رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مواجهة زحام القاهرة

 

يعانى سكان القاهرة فى كل الأحياء، منذ شهر تقريبًا، من ازدحام خانق فى قاهرة المعز، بحيث أصبحت المعاناة فى الشارع يوميًا تعطل جميع المصالح، سواء العمل أو العلاج أو العزاء أو حتى المشوار العادى.

والغريب أن الزحام المرورى الخانق هذا ليس له موعد، لأنه مستمر طوال النهار حتى الساعة العاشرة ليلًا، ولأن بيتى يقع فى منطقة الجيزة، فإننى أرى تكدسًا مروريًا يوميًا، منذ الصباح الباكر على كوبرى عباس من الجانبين، الذهاب والعودة، دخولًا وخروجًا من القاهرة.

وفى اليوم الأول لهذا الاختناق المرورى، ظننت أن هناك سببًا ما له أو حادثة وقعت فى هذا الطريق، إذ كانت السيارات تقف ثم تتحرك بالكاد إلى الأمام، ولما سألت عرفت أن الزحام الخانق موجود منذ الصباح فى جميع أحياء القاهرة الكبرى.

ويبدو أن فيروس كورونا، مع استخدام الوسائل الإلكترونية فى الأعمال، ومع تخفيض عدد العاملين فى كل أماكن العمل، ومع عدم ذهاب الطلبة والتلاميذ للمدارس فى العام الماضى، فإن هذا قد أدى إلى تقليل نسبة الزحام المرورى فى الشوارع، ثم مع انتظام الدراسة وعودة الطلبة إلى المدارس والجامعات وعودة العاملين إلى الأعمال مرة أخرى، فإن هذا قد أعاد الزحام مرة أخرى وبشكل واضح ومثير للأعصاب والتوتر، حيث إن الشلل المرورى يتسبب فى إهدار الوقت، ويؤثر بالسلب على انتظام العمل، كما أنه يؤدى إلى تقليص فرص الاستثمار والتنمية والتقدم فى الأعمال، بل وأرى أنه سيتسبب فى حالة من الضغوط العصبية وسلوكيات سلبية بسبب هذا الزحام.

وكانت شبكة الطرق والكبارى التى تم إنشاؤها وتطويرها، قد بدأت تؤتى ثمارها، حيث أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء تقريرًا فى سبتمبر ٢٠٢١، بأن هناك انخفاضًا فى نسبة الزحام المرورى بالقاهرة الكبرى بنسبة ٤ فى المائة مقارنة بعامى ٢٠١٩ و٢٠٢٠، وذلك مرجعه تطوير شبكة الطرق والمواصلات.

ولا بد أن أشير إلى التزايد السكانى الذى نبهنا فى مقالات سابقة إلى أنه سيعرقل التنمية، وسيبتلع أى تقدم يحدث على أرض الواقع مهما زادت شبكة النقل أو الطرق، حيث إن القاهرة الكبرى تعانى من الزحام وازدياد عدد المترددين عليها فى كل عام، وينبئنا هذا بأوضاع أسوأ قادمة بسبب التزايد السكانى المستمر، إذ يبلغ عدد سكان القاهرة والمترددين عليها حاليًا أكثر من ٢٠ مليون نسمة.. مما يجعلها تعانى من اختناقات حركة السير وتلويث المناخ، ما يتسبب فى إهدار أكثر من ٨ مليارات دولار بسبب التأخير وتكلفة الوقود حسب تقرير للبنك الدولى فى ٢٠١٤.

وقالت وكالة فرانس برس الفرنسية إن المواصلات العامة بالعاصمة المصرية التى تتكون من حافلات ملوثة للبيئة وفى حالة سيئة و٣خطوط فقط للمترو غير قادرة على حل هذه الفوضى المزمنة، كما أن المشكلة المزمنة لا يستطيع معالجتها نظام المواصلات غير الرسمى، مثل: الميكروباصات، التوك توك، وأوبر وحتى السيارات الشخصية التى تجوب العاصمة المصرية، والتى لا يوجد إحصاء ذو مصداقية لعددها، هكذا لخصت وكالة فرانس برس الفرنسية جانبًا من الزحام المرورى بالقاهرة.

