رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فصل الاقتصاد عن السياسة

إحدى مشاكل الاقتصاد فى مصر أن ثمة حبلًا سريًا بينه وبين السياسة، لا أقصد تأثر حركة الاقتصاد بالعوامل السياسية.. فهذا أمر مفهوم، ولكن ما أقصده العلاقة الحرام التى ربطت بعض رجال الأعمال ببعض المسئولين طيلة عقود مضت.. إحدى مشاكل الاقتصاد المصرى أن بعض رجال الأعمال أصبحوا أثرياء بالأمر المباشر، قيل لهم كونوا رجال أعمال فأصبحوا رجال أعمال.. فى وقت ما فى السبعينيات وما تلتها كان هناك احتياج لتكوين طبقة من رجال الأعمال.. هذه الطبقة تم تصنيعها من خلال مساعدات مباشرة من الدولة أو مسئولين فيها.. بعضهم تم استدعاؤهم من الخارج.. بعضهم من عائلات قديمة تم تأميمها، بعضهم مسئولون سابقون فى شركات القطاع العام، وبعضهم مسئولون حكوميون سابقون.. اعتقد نفر من رجال الأعمال فى وقت ما أنهم أصحاب البلد، وأن السياسيين يعملون فى خدمتهم، وأنهم يقولون للشىء كن فيكون.. بعضهم كانوا واجهات لأموال خارجية ولتنظيمات سياسية ولجهات رسمية أيضًا!! بعضهم كان يجمع بين غسيل أموال الجماعة الإرهابية وبين شراكة مسئولين رسميين!! لذلك ظن بعضهم أنه وصل إلى سدرة المنتهى وأن فى يديه الحل والعقد.. بعضهم كانوا شركاء لكبار المسئولين ولأبناء كبار المسئولين.. وكان تضخم ثرواتهم بالأمر المباشر وفوق حدود الخيال.. هؤلاء هم من سماهم د. محمود عبدالفضيل أرباب «رأسمالية المحاسيب».. جذورهم كانت تعود لرأسمالى شهير هو أحمد عبود باشا.. الذى شاع عنه أنه دفع مليون جنيه رشوة «بأسعار الأربعينيات» لتغيير وزارة تقف ضد مصالحه.. هؤلاء يختلفون تمامًا عن الآلاف من الصناع والتجار وأرباب الأعمال والأثرياء بالحلال فى مصر، الذين يملأون الدنيا عملًا طوال سنوات دون ضجيج، ودون فساد، ودون تورط مع تنظيمات إرهابية، ودون أن يكونوا واجهات لدول أجنبية.. شيخ هؤلاء ورمزهم من وجهة نظرى هو الحاج محمود العربى، رجل الصناعة العصامى، ورجل الخبر الحقيقى، ورجل التنمية المصرى، الذى ليس صنيعة هذه الدولة ولا تلك، ولا رجل هذا التنظيم ولا ذاك.. مطلوب الآن فك الاشتباك بين الاقتصاد والسياسة.. رجال الأعمال الذين كونوا ثرواتهم من خلال السياسة وعبرها وبها ولها، مطلوب منهم أن يتوبوا عن السياسة بمعناها الانتهازى والنفعى وأن يركزوا فى الاقتصاد بمعناه التنموى، مطلوب أن ينسوا أوهام الماضى وأدرانه، وفساده، وماله، وما عليه، وأن ينخرطوا فى أنشطة اقتصادية نحتاجها جميعًا، ومطلوب منهم ومنا جميعًا أن ندع ما لقيصر لقيصر وما لله لله.. ومطلوب من الجهات المختصة أن تتعامل بمرونة مع بعض جرائم ومخالفات هذا النوع، إذا كان ذلك مفيدًا للاقتصاد المصرى، مطلوب أيضًا أن نعطى الفرصة لرجال أعمال واقتصاد «فنيين» يعملون فى الاستثمار.. والصناعة والتجارة.. دون أوهام عظمة سياسية ودون فساد ودون محسوبية.. مطلوب أن نعطى فرصة للصغير أن يكبر.. وللموهوب فى ريادة الأعمال أن يأخذ فرصته.. مطلوب أن نبدأ حالة من الحوار حول استغلال فرص النمو فى مصر.. وحالة النهضة فى العمران والطرق ووسائل النقل والموانئ.. مطلوب أن نقنع التجار العاديين أصحاب الملايين والمليارات «تحت البلاطة» بأن يستثمروا بشكل كبير وبالشراكة مع الدولة، وبأن فى هذا فرصًا كبيرة للنمو لهم وللمجتمع، مطلوب أن تخرج مئات الملايين التى تدور يوميًا فى أسواق الموسكى والعتبة ووكالة البلح وسوق العبور وغيرها لتدخل فى فرص استثمار أكثر حداثة وتنظيمًا وربحًا أيضًا.. من خلال الشركات المساهمة أو الشراكة القانونية مع الدولة.. مطلوب أن نوضح للرأى العام أن هناك فرقًا بين التعامل مع رجل الأعمال العادى أو «المستثمر الفنى» الذى لا أظن أن أحدًا يمس مصالحه فى مصر، وبين رجل الأعمال المتورط فى عضوية جماعة إرهابية، أو تنظيم عصابى، أو لديه سلوك شخصى شائن، هذا موضوع، وذلك موضوع آخر.. أو هذه نقرة وتلك أخرى كما يقول المثل العربى القديم.. مطلوب فصل الاقتصاد عن السياسة، بمعنى أن يقتنع رجل الاقتصاد بأن دوره هو أن يعمل ويفيد مجتمعه ويربح بالحلال وبالمعقول فقط، وأن يترفع عن شبهات السياسة أو الإرهاب أو الخيالات والهلاوس حول وجود دور سياسى له.. وقتها سيكسب الاقتصادى وسيكسب الاقتصاد وستكسب مصر كلها أيضًا.. وأظن أننا فى حاجة لأن نبدأ فورًا.