رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«قرابين على مذبح الإرهاب».. آباء وأمهات يدفعون أبناءهم لتفجير أنفسهم

أبو حذيفة مع والديه
"أبو حذيفة" مع والديه

الطبيعي أن يزف الوالد ابنه إلى عروسه في حفل زفاف ترتسم فيه الابتسامات على الشفاه، أو أن يضم الأب أبنائه وبناته إلى "حضنه" ويفرح عندما يراهم يكبرون أمام عينيه، لا أن يحرضهم على تفجير أنفسهم تحت اسم "الجهاد" طاعة لله ورسوله، وتنكيلًا بمن يراهم "مرتدين وروافض".

خلال الأشهر الماضية، انتشرت ظاهرة "القرابين البشرية" بشكل كبير في سوريا والعراق بين الجماعات الإرهابية التكفيرية، وانتقل الأمر من إقبال الشخص على تفجير نفسه باعتباره "جهاد" و"طاعة لله" بركوب السيارات المفخخة وارتداء السترات الناسفة، إلى أن "يزف" الأباء أو الأمهات أبنائهم ويحرضوهم على تفجير أنفسهم ويقدموهم كـ"قرابين"، وهو ما اعتبره علماء الدين "جهلاء بالقرآن والسنة".

أقبل أمس الأول 13 يناير 2018، شاب سوري يدعى "أبو حذيفة الحمصي"- منتمٍ إلى صفوف هيئة "تحرير الشام" الإرهابية، التي يتزعمها قائد جبهة النصرة سابقًا "أبو محمد الجولاني"- على تنفيذ هجوم انتحاري بسيارة مفخخة، بعد أن باركه والداه ودفعه إلى تنفيذ العملية، قائلين في إصدار مرئي، نشرته الجبهة، اليوم- عبر قناتها الرسمية على موقع "تليجرام"- "قدمناه قربانًا نتقرب به إلى الله، وما نفعله جهاد في سبيل الله".


وقال الأب في رسالته المرئية: "بعتك لله ابني بالجنة، اذهب ونكل بالكفرة اختر أكبر تجمع فيهم ونكل بهم، ورسالتي لكل الآباء ما خلقنا إلا نعبد الله، وهذا فرض عين علينا مثله مثل الصلاة والعبادة، أقول لهم لا تصدر ابنك لبلاد الغرب ليجمعوا الأموال لتأمين مستقبله، الدنيا قصيرة، بدك تأمن ابنك ارسله لساحات المعارك، ابعته بهذه"- في إشارة إلى السيارة المفخخة-. 

بينما وجهت الأم رسالة إلى جميع السيدات قائلةً: "لكل أم ارسلي ابنك للجهاد لأنه فرض عين، لا تحرمي ابنك الأجر والثواب". 

ورصد الموقع- خلال الفترة الأخيرة- ترويج الإرهابيين لمثل هذه الرسائل والإصدارات المرئية والمقروءة في سوريا بشكل واسع، رغبة في استقطاب مقاتلين جدد نتيجة العجز والخسائر التي يواجهونها في المناطق التي يسيطرون عليها.


لم يكن هذا هو "القربان" الأول، حيث أعادت تلك القصة إلى الذاكرة، ما فعله المدعو عبدالرحمن أبو شداد المُلقب بـ "أبو نمر السوري"، الذي بث إصدارًا مرئيًا في نهاية عام 2016، وهو يقبل طفلتيه صاحبتا الـ7 سنوات، و8 سنوات، ويلبسهما حزامًا ناسفًا، والذي تظهر فيه والدتهما وهي تقبلهما في الإصدار وتصفهما بأنهما "قربان لله".

وتمكن الطفلتان بعد ذلك من تفجير قيادة شرطة دمشق، وإسقاط العشرات من القتلى والمصابين، بحسب ما أوردته وكالة "سانا" السورية الرسمية.

وكشفت الوكالة- آنذاك- أن طفلة تبلغ من العمر سبع سنوات دخلت إلى قسم "حي الميدان" في دمشق مرتديةً حزامًا ناسفًا ليتم تفجيره عن بعد.

