رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

صوفية إفريقيا.. تعددت الطرق وتشابهت الأوراد

جريدة الدستور

تنتشر «الطرق الصوفية»، فى إفريقيا بشكل واضح، خاصة في منطقة شمال غرب إفريقيا، في المغرب وتونس والجزائر، وتزدهر الحركة الصوفية فى الدول الجنوبية للقارة السمراء، حيث تعتبر «نيجيريا والكاميرون والسنغال» موطنًا رئيسًا للطريقة التيجانية، التي تعد أكبر الطرق الصوفية فى إفريقيا، نظرًا لانتشارها بعد الفتح الإسلامى لإفريقيا مباشرة، وكان سببًا مباشرًا فى انتشار الإسلام في بعض الدول الإفريقية «علماء الطريقة التيجانية»، وتوجد بعد الطرق الصوفية الأخرى مثل «القادرية، والسمانية، والبرهانية، والشاذلية»، التى تنتشر بصورة كبيرة في الدول الإفريقية الناطقة باللغة العربية.

وبدأت الطرق الصوفية خلال الفترة الأخيرة، تأخذ لنفسها موطئ قدم جديدًا فى المشهد السياسى فى القارة الإفريقية، خصوصًا فى «السنغال ومالى ونيجيريا والكاميرون ودول المغرب العربى»، التى يوجد فيها دعم كبير من قبل الطرق الصوفية للسلطة السياسية هناك، فلا توجد أى مناسبة سياسية إلا ويعلن الصوفية فى هذه الدول تأييدهم أو معارضتهم لأى أمر من الأمور التى تريدها السلطة.


100 مليون مريد صوفي

وتؤكد الإحصائيات الأخيرة التى أعدتها بعض الطرق الصوفية، مثل «التيجانية والقادرية والبرهانية والسمانية» وصول مريدى الصوفية في القارة السمراء إلى 100 مليون مريد صوفى، مما يؤكد صدارة الصوفية فى القارة السمراء للمشهد السياسى والمشهد الدينى أيضًا، ويتشابه مريدو الصوفية فى إفريقيا في الأوراد والأذكار، والمعتقدات تجاه مشايخهم، وتعتبر «الحضرة الصوفية» من أهم الأمور التى تميز صوفية إفريقيا، عن غيرهم فى الدول الأخرى، خاصة أن القصائد والمدائح التى تردد فى هذه الحضرات، تكون متعلقة بمدح الرسول الكريم «محمد بن عبدالله» صلى الله عليه وسلم وآل بيته، مما يجعل جسد المريد وقلبه يلتهبان محبة هذه الحضرة التى توصله إلى حالة وجدانية كبيرة، تجعل الدموع تنهمر من عينيه والخوف من الله، يكبل جوارحه وأفكاره، وهذا ما نجحت فيه الطرق الصوفية فى إفريقيا عن غيرها فى الدول والقارات الأخرى.


الصوفية ودورهم السياسى فى إفريقيا

من جانبه يقول الباحث فى الشئون الصوفية السودانية أحمد سيف الدين "إن الحضور القوى للصوفية ببعض الدول الإفريقية في المشهد السياسي يشكل أحد أهم أبرز الملامح السياسية بهذه الدول، خصوصا دولة نيجيريا والسنغال والكاميرون، حيث إن الصوفية أدت على مدار السنوات الأخيرة دورًا حاسمًا فى توجيه البوصلة السياسية بإفريقيا، وقد عملت الأنظمة على استغلالها فى حل الكثير من العقد والتجاذبات السياسية المحلية.

وتُراهن الأحزاب السياسية فى بعض الدول الإفريقية، على تأييد زعماء الطرق الصوفية بالنظر إلى دورهم المؤثر والحاسم فى رسم ملامح المشهد السياسي مؤخرًا، ولا يمنع هذه الأحزاب فى السنغال مثلًا من ذلك، سوى مبدأ "ملائكية الدولة الذى ينص عليه دستور البلاد".

ويشير «سيف الدين»، إلى "أن الانتخابات الرئاسية بالسنغال، التى جرت خلال الفترة الماضية، أثبتت انحسار تأثير القوى الصوفية فى المشهد السياسى، ورفضت أكبر الطرق حضورًا دعم أى مرشح رئاسي، مكتفية بإعلان حيادها فى العملية الانتخابية، حسب تعبيره.

