوريا في كتابه "المنهج الحركي للسيرة النبوية" عن العمل السري وجذوره الممتدة لبداية البعثة النبوية ووجوب التأسي به:
"لابد للمحافظة على سرية التنظيم من اختيار مركز سري بعيد عن الأعين، يتم فيه اللقاء بين الجنود مع بعضهم، وبين القيادة وجنودها، بحيث لا تعرفه استخبارات العدو".


اختراق كل المجتمعات

اشتهرت فرقة إخوان الصفا بالاهتمام بالتربية، وأبرز ما خلفته من تراث "رسائل إخوان الصفا" التي تبدو في ظاهرها دعوة للتسامح والوحدة، لكن باطنها يحمل الكثير من الكوارث التي لا يتسع المجال هنا للحديث عنها الآن، ولكن ما يهم هنا هو اختراق كل المجتمعات عن طريق ما يمكن أن يطلق عليه "الغزو السري الناعم".

تقول الرسائل:
"إن لنا إخوانا وأصدقاء من كل كرام الناس، وفضلائهم، متفرقين فى البلاد، فمنهم طائفة من أولاد الملوك والأمراء والوزراء والعمال والكتّاب، ومنهم طائفة من أولاد الأشراف والدهاقين والتجار، ومنهم طائفة من أولاد العلماء، والأدباء والفقهاء وحملة الدين، ومنهم طائفة من أولاد الصناع والمتصرفين وأمناء الناس"
(انظر: رسائل إخوان الصفاء 4165)

وانظر إلى التشابه بين هذه الفقرة وبين منهج الإخوان في اختراق كل المجتمعات فقد حدد القيادي الإخواني منير الغضبان في كتابه "المنهج الحركي للسيرة النبوية" عددا من السمات التي تميز دعوة الإخوان وتتيح له القدرة على التسلل الناعم لكل المجتمعات، يقول يكن تحت عنوان "السمة الرابعة.. الدعوة عامة":
"فإظهار الدعوة للمختصين لا تعني أن تكون دولة لفئة معينة من الناس، أو طبقة خاصة من طبقات هذا المجتمع؛ بل لابد أن تتناول قطاعات المجتمع كله، ويتم هذا التناول عن طريق الاصطفاء الخاص من أفراده، فقد وجدنا أن هذه المرحل السرية للمجتمع المسلم قد انضم فيها إلى الإسلام من كل فئات المجتمع آنذاك: الأحرار والعبيد، الرجال والنساء، الشيوخ والشباب والفتيان".

وتعتمد دعوة الجماعة كما ذكر الغضبان على عدد من العناصر أهمها: " الدعوة السرية وتأسيس قاعدة عريضة تكون عصية علي السقوط. وعمومية الدعوة والاصطفاء الخاص من كل قطاعات المجتمع الأحرار والعبيد الرجال والنساء والشيوخ والفتيان ومن كل العشائر.