وجاء قرار الرئيس عبدالفتاح السيسى بإنشاء عاصمة إدارية جديدة شرق القاهرة للحد من الاختناقات، كما تم إنشاء جسور فى مناطق عدة فى القاهرة، مما يجعلنا نأمل فى انفراجة مرورية، لكن الانتهاء من العاصمة الإدارية لا يزال أمامه بعض الوقت، ولا بد من إيجاد حلول للقاهرة الآن وليس غدًا.

إلا أن الحل الأولى أو المبدئى كما أرى منذ أكثر من شهر ويوميًا لهذا الاختناق المرورى وتكدس الشوارع الذى نعانى منه، والذى ستكون له تداعيات سلبية على الحياة وعلى الاقتصاد- ما زال يكمن فى تحسين وسائل المواصلات العامة فى العاصمة، وبين يدى الآن تقرير حديث ومهم حول حالة الأوضاع المرورية الصعبة التى تعانى منها القاهرة صدر لنقابة المهندسين فى سبتمبر ٢٠٢١ يقول «إن الأزمات المرورية والازدحام يتسببان فى خسائر تصل إلى نحو ٤٠ مليار جنيه سنويًا»، وأكد التقرير أن «الميكروباص هو وسيلة النقل الأولى التى يتم اللجوء إليها فى القاهرة الكبرى، ثم أتوبيسات النقل العام ثم السيارات الخاصة فالمترو، وأن الخسائر تتمثل فى تعطيل ساعات العمل واستهلاك الوقود والتلوث البيئى، فضلًا عن نقص الاستثمار».

وأضاف التقرير أن «أزمة كورونا تسببت لفترة فى تقليل الاختناقات بنسبة تتراوح بين ٣٠ و٣٥ فى المائة لزيادة الاعتماد بشكل عام على العمل بشكل إلكترونى، فضلًا عن عدم ذهاب الطلاب للمدارس والجامعات لا سيما خلال فترة الحظر كإجراء احترازى لمنع تفشى وباء فيروس كورونا»، موضحًا أن «العجز فى أماكن الانتظار بالقاهرة يبلغ ٥٠٠ ألف مكان، وأن متوسط سرعة وسائل النقل فى القاهرة يبلغ ١٠ كيلومترات فى الساعة، فضلًا عن أن متوسط زمن رحلة الذهاب والعودة من الأعمال يبلغ ١٠٠ دقيقة، وهو وقت طويل جدًا».

كما عرض التقرير الهندسى د. أسامة عقيل، أستاذ هندسة النقل والطرق بجامعة عين شمس، فى ندوة نظمتها شعبة الهندسة المدنية بنقابة المهندسين عن موضوع «تحديث النقل الحضرى»، وقال خبير هندسة الطرق إن «الحل الأمثل للأزمة المرورية يكون بالتوسع فى استخدام وسائل النقل الجماعية مع توسيع وتطوير شبكات الطرق لتصبح شبكة متكاملة».

أما آخر إحصاء عن أكثر مدن العالم ازدحامًا فى إفريقيًا فأكد أنها القاهرة، مما يجعل منها مكانًا لا يستقطب الأعمال والصناعة.

