رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الأنبا باخوم يهنئ الأقباط بعيد القديس يوسف: «نسير معا لنعيد اكتشافه»

الأنبا باخوم
الأنبا باخوم

هنأ الأنبا باخوم النائب البطريركي لشؤون الإيبارشية البطريركية الأقباط بعيد القديس يوسف.


وقال الأنبا باخوم في بيان له: «نحن في مسيرة "سينودوسية" - نسير معًا - لنعيد اكتشاف - وبلا ملل - رسالة الكنيسة الأساسية: خلاص النفوس، ننتهز هذه الفرصة العظيمة، اذ نحتفل بعيد القديس يوسف، المختار من الله ليكون ساهرًا وحارسًا على الفادي وأمه مريم. "فعل كما أمره ملاك الرب" (مت 1 / 24).

 

وتابع: إذ نضع أمام أعيننا تواضعه وحكمته في خدمة التدبير الخلاصي والمشاركة فيه، فائتمنه الله على هذا الحب العظيم المقدم للبشر، ونتساءل: كيف عاش يوسف هذا؟تأتي الإجابة بحسب البشير متى "وإذ كان يوسف زوجها بارًا ولم يرد أن يشهرها، عزم على أن يطلقها سرًا". (مت 1 / 19). نعم، عاش يوسف البار، زمن حيرة، فلم يكن يدري أي موقف يتخذه من مريم، لم يكن يدري أي موقف يتخذه أمام هذه الامومة "المدهشة" و "العجائبية".

 

عاش حيرة كبيرة؛ وكان يبحث عن جواب للسؤال الذي استمر يقلقه. ولكنه ايضًا كان يبحث عن مخرج لهذا الوضع العسير عليه. "وما ان نوى ذلك، حتى تراءى له ملاك الرب في الحلم وقال له: لا تخف أن تأتي بإمرأتك مريم إلى بيتك، ان الذي كون فيها هو من الروح القدس، وستلد ابنًا فسمه يسوع، لانه هو الذي يخلص شعبه من خطاياهم (مت 1 / 20-21).

 

وتابع: أخذ مريم إلى بيته، أخذًا معه سر أمومتها كله؛ أخذها مع الابن المخلص والفادي. فأعطى بذلك جوابًا شبيهاً بجواب مريم وهي في حيرتها: "ها أنذا أمة للرب فليكن لي بحسب قولك". حقيقة، لم يقدم يوسف جوابًا بالكلام، "ففعل ما أمره به ملاك الرب" اذن ما فعله هو "طاعة في الإيمان" وعاش يوسف الناصري "شاهد عيان"، على الميلاد العجائبي؛ "شاهد عيان"، لسجود الرعاة (لو 2 / 15 - 16) وسجود المجوس - الملوك الآتيين من الشرق - وشاهد عيان على مظاهر الإجلال التي قدموها للصبي وامه (مت 2/ 11). 

 

"شاهد عيان" على العناية الإلهية التي استعانت به كأب أرضي وحارس للفادي وساهرًا عليه هو وامه مريم. "اذ تراءى ملاك الرب مرة أخرى وقال له " قم فخذ الصبي وأمه واهرب إلى مصر، وأمكث هناك حتى أكلمك، أن هيرودس سيبحث عن الطفل ليهلكه." (مت 2/ 13).

 

وتابع: ثم يأتي إعلان آخر، يستحق التأمل فيه لنعرف مدى تأثيره على يوسف الناصري، اعلان جاءه بعد اثنتي عشر عامًا من حياة يسوع على الأرض: نقرأ في انجيل الطفولة، للبشير لوقا الإصحاح الثاني هذا الحدث: "لما كانت له اثنتا عشرة سنة صعدوا إلى أورشليم كعادة العيد. وبعدما أكملوا الأيام بقي عند رجوعهما الصبي يسوع في أورشليم، ويوسف وأمه لم يعلما". هنا قالت مريم ليسوع ي"ا بني، لماذا فعلت بنا هكذا؟ هوذا أبوك وأنا كنا نطلبك معذبين!"فكان جواب يسوع هو بمثابة "اعلان تذكيري " لكل الإعلانات التي تلقاها يوسف منذ اللحظة الاولي من اختياره حتى هذا الحدث. ولكنه اعلان من فم يسوع نفسه: "فقال لهما: "لماذا كنتما تطلبانني؟ ألم تعلما أنه ينبغي أن أكون في ما لأبي؟".

 

مضيفا: نعم، لم ولن يتركنا الله أبدًا بدون "تذكر"، لعمله الخلاصي وتدبيره وعنايته لنا. فإعلاناته لم تنته، وتأتي دومًا في وقتها بحسب تدبيره وحكمته الإلهية. وتجاوبًا مع هذه الإعلانات، ظل يوسف - مثل مريم - كل أيامه أمينًا صامتًا - لم ينطق بكلمة - ولكنه "فعل" فقط "فعل ما أمره به ملاك الرب"  فلم يذكر الانجيليون كلمة واحدة نطق بها؛ ولكن صمت يوسف له مغزى خاص: فبفضله يمكن أن نفهم الحقيقة التي أعلنها الإنجيل في يوسف.


وتابع: عانت الأسرة المقدسة كثيرًا: الفقر الذي عاشته في بيت لحم، ثم في الهجرة والهروب إلى مصر، ثم في حياتها في الناصرة. لكنها أسرة، حافظت على ميثاق المحبة. ولهذا تضع لنا الكنيسة، أسرة الناصرة نموذجا لحياة كل اسرة من أسرنا: في اختياراتنا، وقراراتنا، وحيرتنا، ومن ثم تجاوبنا مع هذا الحب العظيم الذي يهديه لنا الثالوث الأقدس.

 

وواصل: أن القديس يوسف اب حقيقي وابوته ليست بالإنجاب وليست ابوة ظاهرية، او مجرد ابوة بالوكالة. بل أبوة حقيقية متحملة، وملتزمة رغم كل الصعوبات. وامومة مريم، امومة حقيقية "أنا وأبوك نبحث عنك" امومة "طائعة في الإيمان" "تحفظ كل شيء في قلبها" والابن يسوع المسيح، يقول عنه البشير لوقا في إنجيله "وأما يسوع فكان طائعًا لهما" (لو 2 / 51).

 

وتابع: عاش يوسف حياته وهو على صلة يومية "بالسر المكتوم في الله منذ الأزل". 

 

عاش صامتًا - نجارًا متواضعًا - ولكنه كان "يفعل ما يأمره به الرب"، ولهذا استطاع أن يتخذ قرارات كبيرة في حياته وحياة أسرته؛ قرارات تتوافق وقصد الله، وتدبيره الخلاصي واضعًا حريته وانسانيته وسعادته الزوجية تحت تصرف الله.

 

مختتما: وأخيرًا، يوسف هو شفيع كنيستنا، فالكنيسة اليوم بحاجة إلى "فضيلة الصمت والعمل". لكي نحمل إلى العالم من جديد بشرى الخلاص بيسوع المسيح. هذه الفضيلة التي تحلى بها يوسف البار "ليفعل كل ما يأمره به الرب". حيث كان "يفعل بصمت" وتواضع وحكمة.