رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

روسى فى مجلس اللوردات!

الغرفة العليا للبرلمان البريطانى، معروفة اختصارًا باسم «مجلس اللوردات»، House of Lords، أما اسمها الرسمى فهو «اللوردات الروحيون والمؤقتون المبجلون فى المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وأيرلندا الشمالية ضمن تجمع البرلمان»، ويتلخص دورها التشريعى فى مراجعة أو تعديل مشروعات القوانين التى يوافق عليها مجلس العموم، الغرفة الدنيا، لكن لا يمكنها منع تمريرها، إلا فى ظروف معينة ومحدودة.

باستثناء رؤساء الأساقفة وبعض أساقفة كنيسة إنجلترا، يكون التعيين فى المجلس مدى الحياة، بالوراثة، أو بقرار ملكى، بناء على توصية من رئيس الوزراء. وفى ٣١ يوليو ٢٠٢٠، تم تعيين ٣٦ عضوًا، من بينهم فيليب ماى، زوج رئيسة الوزراء البريطانية السابقة تيريزا ماى، وجو جونسون، الأخ الأصغر لرئيس الوزراء الحالى، وتشارلز مور، كاتب مذكرات مارجريت تاتشر، و... و.... ويفجينى ليبيديف، رجل الأعمال الروسى البريطانى، وفى سابقة لم تحدث منذ قرنين، لم تشمل قائمة المعينين جون بيركو، رئيس مجلس العموم السابق.

هذه القائمة أثارت، وقتها، غضب الكثيرين، واتهم أعضاء فى مجلس العموم بوريس جونسون، رئيس الوزراء، بممارسة «أسوأ أنواع المحسوبية»، وبأنه منح وظائف مدى الحياة لشقيقه وأصدقائه. وتجدّد هذا الغضب، أمس الأول الأحد، ليس فقط بسبب الأزمة الأوكرانية، ومعاداة الغرب لكل ما هو روسى، ولكن أيضًا لأن جريدة الـ«صنداى تايمز» زعمت أن المخابرات الخارجية البريطانية كانت قد أعربت عن مخاوفها من تعيين ليبيديف، واتهمت جونسون بتجاهل تلك المخاوف. وعليه، ظهر كير ستارمر، زعيم حزب العمال المعارض، على قناة «سكاى نيوز»؛ ليهاجم رئيس الوزراء، ويطالبه بالرد على هذا الاتهام الخطير.

حين أعلن جونسون، منذ أيام، أن بلاده «ستدمر الواجهة التى يختبئ وراءها مؤيدو بوتين»، كان واضحًا أنه يوجه كلامه، أو تهديده، لرجال الأعمال الروس، المقيمين فى بريطانيا، الذين خاطبهم، أو هددهم، أيضًا، الرئيس الأمريكى جو بايدن بقوله: «نتعاون مع حلفائنا الأوروبيين للعثور على يخوتكم وشققكم الفاخرة وطائراتكم الخاصة، للاستيلاء عليها». ومع ذلك، دافع مايكل جوف، وزير الإسكان البريطانى، عن رئيس وزرائه، الذى تربطه علاقة صداقة مع ليبيديف منذ سنة ٢٠٠٨، وقال لقناة «سكاى نيوز» إن رجل الأعمال كان واضحًا جدًا فى صفحات الـ«إيفنيننج ستاندرد»، الجريدة التى يملكها، وعارض النزاع فى أوكرانيا.

فى مقال نشرته تلك الجريدة، يوم الجمعة، كتب ليبيديف أنه فخور بكونه مواطنًا بريطانيًا، ولا يمكن أن يمثل خطرًا على أمن هذا البلد الذى يحبّه، معتبرًا أن عمل والده، منذ زمن بعيد، فى جهاز المخابرات السوفيتية، كى جى بى، لا يعنى أنه «عميل لروسيا». وفى محاولة لإثبات ذلك، أشار ليبيديف، إلى أن غلاف أحد أعداد جريدته، طالب الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، الأسبوع الماضى، بسحب قواته من أوكرانيا. كما تفاخر بدعم عائلته لجريدة «نوفايا جازيتا» الروسية، التى وصفها بأنها «قائدة حملات فضح الفساد فى روسيا».

مع جريدة الـ«إيفنيننج ستاندرد» الشعبية المسائية، التى يتم توزيعها مجانًا، يملك ليبيديف، أيضًا، جريدة الـ«إندبندنت»، التى أوقف إصدارها الورقى، فى مارس ٢٠١٦، مكتفيًا بموقعها الإلكترونى. كما كان يملك جريدة «آى» قبل أن يبيعها بـ٢٥ مليون جنيه إسترلينى. والطريف أن اسمه ورد فى تقرير برلمانى، حول تدخل روسيا فى السياسة البريطانية، اطّلعت عليه جريدة «التايمز»، وذكرت فى ١٠ نوفمبر ٢٠١٩، إنه كشف عن قيام ٩ رجال أعمال من أصول روسية بتقديم تبرعات لحزب المحافظين الحاكم.

.. وتبقى الإشارة إلى أن «اللورد»، الذى يحمل الجنسيتين الروسية والبريطانية، هو نجل الملياردير الروسى ألكسندر ليبيديف، الذى كان ضابطًا فى المخابرات السوفيتية، وتحول إلى رجل أعمال بعد تفكك الاتحاد السوفيتى، واشترى بنكًا أصبح أحد أكبر البنوك فى البلاد، وامتلك ١١٪ من شركة الطيران الوطنية الروسية الرئيسية، إيروفلوت، و٤٤٪ من شركة إليوشن فاينانس، المتخصصة فى صناعة الطائرات و... و... وقدّرت مجلة «فوربس» ثروته، سنة ٢٠٠٦، بحوالى ٣.٥ مليار دولار، ورحبت به بريطانيا، كغيره من الأثرياء الروس، الذين سمحت لهم بشراء العقارات الفاخرة، والاستثمار فى شركاتها الكبرى، واستئجار شركات محاماة، وخبراء فى العلاقات العامة، للدفاع عنهم وغسل أو تبييض سمعتهم.