إن عودة التكدس المرورى يوميًا مرة أخرى منذ شهر، والتى يعانى منها كل من فى القاهرة فى حاجة إلى حلول فى عدة أمور واضحة للعيان، فمن غير الممكن ترك هذا الزحام الخانق فى العاصمة؛ لأنه سيؤدى إلى شلل فى المرور فى القريب العاجل، وسيجعل الحياة لساكنى القاهرة مستحيلة، وسيعطل الأعمال وستتدهور الأحوال فى عدة مجالات وخدمات، وسنرى مشاجرات يومية مع الزحام فى الشوارع بسبب تلف الأعصاب وانتشار سلوكيات عدوانية بين المارة والسائقين وراكبى المواصلات العامة، وللأسف فإن من أسباب الفوضى الحالية أيضًا نقصًا واضحًا فى وجود رجال مرور ينظمونه ويمنعون الفوضى الحالية، فيندر أن تجد منذ أيام رجل مرور فى الشوارع المهمة، فالشوارع متروكة للفوضى وللبلطجة.

فأنا منذ أيام لم أرَ رجل مرور واحدًا مثلًا فى شوارع المهندسين، حيث عشرات الآلاف من السكان والمحلات والكافيهات والعديد من المستشفيات وعيادات الأطباء، ولم أرَ رجل مرور واحدًا فى شوارع الزمالك أو فى شوارع منطقة الدقى وفى منطقة قصر العينى أو فى وسط البلد، وعند جامعة القاهرة، أمس، كان المرور عصرًا شبه متوقف من شدة الزحام، ولم أستطع الوصول إلى موعد كشف طبى ضرورى وعلاج مهم لى، وذلك لوصولى متأخرة، فقد استغرق الطريق من الجيزة إلى المهندسين ساعة كاملة، ووصلت بعد موعد إغلاق عيادة الطبيبة، وهذا لا يحدث لى أنا فقط، بل كل الذين يعيشون فى مدينة القاهرة ويعملون بها، حيث أصبح الزحام خانقًا والتكدس المرورى مرعبًا ومهدرًا للوقت والطاقة والأعصاب، وكأن القاهرة قد تحولت إلى جراج كبير مكتظ بالسيارات.

إن القاهرة أو العاصمة المصرية التى كانت ذات يوم من القرن الـ١٩ فى العشرينيات والثلاثينيات قد اختيرت كأجمل عواصم العالم، وكانت كل ليلة يتم غسل شوارعها بالماء والصابون، وكان على جانبى طرقها أشجار وارفة، وكان بها سكان يسيرون فى شوارعها فى أبهى أناقة وبها مبانٍ تراثية يندر أن تجد مثلها فى العالم، وبها حدائق لنزهة العائلات وأندية أنيقة لممارسة الرياضات والحياة الاجتماعية الزاهرة- هذه القاهرة كما نراها جميلة وأنيقة ومزدهرة فى أفلام السينما الأبيض والأسود فى الأربعينيات والخمسينيات والستينيات من القرن العشرين لم تعد هى نفسها ما نراه الآن.

فالقاهرة تعانى وتئن من شدة الزحام ومن الإهمال ومن عدم العناية بها، وهى فى حاجة إلى علاج ينقذ أهلها من الاختناق المرورى ومن التلوث ومن قلة رجال المرور، ومن الضرورى أن يبدأ المسئولون بالنظر فى تطوير منظومة وسائل المواصلات العامة بوسائل تسع عددًا أكبر وبتنظيم المرور بحيث يصبح آدميًا.

وعلى الحكومة أيضًا أن توفر سيولة مرورية تسهل الأعمال والحياة، وتنشط الاقتصاد وتسهم فى جذب الاستثمار والسياحة، ولا بد من توفير رجال المرور، وبناء جراجات متعددة الطوابق فى عدة مواقع منعًا لتكدس السيارات الرهيب فى الشوارع.

إن لدينا عقولًا فى مصر وخبرات يمكن الاستعانة بها لحلول عاجلة لفك الزحام الخانق وإحداث انفراجة مرورية للشوارع، إن هذا ممكن، لكنه بيد المسئولين الذين نأمل أن يبدأوا فى إنقاذ أهل القاهرة من المعاناة اليومية التى يواجهونها فى الحياة فى داخل قاهرة المعز.