رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«دمروا الكتب».. أدباء كبار أحرقوا مخطوطات أعمالهم الأدبية

الدكتور محمد نصر
الدكتور محمد نصر الدين الجبالي

في كتابه الصادر حديثًا عن دار دوِّن للنشر والتوزيع تحت عنوان "الأدب الروسي .. شخصيات وتاريخ وظواهر" يسرد الدكتور محمد نصر الدين الجبالي ظاهرة حرق الأدباء الروس لمخطوطات رواياتهم وأعمالهم الادبية.

وعن حرق الكتب يصف الجبالي بأنها ليست حوادث جديدة فقد أقدم الكثير من العلماء العرب قديما على حرق الكتب، يقول:" ما السر الذي يدفع الأديب والمبدع أن يقْدِمَ على حرق مخطوطته الخاصة؟!، ربما يرجع السبب إلى كونه أكثر الناس وعيًا وإدراكًا لمعنى الحياة، والأدب العربي يحفل بالكثير من الأمثلة التي أقْدَمَ فيها أدباء على تدمير كتبهم تحت وقع إصابتهم باليأس من الحياة، ولعل أشهر هؤلاء الأديب «أبو حيان التوحيدي» الذي أقدم على حرق كتبه ليأسه من الناس، ولم يشأ أن يترك لهم كتبه وهو الذي لم يجد منهم خيرًا طوال 20 عامًا، وسبقه إلى ذلك الأديب والشاعر «أبو سفيان الثوري» الذي مزق معظم كتبه، وألقى بها في الهواء، وكذلك فعل «داود الطائي» الذي طرح كتبه في البحر.

الأدباء الروس

«المخطوطات لا تحترق» مقولة شهيرة للكاتب الروسي الكبير «ميخائيل بولجاكوف» وردت في رائعته «المعلم ومرجريتا» التي تعتبر أروع ما كتب في الأدب الروسي في القرن العشرين. وعلى الرغم من إصرار «بولجاكوف» وقناعته التامة بهذه المقولة إلا أن

العديد من أساتذته في الأدب الروسي يعتقدون عكس ذلك.

وقد تناول العديد من النقاد الروس هذه الظاهرة بالرصد والتحليل، وفيما يلي عرض لأهم الأسماء التي أجمعوا على أنهم قاموا بحرق أو تمزيق أو دفن مخطوطاتهم، والأسباب التي دفعتهم إلى هذا الفعل.

نيقولاي جوجول

يعتبر «نيقولاي جوجول» من أعظم كتاب النثر في روسيا، وهو لا يقل مكانه عن «بوشكين» في تاريخ الأدب الروسي. 

لم يكن «جوجول» أول من حرق كتبه، إلا أنه الأشهر على الإطلاق، كان ذلك في فبراير من عام 1852، حيث كان يعاني من انهيار، عصبي- حسبما اتفق الأطباء حينها - كما كان مصابًا بالرهاب والإحساس بقرب الموت، وكان وحيدًا وعانى من الاكتئاب الشديد.

استدعى «جوجول» خادمه «ستيبان» وخطف الشمعة من يده، وألقى بمخطوطات الجزء الثاني من روايته «الأنفس الميتة» إلى نار المدفأة رغم سابق إعلانه أنها تعد أروع ما كَتَب. وبعد حرقه لكتابه لم يمر عامان إلا وكان قد تُوفي. وما لا يُعرف عن الكاتب أنه أقدم على إحراق كتبه في فترة مبكرة من حياته؛ حيث لم يكن راضيًا على الإطلاق عن كتابه الأول «هانز كيوخيلجارتين» التي تعرض بسببه لانتقاد شديد من قبل النقاد. وكان «جوجول» مرهفًا ورومانسيًّا بدرجة كبيرة، فأخذ يجوب محال بيع الكتب، لدرجة أنه كان يشتري كل ما يجد من نسخٍ، ثم يقوم بإحراقها جميعًا، وكان مازال في الثامنة عشرة من عمره.

والمثير للاهتمام أن «جوجول» كان قد وضع خلاصه أفكاره الفلسفية والدينية في الجزء الثاني من روايته الشهيرة «الأنفس الميتة»، إلا أنه أقدم على حرق هذا الجزء في تصرف غريب وقُبيل موته بقليلٍ. كان «جوجول» حينها يعيش في موسكو في منزل على شارع «نيكيتا»، ويعتقد الباحثون أنه قام بذلك يوم 24 فبراير 1852. وفي اليوم التالي أدرك الكاتب حجم ما ارتكبه من خطأ، وحزن كثيرًا، واعترف لأصدقائه أنه مصدوم من فعلته تلك.

الكسندر بوشكين

كان الحرق أيضًا هو مصير العديد من أعمال الشاعر الشهير «ألكسندر بوشكين»؛ حيث التهمت نار مدفأته الفصل العاشر من رواية «يفجيني أونيجين»، والجزء الثاني من «دوبروفسكي».

وكان «بوشكين» ناقدًا قاسيًا لأعماله الخاصة. كذلك قام الشاعر بتدمير مسودات قصة «ابنه الآمر» وقصيدة «قطاع الطريق»، فيما استخدم ما تبقى منها سليمًا بعد الحرق في رائعته «نافورة باخش ساراي»، وكان كثيرًا ما يختار مقتطفات كاملة من الكتب ويمزقها لعدم رضاه عنها. ويقول الباحثون في إبداعات «بوشكين» أنه مزق الكثير من الأشعار التي كان من الممكن أن تثير غضب القيصر ضده، خاصة بعد اللقاء الذي تم بينهما بالبلاط.

