رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ألفريد بتلر يكشف أسرار وكواليس البلاط الملكي المصري

الحياة في البلاط
الحياة في البلاط الملكي المصري

واظب أفراد الأسرة العلوية خلال حكمهم لمصر علي استقدام الأجانب من جنسيات متعددة، ليعهدوا إليهم بتربية وتعليم أولادهم، استدعى الخديوي محمد توفيق، ألفريد جاشوا بتلر، عضو هيئة التدريس بكلية براسنوز البريطانية، لتعليم أولاده، وليكون في رفقة الأسرة السنية.

وفي كتابه "الحياة في البلاط الملكي المصري"، والصادر عن دار غراب للنشر والتوزيع، بترجمة وتحقيق دكتور محمد عزب، ودكتورة مي موافي، وهي الترجمة التي تصدر لأول مرة بالعربية، يرصد ألفريد جاشوا بتلر، ملامح الحياة الاجتماعية والسياسية في مصر، حيث انكب على دراسة التاريخ والآثار القبطية والإسلامية وشهد مقدمات الثورة العرابية، حتى أن ما يذكره عن "خيالية" مشهد عرابي أمام قصر عابدين ومقولته "لقد خلقنا الله..." يوافق ما ذهب إليه الكثيرين من المؤرخين المصريين.

ومن أهم الملامح التي يوثقها "بتلر" في كتابه صورة المرأة المصرية وأحوال النساء في مصر خلال الفترة التي قضاها، مقارنة بزوجات الخديوي والبلاط الملكي وحاشيته، مرورا بوجود العبيد والجواري في البلاط الملكي. وفي هذا الصدد يكشف "بتلر" عن كراهية الخديوي توفيق لنظام الرقيق الذي كان موجودا ومتعارف عليه من قبله بمئات السنين. 

يقول "بتلر": استقر في ضميري أن الخديوي في قرارة نفسه يكره العبودية. أريته ذات مرة خطابا منشورا في صحيفة "التايمز" من أمين سر الجمعية البريطانية الخارجية لمكافحة تجارة الرقيق أشار فيه إلى ما أورده مراسل مدينة جدة من أن هناك زيادة في الرق بعد رحيل "جوردون" من السودان.  

ــ لماذا تأخر قرار منع العبودية حتى مجيئ الخديوي إسماعيل؟
يلفت "بتلر" إلى أنه: أقر الخديوي توفيق بأسفه أن هذا الأمر ــ  زيادة في الرق بعد رحيل "جوردون" من السودان ــ قد يكون حقيقيا، وأعرب عن أسفه إزاء ذلك. وأخبرني أن السير "مالت" نصحه بإصدار قرار فوري ينص على إلغاء الاسترقاق ويكون نصه مقتضبا على النحو التالي: "صار العبيد كلهم أحرارا"، لكنه وجد أن من المستحيل إحداث مثل هذه الثورة في لحظة. تكمن صعوبة اتخاذ مثل هذا القرار في أن نظام الرق متشابك ــ ليس مع نظام الجواري فحسب ــ وإنما مع ديانة المسلمين، الأمر الذي جعل من الصعوبة إلغاؤه دون تفكيك النسيج الاجتماعي بأسره، أما عن الخديوي توفيق فهو لم يبتاع عبدا قط، لكنه لم يجد بدا من أن يرث بعض عبيد وإماء والده عند توليه العرش.    

ويضيف "بتلر": حصل كل من يصنفون بعبيده علي ليرتين كأجر شهري بالإضافة إلى الطعام والكسوة. لم تكن هناك ثمة مبالغة في بعض تجارة الخصي والاستياء منها، ولكن الناجون من تلك الممارسات حظوا بمداعبة وملاطفة النساء، وغالبا ما تمتعوا بالثراء الفاحش والسلطة. بلغت ثروة "خليل أغا" مثلا، الذي كان رئيسا للخصي لدى الخديوي إسماعيل، عند موته 100000 ليرة. لقد سألت الخديوي عن مصير الزوجات في غياب عبيد وحراس الحرملك، فأجاب على الفور أن النساء كن سيبادرن بالمطالبة بجميع حقوقهن، فرددت عليه قائلا إنه قد يحدث فقط في البداية سوء استغلال للحرية الممنوحة، لكن بعد فترة وجيزة، وعندما تحصل النساء على قدر أعلى من التعليم فلا أرى مانعا من أن يتصرفن مثل النساء الأوروبيات.    

ــ الخديوي توفيق ينشأ مدرسة ثانوية لتعليم الفتيات
ويتابع "بتلر": لقد أدرك الخديوي توفيق أهمية التعليم فأنشأ مدرسة ثانوية لتعليم الفتيات بالقاهرة، لكن فكرته عن أخلاقيات النساء المسلمات كانت متدنية للغاية، فقد رأي أنهن يتحدثن بلا توقف ويحلمن ويدبرن المكائد الشهوانية. أخبرني جلالته أن النساء في تركيا يتمتعن بقدر أكبر من الحرية، فنادرا ما يضعن الحجاب. كما أن باستطاعتهن أيضا النزول والتجول في الشوارع، وكذلك التحدث مع الرجال في الأسواق، لكنهن فضليات.

لقد قص علي ما حدث في السوق لرجل تركي ذي مرتبة سامية. حدث ذلك في مدينة أسطنبول حين كان الرجل برفقة أحد أصدقائه وأعجب بفتاة فاتنة الجمال. حاول تقبيلها، لكنها استدارت في حنق شديد وسبته بأقذع الألفاظ وصرخت في وجهه مما جعله يلوذ بالفرار. قد يكون التبرير الطبيعي لمثل هذه القصة أن الرجل لم يكن ليقدم على تلك الفعلة بهذه الجرأة إذا علم أنه سيواجه هذه العفة والفضيلة، لكن الأتراك لا يفكرون في مثل هذه الحالات. أعرف تركيا في لندن على استعداد أن يلقي بنفسه على الأرض أمام أي امرأة حسناء في "هايد بارك" ويتوسل إليها أن تطأ مملوكها بقدمها.