رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عفرين فى ضوء الصراع التركى الإيراني

جريدة الدستور

فى مثل هذا الوقت من العام الماضى 2017 فشلت تركيا فى اقتحام مدينة الباب السورية من قبل الجيش التركي وقوات "درع الفرات"، ولم تحقق الحملة أهدافها وسط معارك كر وفر بين درع الفرات و"داعش"، في حين حقق الجيش السوري تقدمًا سيطرة على المدينة، وقطعت عمليًا أي اتفاق بين القوات التي تدعمها تركيا و"داعش"، وعادة تركيا إلى دورها الوظيفي في حلف الناتو بعد أن طلبت واشنطن من تركيا التوقف والانسحاب.

واليوم تخطط تركيا مجددا لتمنع إيران من بلوغ البحر المتوسط، وكذلكً وضع حد لتقدم النظام بل إرغامه على الاندحار في ريف حلب ذي الأهمية الفائقة، كما أنها سوف تضع تنظيم داعش فى مواجهة المجموعات الإيرانية.

فقد سلط رد الفعل الإيراني الضوء على خطورة العملية العسكرية التركية في عفرين وأوضح مقدار التعقيد السياسي والأمني في الملف السوري، وعلى الرغم من أن الطرفين قد أظهرا حالة جيدة من العلاقات السياسية، خصوصًا في الملف الكردي في شمال العراق، أو للإجابة عن سؤال هل ما تزال تركيا تلعب الدور الوظيفى المطلوب منها لصالح الناتو؟!!

ومن هنا فإن إيران تنظر إلى العمليات العسكرية الجارية حاليًا في عفرين، على أنها مصدر تهديد على دورها فى كل من العراق والشام. وبمجرد عبور القوات التركية الحدود إلى عفرين، تم سحب عدد كبير من القطعات العسكرية التابعة للحشد الشعبي من داخل مدينة الموصل إلى أطرافها، وتم الدفع بها لتأمين الحدود العراقية السورية، ضد أية هجمات قد يقوم بها تنظيم "داعش"، ولسد الفراغ الذي تركته قوات سوريا الديمقراطية هناك، والتي قد تعيد الانتشار غربا باتجاه عفرين. كما أتاحت الحملة العسكرية التركية على عفرين للأحزاب السياسية العراقية بالعمل بحرية بعيدًا عن ضغوطات الحشد الشعبي، خصوصًا وأن العراق مقبل على انتخابات برلمانية هى الأهم في أيار مايو 2018.

وعلى الرغم من أن إيران حققت بالفعل أبسط حاجاتها الأساسية بالحفاظ على بقاء نظام بشار الأسد حتى الآن، إلا أنها ترى أن هزيمة تنظيم "داعش،" والهجوم المتواصل من قبل قوات نظام الأسد في إدلب والغوطة الشرقية على ما تبقى من جيوب المعارضة، ضروريين، حيث أن إعادة تأهيل تنظيم "داعش" أو الفشل في إدلب أو في الغوطة الشرقية، من شأنه أن يعرض أمن نظام الأسد للخطر.

كما تعارض إيران – أيضا- الوجود التركي في عفرين باعتباره تهديدا طويل الأمد لمستقبل الأسد، خاصة إذا نجحت تركيا ووكلاؤها العرب المناهضون للنظام في فتح جبهة جديدة في حلب أو منبج، أو حتى على الضفة الشرقية من نهر الفرات. في هذه الحالة، على الرغم من أن تركيا في الوقت الراهن لا تزال متعثرة في عفرين، إلا أنها يمكن أن تشكل تهديدا للمعاقل الساحلية الشمالية للنظام، ويمكن أن تعيق حتى التقدم الإيراني الجامح نحو البحر الأبيض المتوسط.

وتتخوف إيران من أن قيام قوات سوريا الديمقراطية بسحب أغلب قواتها المتواجدة في مناطق شرق نهر الفرات، والدفع بهم إلى عفرين لدعم القوات الكردية هناك وهو ما قد يعرض المجموعات الأفغانية "الفاطميون" المرابطة على الحدود العراقية السورية، وقوات الحشد الشعبي المتمركزة في مناطق جنوب سنجار وربيعة لهجمات تنظيم "داعش.

وترى إيران أن سيطرة القوات التركية والجيش الحر على عفرين من شأنه أن يقطع "الطريق البري" الذي افتتحته إيران في اتجاه البحر الأبيض المتوسط. كما تخشى إيران من أن تؤدي السيطرة على عفرين، إلى قيام الجيش الحر بعمليات عسكرية جديدة لاستعادة مدينة حلب.

وعلى ضوء كل ما تقدم فإن إيران تضغط على روسيا لمنع تركيا من القيام بالعملية العسكرية، خصوصًا عندما ذهب نائب وزير الخارجية الإيراني إلى موسكو في الوقت الذي بدأت به العمليات العسكرية في عفرين، وقدم طلبا لروسيا لمحاولة إقناع تركيا بعدم المضي قدمًا بالعملية، فالمشكلة بالنسبة لإيران هي أنها ليس لها أي تأثير على تركيا عندما يتعلق الأمر بعفرين، حيث لا يوجد جنود إيرانيون متمركزون في عفرين.


هذه الخشية الإيرانية من العمليات العسكرية التركية أشار إليها "صادق ملكي" الدبلوماسي السابق في وزارة الخارجية الإيرانية، والذي قال بحسب مقال نشر له في أحد المراكز البحثية الإيرانية، من أن إيران هي الخاسر الوحيد في سوريا حاليًا، وأضاف أن موضوع قيام الدولة الكردية في سوريا، يمثل خطرًا لتركيا وإيران، ولكن ما هو الضامن من ألا تكون تركيا أكثر خطرًا من الأكراد على المصالح الإيرانية، وبالتالي فإن على إيران أن تتخذ كافة الوسائل المناسبة لمواجهة تداعيات هذه العمليات العسكرية.


والأمر لم يتوقف على خطر قطع الطريق البرى للمتوسط بل إن الأمر ربما يتعدى ذلك إلى خروج إيران من الحسابات السياسية في سوريا خلال المرحلة القادمة، وبالتالي يجب أن لا تتماشى إيران مع قرار روسيا بعدم مقاومة تحرك تركيا في عفرين، والسبب وراء ذلك هوعدم ارتياح طهران الكبير لهذا الوضع الجديد ولموقف روسيا من تركيا أيضا.

كما تنظر إيران إلى الوجود الأمريكي على الأرض في سوريا على أنه يشكل تهديدا خطيرا لمصالحها - ليس فقط في سوريا ولكن أيضا في المنطقة بأسرها.

ختاما، فإن ايران اليوم ومن خلال عملية عفرين وتداعياتها والتدخلات السياسية والعسكرية على الأرض ترى أن هناك مخطط يهدف إلى إقصائها من أية استحقاقات مستقبلية في سوريا، وبالتالي ستعمل بكل ما في وسعها لحفظ تواجدها السياسي والعسكري، فالصراع في سوريا بالنسبة لإيران هو صراع مصيري، والهزيمة فيه هي هزيمة تاريخية للمشروع الإيراني في المنطقة.