وكشفت مصادر مطلعة لوسائل إعلام محلية، أن "أبو نمر"، قُتل برصاص العناصر الإرهابية التي كان يُقاتل في صفوفها بعدما انشق عنهم، وانضم إلى فصيل آخر في نهاية العام نفسه "2016"، وسبق له أن انضم لفصائل: جبهة النصرة، ثم لفتح الشام، ثم لداعش، وبعد انفصاله عن الأخير، انضم لهيئة تحرير الشام التي فك ارتباطه بها وانضم لأحرار الشام في نهاية المطاف.


الغريب أن المصادر ذاتها، أكدت أن "أبو نمر"، دفع شقيقه وزوجة شقيقه إلى تفجير نفسيهما في عام 2014، تحت اسم "الجهاد في سبيل الله".

من جانبه، أكد الدكتور محمود مهنا، مستشار شيخ الأزهر وعضو هيئة كبار العلماء في الأزهر الشريف، أن ما يفعله هؤلاء الإرهابيون وما يصفونه بـ"القرابين"، هو جهل بالقرآن، وأن الله- سبحانه وتعالى- لعنهم في الدنيا والآخرة.

وقال مهنا، في تصريح خاص لـ"أمان"، إن هؤلاء "جبناء ومغفلون ولا يفهمون شيئًا عن الإسلام وهذه العمليات المدبرة في الشرق الأوسط نصت عليها بروتوكولات حكماء صهيون ويسلطون بها العرب والمسلمين بعضهم على بعض، ويبدأون بالدويلات الصغيرة ويهدمون كل من كبر منها".

وأضاف عضو هيئة كبار العلماء: "هؤلاء الآباء الذين يقدمون أبناءهم قربًانا على مذبح الإرهاب جهلاء لعنهم الله وأمثالهم في كتابه، لأنهم لا يحسنون قولاً ولا صنعًا، ولا يفهمون القرآن الكريم الذي يقول: (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً)، (ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا).

وأكد "مهنا" أن هؤلاء الإرهابيين "في غيبة عن الزمن ولا يملك الجنة ولا النار إلا رب الأرض والسماء"، مستندًا إلى قول الله تعالى: "كُتب عليكم القتال وهو كره لكم"، مشيرًا إلى أن الله أجاز القتال لرد الاعتبار فقط، أما هؤلاءالإرهابيين فهم يكفرون المسلمين والعرب وحكام المسلمين، والنبي يقول: "من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما".


ونشر ما يعرف بـ"المنظر الجهادي" عبدالله المحيسني- في ديسمبر 2016- مقطع فيديو وهو يقف بجانب شخص سعودي الجنسية، يدعى "يونس" قبل أن يستقل سيارة مفخخة ويفجر نفسه، موجهًا رسالة إلى والدته وزوجته، قائلاً: "حياك الله يا أم عبدالرحمن، هنيئًا لك أن هذا البطل يكون عريسًا في جنات النعيم هذه الليلة مع الحور الحسان، وأن يسخن في العدو، وإلى زوجة أخونا يونس زوجك سيدخلك إلى الجنة يوم القيامة بشفاعته لك".

وشهد العام نفسه، نشر تنظيم "داعش"، فيديو لطفل لم يتجاوز الـ12 عامًا، يدعى أبو عمارة العماري، يقف أمام سيارة مفخخة ويودع والده وأمه في ريف حلب الشمالي، قائلًا بأن والده هو من علمه القيادة لينفذ العملية.


وشهد هذا العام 2018، خسارة تنظيم داعش لـ90% من الأراضي التي كان يسيطر عليها في سوريا فضلًا عن طرده من العراق بشكل كامل، بحسب بيانات التحالف الدولي.

الأمر الذي دفع التنظيم للتهديد بالثأر، حيث شهد العدد الأخير من جريدة "النبأ" الأسبوعية الصادرة عن ديوانه الإعلامي المركزي، الجمعة الماضي 12 يناير، أن خياره المقبل بقوة هو من وصفهم بـ"الاستشهاديين"، والسيارات المفخخة- في إشارة إلى أن ذلك بات سلاحه الوحيد، وهو ما يُنبئ بانتشار ظاهرة "القرابين"- على نطاق واسع خلال الفترة المقبلة.

وقال التنظيم نصًا: "السيارات المفخخة خيارنا القادم، المجاهدون ينتظرون الفرصة المناسبة لاستخدامها والعمليات الاستشهادية بنوعيها، والعمليات الانغماسية التي كان وسيكون لها دور كبير في قطف رؤوس الكفار، والمرتدين".