تولستوي

كما ندم الكاتب الكبير «ليف تولستوي» على كتابة رائعته «الحرب والسلام» و»آنا كارينينيا»، وود لو لم تخرجا للنور.

وكان ذلك بسبب انغماس الكاتب في أفكار فلسفية دينية. 

وأكد ذلك الباحث المتخصص في إبداعات تولستوي «بافل بيلينسكي» الذي كتب أن تولستوي تبرأ من كثير من أعماله في سنواته الأخيرة، وأن هذا الشعور قد بدأ يسيطر عليه وهو بعد في الخمسين من عمره، وكان لا زال في أوج قوته النفسية والبدنية.

نابوكوف

ومن مشاهير الأدب الروسي الذين أقدموا على حرق كتبهم الأديب الشهير «فلاديمير نابوكوف»؛ فقد قام «نابوكوف» بحرق روايته «لاورا وأصلها».

 وكان السبب بكل بساطه أنه لم يستطع إنهاء العمل. كما حاول إحراق روايته الشهيرة «لوليتا» لولا تدخل زوجته التي أنقذت المخطوطة من لهيب نيران المدفأة. اتسم «نابوكوف» بالحساسية الشديدة، ولذا لم يكن ليقبل أن تنشر روايته «لاورا» غير مكتملة من وجهة نظره.

وقبل وفاته في عام 1977، قدم «فلاديمير نابوكوف» مقتطفات من رواية «لاورا وأصلها» لزوجته «فيرا»، وطلب منها حرقها بعد وفاته. إلا أنها لم تملك الإرادة الكافية لتنفيذ وصيته

تلك. وبعد وفاتها قام ابنه الوحيد «ديمتري» بالاحتفاظ بالمخطوطة دون حرقها أو نشرها. وفي عام 2008، قرر «ديمتري» أن الوقت قد حان لإظهار رواية والده للقراء.

دستويفسكي

كاتب آخر روسي عظيم أقدم على هذا الفعل وهو «فيودور دوستويفسكي»، حيث قام بإحراق مخطوطات «الأبله» و«الشياطين» أثناء عودته إلى الوطن بعد رحلة إلى الخارج. 

وكان «دوستويفسكي» شديد القسوة على نفسه في تقييم أعماله الخاصة، ولم يكن يرضى بسهوله عما يكتب.

وعندما كان يشعر بعدم الرضى عن عملٍ ما كان يقدم على إحراقه بكل بساطة، ثم يبدأ في الكتابة من الصفر. وقام بذلك في أثناء كتابته لرواية «الجريمة والعقاب».

آنا إخماتوفا

ومن النساء هناك الشاعرة الروسية الشهيرة «آنا إخماتوفا» التي أقدمت على إحراق كتبها، ليس بسبب عدم رضاها عنها، بل لخوفها من التعرض للسجن؛ فقد عاشت الكاتبة فترة صعبة من الملاحقات والتشديد من قبل السلطات بالاتحاد السوفيتي. وكانت تقرأ قصائدها الخاصة على صديقتها «ليديا تشوكوفسكايا» قبل إحراقها، وعندما هدأت الأمور بعض الشيء حاولت استعادتها مرة أخرى بمساعدة صديقتها. ومن أشهر الأعمال التي قامت بإحراقها «سنوات شبابي» التي لم يبق سوى بعض المقتطفات منها.

بوريس باسترناك

كما قام الكاتب والشاعر الشهير «بوريس باسترناك» بحرق قصته «في هذا العالم» بعد أن تعرضت للنقد الشديد لضعفها الفني، إلا أنه قام بتضمين روايته الشهيرة» دكتور زيفاجو» بعضًا من مشاهدها فيما بعد. 

وأحرق «باسترناك» الكثير من أعماله الخاصة بسبب عدم رضاه عن مستواها. 

ميخائيل بولجاكوف

والأمر نفسه قام به الكاتب «ميخائيل بولجاكوف» الذي كتب يقول: «لقد قمت بنفسي بإلقاء مسودة رواية «الشيطان» في الموقد، وكان يقصد بها روايته الشهيرة «المعلم ومارجريتا»، وحدث ذلك بعد حظر عرض مسرحيته «مولير». 

كما اعترف الكاتب أكثر من مرة أنه «لجأ إلى موقد المدفأة كثيرًا» للتخلص من أعماله التي كان يعتبرها رديئة،

فقد التهمت نيرانها جزأين من روايته «الحرس الأبيض»، وفشل الكاتب في استعادتهما، كما أحرق الكثير من يومياته. أما روايته «المعلم ومارجريتا» فقد نجح في استعادة الكثير منها، بينما جمع العديد من أصدقائه القصاصات والمقتطفات التي كان يُرسلها إليهم يستطلع رأيهم فيها.

وبمحاولة معرفة الأسباب التي تؤدي إلى تلك الحالة، فإن العديد من الكتاب كانوا يقدمون على تدمير وحرق كتبهم حتى لا يطلع عليها أحد غيرهم، فالبعض لم يكن يثق فيما يكتب، والبعض الآخر كان يخشى أن ينتهي به الأجل وكتابه لم يكتمل على النحو الذي يريد أو يرضى. وفي النهاية، تبقى حقيقة أن «المخطوطة لا تحترق»، والأفكار تعيش أبدًا، وهناك من يحرص دومًا على إنقاذها.

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب