رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

زيارة موسكو ليست مكايدة سياسية


العلاقات الدولية بين الدول بعضها والبعض الآخر ليست بدافع الحب أو من أجل سواد العيون أو سعياً لتحقيق مصلحة دولة دون الأخرى. ولكن هذه العلاقات هدفها المصلحة ودافعها المنفعة فلا شىء لوجه الله ولكن هى المصالح المتبادلة على أقصى تقدير.

زيارة المشير السيسى لموسكو الأسبوع الماضى يرافقه وزير الخارجية المصرى كانت بلاشك خطوة مهمة ومحسوبة وتحمل من الرسائل الكثير سواء كان هذا للداخل أو للخارج، فمن حيث الشكل فهذه هى الزيارة الأولى للسيسى منذ 30 يونيو إلى الخارج خاصة قبل ترشحه للرئاسة بعدة أيام ظهر فيها بالملابس المدنية التى لم يعتد عليها أحد استعداداً وإعلاناً بالمظهر الجديد بعد ترك وزارة الدفاع.

الجانب الآخر وكأنه يقول إنه يريد الاطمئنان على بيت الدفاع قبل أن يتركه خاصة أنه قد دشن بهذه الزيارة فتح مصدر تسليح للقوات المسلحة من روسيا بعيداً أو رداً أو توازياً مع المصدر الأمريكى الذى يتراوح موقفه بين الرفض والقبول وبين التأييد والتهديد بقطع المعونة ووقف التسليح والشىء الآخر فى هذا الإطار هو إعلان الرئيس الروسى بوتين مباركته للسيسى وتأييده لخطوة الترشح باسمه وباسم الشعب الروسى وذلك رداً على مواقف سابقة وحالية وقادمة لبعض الدول ذات المصلحة مع نظام الإخوان الساقط وموقف أردوجان الأخير الذى أعلن فيه عدم اعترافه بالسيسى لو جاء رئيساً خير دليل.أما من حيث الموضوع فإن هذه الزيارة ونظراً للواقع المصرى والإقليمى الدولى تمثل أهمية شديدة لمجمل الوضع الذى يشكل المشهد السياسى المصرى الذى يسيطر عليه هذا الاستقطاب السياسى ويهدده ذاك الإرهاب الأسود ويضغط عليه ذلك الموقف المتعنت من بعض الدول التى تدعى ما يسمى بالحفاظ على الديمقراطية باعتبارها هى كلمة السر للاحتفاظ بمصالحهم فى مصر وفى المنطقة وعلى رأس هذه الدول أمريكا.فليس من باب المكايدة أو الاستبدال لأمريكا أن يتم تنويع مصدر السلاح مع روسيا وتنمية العلاقات الدولية مع كل دول العالم، خاصة أن فكرة الـ 99٪ من الورق مع أمريكا قد عفى عليها الزمن وهاجس القطب الأوحد بدأت فى التنوع والتعدد فموقف أمريكا الآن فى العالم وبالأخص فى منطقة الشرق الأوسط لا يخفى على أحد بعد فشلها فى أفغانستان والعراق والصومال وبعد إخفاقها فى مؤامرة تفكيك سوريا نظراً لموقف روسيا المساند للأسد فى مواجهة اللعبة الدائرة فى سوريا للاستيلاء على الحكم حسب النظرية التى يتم التعامل بها مع دول «الربيع العربى» ولصالح أمريكا.والأهم هو فشل وإسقاط المخطط الأمريكى الإخوانى فى المنطقة بعد 30 يونيو. أما الوضع بالنسبة لروسيا فبعد تفكك الاتحاد السوفييتى وتفرد أمريكا بالعالم بعد إزالة حائط برلين 1989 وتحاول روسيا استعادة وضعها فى العالم والمنطقة خاصة بعد الضربة الشديدة التى تلقتها روسيا من الناتو وأمريكا بعد ضياع ليبيا لصالح الغرب وخروج روسيا من ليبيا خالية الوفاض فكان الموقف الروسى مع النظام السورى حفاظاً على المصالح الروسية فى المنطقة هو تأكيد لتنامى الدور الروسى مرة أخرى. كما أن العلاقة المصرية مع الاتحاد السوفييتى فى خمسينيات القرن الماضى حتى سبعينياته كانت علاقات ذات طبيعة خاصة مازالت آثارها المادية والنفسية والسياسية باقية حتى الآن. إضافة إلى موقع وموضع ودور مصر فى المنطقة. وهنا لا نقول إن الزمن هو الزمن. فالواقع المحلى والإقليمى الدولى تغير ويتغير. ولكن فى نفس الوقت لا يستطيع أحد التهوين من قدرة ومكانة روسيا حتى الآن. فهناك مصالح مشتركة وعوامل مجمعة لمصر وروسيا. خاصة فى مجال مواجهة الإرهاب.فروسيا تعانى من هذا الإرهاب فى الشيشان وهى من الدول التى تعتبر جماعة الإخوان جماعة إرهابية ولذا فقد كانت هذه الزيارة ناجحة بكل المقاييس فقد تم توقيع اتفاقية خاصة بإجراء مناورات تدريب مشتركة بين الدولتين فى المجالات الجوية والبحرية والبرية وأن يقدم وزير الدفاع المصرى خطة متكاملة لقيام روسيا بتحديث سلاح الجيش المصرى. كما تم الحوار بين البلدين حول المسائل الإقليمية والدولية، كما أن العلاقات مع مصر وصلت إلى مستوى الشراكة متعددة الاتجاهات. إضافة إلى صفقة السلاح المتطورة لمصر بمبلغ اثنين مليار دولار بتمويل مصرى خالص مع التقدير للمساندة العربية لمصر.ناهيك عن إعلان بوتين عن تطوير العلاقات التجارية التى ستصل إلى خمسة مليارات دولار بدلاً من مليارين الآن، وهذا فى إطار الاستفادة من العلاقة فى المصالح المشتركة للبلدين. ولكن وهو الأهم، خاصة فى ظل الوضع المصرى الآن، أن هذه الزيارة هى إعلان بصوت عال عن تحرير القرار المصرى من أى تبعية كانت خاصة بعد أن كانت العلاقة الأمريكية ــ المصرية فى عهد السادات ومبارك علاقة تبعية تصل إلى حد الاحتلال والخنوع وهذه هى التغييرات الحقيقية لروح يناير ولدور يونيو على أرض الواقع، خاصة بعد اختطاف الإخوان للوطن ومحاولتهم تكريس التبعية لأمريكا على ضوء المصالح المشتركة بين أمريكا وبين الجماعة، وليس مصر لأن المصالح الاستعمارية دائماً وأبداً تكون مع الأنظمة لا مع الأوطان. وعندما يرتبط النظام بالوطن يصبح نظاماً وطنياً. وهنا نقول إن القضية ليست المصالح الدولية والمصالح المشتركة والتنوع ولكن المهم والأهم هو دور الشعب وإعلان الإرادة الشعبية وتحصن النظام بهذا الشعب وبتلك الإرادة عندما يكون النظام والشعب على خط واحد هنا يسعى إليك الجميع ويحترمك ويعرف قدرك.

■ كاتب وبرلمانى سابق