رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

روسيا تودّع نشيد الفرح!

نشيد الفرح، أو السعادة، كتبه فريدريش فون شيلر، سنة ١٧٨٥، ولحنه لودفيج فان بيتهوفن، سنة ١٨٢٣، فى المقطع الرابع والأخير من سيمفونيته التاسعة، وصار سنة ١٩٤٩ النشيد الرسمى لـ«مجلس أوروبا»، Council of Europe، وهو كيان آخر غير «المجلس الأوروبى»، الذى يضم قادة الدول الأعضاء فى الاتحاد الأوروبى، الذى استلف، سنة ١٩٨٦، النشيد نفسه، وعلم المجلس أيضًا! 

لم تنضم روسيا إلى «مجلس أوروبا»، وبالتالى لم تشارك فى غناء هذا النشيد، إلا فى ٢٨ فبراير ١٩٩٦. وبعد مرور ٢٦ سنة وأسبوعين، قررت مغادرة المجلس، متّهمة حلف شمال الأطلسى والاتحاد الأوروبى بجعله أداة فى خدمة «توسعهما العسكرى والسياسى والاقتصادى شرقًا». وقالت الخارجية الروسية، فى بيان، إن «الإخطار بانسحاب جمهورية روسيا الاتحادية» تم تسليمه، الثلاثاء، إلى الأمينة العامة للمجلس. 

الخارجية الروسية اتهمت مؤسسات المجلس، أيضًا، بأنها «استُخدمت بشكل منهجى لممارسة ضغط على روسيا والتدخل فى شئونها الداخلية». وقالت إن «أولئك الذين يجبروننا على اتخاذ هذه الخطوة سيتحملون المسئولية التامة عن تدمير النطاق الإنسانى والقانونى المشترك فى القارة» و... و... والاتهامات نفسها تقريبًا، كرّرها بيتر تولستوى، نائب رئيس مجلس الدوما «البرلمان» الروسى، رئيس الوفد البرلمانى الروسى فى الجمعية البرلمانية للمجلس، مضيفًا أن بلاده ستتوقف عن دفع مساهمتها السنوية للمجلس.

تأسس مجلس أوروبا فى ٥ مايو ١٩٤٩ بمبادرة من بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وبلجيكا والدنمارك وأيرلندا ولوكسمبورج وهولندا والنرويج والسويد، لتعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان والهوية الثقافية الأوروبية ومنع تكرار الجرائم التى شهدتها دول القارة خلال الحرب العالمية الثانية. وبعد ثلاثة أشهر انضمت اليونان، وتبعتها، بعد سنة، أيسلندا وتركيا وألمانيا الغربية. وبانضمام جمهورية الجبل الأسود، فى ٢٠٠٧، وصل عدد الدول الأعضاء إلى ٤٧، من بينها كل دول الاتحاد الأوروبى. وأتاح التفسير الفضفاض أو التأويل المفرط، للمادة الرابعة من نظام المجلس الأساسى، انضمام دول آسيوية جغرافيًا بزعم أنها أوروبية، سياسيًا واجتماعيًا.

يقع مقر المجلس فى مدينة ستراسبورج الفرنسية، ولا يصدر قرارات أو قوانين ملزمة، لكن لديه، نظريًا، سلطة تطبيق الاتفاقيات الدولية، التى وقعت عليها الدول الأعضاء، خاصة الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، التى أنشأت لها محكمة خاصة، من المفترض أن تكون أحكامها، أو قراراتها، ملزمة. بالضبط، كالبروتوكول الإضافى لمعاهدة الوقاية من الإرهاب، الذى أقره المجلس فى أكتوبر ٢٠١٥، ودخل حيز التنفيذ فى أول يوليو ٢٠١٧، ونص على تجريم التدريب على الإرهاب، وتمويل الإرهابيين أو نقلهم إلى الخارج.

للمجلس أيضًا جمعية برلمانية، تجتمع أربع مرات سنويًا، وتضم ٣١٨ نائبًا من برلمانات الدول الأعضاء، من بينهم ١٨ روسيًا، سبق أن تم تجميد عضويتهم، فى أبريل ٢٠١٤، بعد قيام روسيا بضم شبه جزيرة القرم، وبعد خمس سنوات تم فك التجميد وعاد النواب الروس إلى الجمعية، التى صوتت فى جلسة طارئة، عقدتها مساء الثلاثاء، على طرد روسيا من المجلس كله. بعد أن كان المجلس قد قرر، فى ٢٥ فبراير الماضى، تعليق مشاركتها فى كل هيئاته، باستثناء المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان. 

تأسيسًا على ذلك، رأت نيكول تريس، رئيسة الوفد الفرنسى، نائبة رئيس الجمعية البرلمانية للمجلس، أن الإخطار الروسى مجرد «مناورة فظة» لمحاولة التخفيف من وطأة ما كانوا بصدد التصويت عليه، موضحة أن ٤٦ دولة أجمعت على ضرورة طرد روسيا، وزاعمة أنه «لم يسبق أن حدث ذلك منذ تأسيس المجلس». مع أن اليونان، قامت بالخطوة نفسها وغادرت المجلس سنة ١٩٦٩، ولم تعد إليه إلا بعد خمس سنوات.

.. أخيرًا، وبعد أن ودّعت روسيا «نشيد الفرح»، أو قام النشيد بوداعها، بانسحابها أو طردها، خروجها أو إخراجها من مجلس أوروبا، فإن المجلس سيخسر ٧٪ تقريبًا من ميزانيته السنوية، البالغة ٥٠٠ مليون يورو. وستتوقف بعض المشروعات القانونية والاجتماعية المشتركة بين روسيا وأوروبا، كما سيقل عدد القضايا التى تنظرها المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بنسبة ٢٤٪، هى نسبة القضايا المتعلقة بروسيا، ولن يتمكن المواطنون الروس من اللجوء إلى تلك المحكمة، حال استنفادهم درجات التقاضى فى بلدهم.