من جهته يرى الباحث الإسلامى المختص في شئون غرب إفريقيا، الدكتور «سيد عمر» "أن الطرق الصوفية أدت أدوارًا جيدة فى دول إفريقية عدة، خصوصا في موريتانيا، وقد نجحت في تلك المهام نظرًا "لحيازتها عاملين أساسيين هما: رسالية الدور بأبعاده الروحية والعلمية والإصلاحية، وثانيًا خلق الأداة التنظيمية العابرة للقبائل والمناطق، وكان هذا إنجاز مهم فى مجتمع انقسامى لم يعرف الدولة خلال قرون طويلة".

الاستعمار وإضعاف الصوفية فى إفريقيا

يقول الدكتور طلعت مسلم، الباحث في الشئون الصوفية "إن العوامل السابقة، جعلت التصوف يؤدى دورًا أكبر من دور الفقهاء وأعمق من دور رؤساء القبائل، وعندما جاء الاستعمار كانت الطرق الصوفية هى الرقم الأهم في معادلات القوة خلال هذه الفترة، سواء على مستوى مقاربتى المسالمة والمقاومة، لكن بعد اكتمال السيطرة الاستعمارية عملت المؤسسات الإدارية والأمنية على إضعاف الطرق الصوفية واختراقها، وتجريدها من شحنتها الإصلاحية، لتصبح مجرد هياكل دينية ذات صبغة اجتماعية وعائلية، غايتها الخلاص الشخصي عبر أذكار وأوراد وليس القيام بالواجب الدعوي الإصلاحي كما كانت".

خاصة أنه استمرت الدولة الوطنية المستقلة فى الإبقاء على السياسات نفسها مع الطرق الصوفية، والاستعانة بها فى خلق ظهير دينى لسلطانها يدعمها في المحطات الانتخابية والتحالفات السياسية، مقابل امتيازات ومصالح "وقد اشتدت حاجتها لهذه الطرق أكثر مع تنامى الحركات الإسلامية، لا سيما تلك العنيفة المتطرفة، فأصبح البعض ينادى بالاستعانة بالتصوف فى مواجهة التطرف، وهو ما يمكن أن يكتب له النجاح شريطة تخلى التصوف عن التزلف" وفق قوله.


المغرب العربى والتأثر الصوفى

ويرى الباحث فى الشئون الصوفية «أحمد القادرى»، أن الفكر الصوفي بدأ تأثيره يتزايد أخيرًا فى المنطقة المغاربية، بفعل التوسع الذى عرفه التصوف عبر أطره السياسية، "التى أفرزتها طبيعة الالتحام الجماهيرى حول مشايخ الزوايا الصوفية، إضافة إلى تبنى ممالك في المغرب لطرق صوفية واستئناسهم بنصح وإرشاد مشايخها، كما أن التصوف في المنطقة المغاربية ـ بمفهومها الواسع الذي يمتد ليشمل إقليم أزواد فى الشمال المالى وحتى النيجر ـ يشكل محورًا بارزًا ضمن الحراك الديني والثقافي الذي عرفته هذه المنطقة خلال القرون الماضية.

وأكد الباحث فى الشئون الصوفية المغربية والإفريقية «سيد أعمر» أن الطرق الصوفية في الشمال والغرب الإفريقيين، أدت تاريخيا أدوارا وصفها بالمهمة في مختلف أوجه الحياة المجتمعية من دعوة وتربية، وبناء دول إسلامية مثل الدولة التي أقامتها السنوسية في ليبيا والدول التي أقامت القادرية مثل الدولة السوكتية في نيجيريا على يد الشيخ عثمان بن فودي 1803م، ودولة ماسنا شرق مالي التي أقامها الشيخ أحمد بن لبو عام 1818م، والدولة التي أقامت التيجانية في فوتا وأجزاء من غرب مالي في عهد الحاج عمر الفوتي (ت 1865م).

جهاد الصوفية فى إفريقيا

ويضيف أن الطرق الصوفية فى إفريقا لعبت دورًا كبيرا في مناهضة الاستعمار، من خلال الجهاد ضد المستعمر، والتصدى له بكل الأساليب، حيث يعتبر الجهاد من الأمورالتى نهضت بها الصوفية فى هذا الشأن، مثل جهاد متصوفة السنوسية في ليبيا ضد الطليان، وجهاد الطريقة القادرية فى الجزائر مع الشيخ عبدالقادر الجزائرى، وجهاد الطريقة الطيبية مع الشيخ بوعمامة فى غرب الجزائر، وجهاد الطريقة القادرية البكائية مع الشيخ عابدين فى أزواد وجنوب غرب الجزائر، وجهاد الطريقة القادرية الفاضلية مع الشيخ ماء العينين فى موريتانيا والصحراء الغربية.