رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«تفاوض تحت النار».. محمد منصور يكشف سيناريوهات الأوضاع المقبلة بين روسيا وأوكرانيا

الباحث محمد منصور
الباحث محمد منصور

قال محمد منصور الباحث بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، إن معظم الأطراف المنخرطة في الأزمة الأوكرانية، تمارس بشكل فعلي سياسة "حافة الهاوية"، وتحاول ممارسة أقصى ضغط ممكن على الأطراف الأخرى.

وأضاف منصور في تصريح لـ"الدستور" أن وسائل الضغط لا تقتصر فقط على الحشد العسكري أو إرسال الأسلحة والمعدات الهجومية، بل تتضمن أيضاً حرب دبلوماسية وإعلامية شديدة الوطأة، يتبادل فيها معسكر موسكو وكييف الاتهامات والادعاءات، وكذلك تتبادل فيها الدول سحب الرعايا والدبلوماسيين، والتحذير من قرب بدء العمليات، وهي تضع في ذهنها تجربة وهنا لابد حرب أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا بين موسكو وتبليسي، التي اندلعت عام 2008 خلال الألعاب الأولمبية المقامة في الصين، ولعلها مصادفة ذات مغزى أن يكون تاريخ 20 فبراير الجاري، هو موعد حفل ختام أولمبياد بكين الشتوية، وهو اليوم نفسه المقرر فيه انتهاء المناورات العسكرية المشتركة بين روسيا البيضاء وروسيا.

وأكد أنه رغم هذا الوضع إلا أنه يمكن بوضوح أن نرى مدى التفوق الروسي في الإطار التكتيكي العسكري، عبر المناورة السريعة والفعالة بالقوات على التخوم الأوكرانية، بشكل لم يوفر للجانب الغربي رغم عمليات الاستطلاع الجوي المستمرة لطائرات حلف الناتو في سماء أوكرانيا من تحديد العدد الدقيق للقوات الروسية المنتشرة في هذا النطاق، أو حتى تحديد الاتجاهات الهجومية التي من الممكن ان تتبعها في حالة بدء هجومها على الأراضي الأوكرانية، خاصة بعد ان ادخل التواجد الروسي في روسيا البيضاء، المحور الشمالي إلى المحاور الهجومية الأخرى المحتمل أطلاق الهجمات منها، سواء من الشرق او الجنوب أو الجنوب الغربي.

وتابع منصور: "إضافة إلى ذلك حقائق مهمة لابد من وضعها في أذهاننا لفهم ما يحدث حاليا على الحدود المشتركة بين البلدين، أبرزها حقيقة ان موسكو فعلياً لها تواجد على الأراضي الأوكرانية، عبر حلفائها من القوات الانفصالية الأوكرانية المتواجدة في نطاق إقليم "الدونباس" شرقي أوكرانيا، الذي يضم مقاطعتي "لوهانسك" و"دونيتسك"، وبالتالي هي لا تحتاج إلى إطلاق عمليات عسكرية رئيسية باستخدام قواتها النظامية، وستلجأ قطعاً لتعزيز القوات الانفصالية والإيعاز لها بالتحرك الهجومي، في حالة ما اذا إرادت التصعيد الميداني ضد كييف، علماً ان موسكو زودت هذه القوات بالفعل بمنظومات للدفاع الجوي وتسليح جيد.

واستكمل أن النقطة الثانية في هذا الصدد، تتعلق بتحسس موسكو بعض التباين في مواقف عدة دول أوروبية من التصعيد الحالي،  ناهيك عن تقلص حدة الموقف الأوكراني الرسمي، على خلفية خيبة أمل كييف من محدودية الدعم العسكري الغربي الذي تلتقته حتى الآن.

وأوضح منصور أنه بشكل عام، لم تعزز القوى الغربية الجبهة العسكرية الأوكرانية بشكل نوعي، فالخطة الأوكرانية الأساسية في هذا الصدد، تعتمد على تشكيل وحدات شبه عسكرية من المدنيين، في إطار ما يمكن وصفه بأنه "مقاومة شعبية"، تخطط كييف لإطلاقها ضد القوات الروسية حال دخولها للأراضي الأوكرانية. هذه الخطة كانت - بطبيعة الحال - منسقة بشكل كامل مع العواصم الغربية المختلفة، وتولى تنفيذها القائد العسكري المعروف في اوكرانيا يوري جالوشكين، الذي قاد المعارك ضد القوات الانفصالية المدعومة روسياً في إقليم دونباس عام 2014. وقد رصدت الحكومة الأوكرانية مؤخراً مبلغ 420 مليون دولار لزيادة المرتبات الشهرية للأفراد العسكريين، ومحاولة لوصول بالأعداد الجاهزة للقتال إلى نحو 2 مليون مقاتل.

وأشار منصور إلي أن هذه الخطة تعتمد بشكل أساسي على فكرة طرحها وزير الدفاع الأوكراني، مفادها أن أفضل طريقة "ممكنة" لتنفيذ دفاع فعال ضد أي هجوم روسي، هو بإطلاق عمليات حرب العصابات ضد وحدات المشاة وكتائب الدبابات الروسية، عبر مئات المتطوعين المدنيين الذين تقودهم وحدات القوات الخاصة الأوكرانية، بهدف لخلق بيئة ميدانية تعاني فيها القوات الروسية من خسائر بشرية مستمرة، لكن تحتاج هذه الخطة  إلى كميات كبيرة من الذخائر والأسلحة، وهو ما يجعل الحاجة ماسة للدعم الغربي من اجل سد هذه الفجوة.

وتابع منصور الخطوة الأمريكية الميدانية الأساسية التي تم اتخاذها دعماً لأوكرانيا حتى الآن، تتلخص في اقرار مساعدات عسكرية عاجلة بقيمة 200 مليون دولار، وقد بدأت واشنطن إرسال هذه المساعدات بالفعل إلى أوكرانيا، متضمنة صواريخ "جافلين" المضادة للدبابات وذخائر أخرى. كما منحت واشنطن الأذن لبعض الدول الحليفة، كي تزود أوكرانيا بمساعدات عسكرية طارئة، حيث تقوم أستونيا ولاتفيا وليتزانيا وبريطانيا حالياً بتزويد أوكرانيا بالمزيد من صواريخ "جافلين"، وصواريخ "ستينجر" المضادة للطائرات، والصواريخ السويدية الصنع المضادة للدبابات من نوع "NLAW".

ولفت منصور إلي أن هذا الدعم التسليحي لم يلاقي طموحات كييف، ولهذا لم يكن مستغرباً أن يبدي الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي، مواقف متعارضه مع مواقفه السابقة من الحشود الروسية لتي أعلنها خلال الأسابيع الأخيرة، وهو ما أن وضعناه جنباً إلى جنب مع مواقف بعض الدول الأوروبية مثل ألمانيا وفرنسا وكرواتيا والمجر، قد نصل إلى قناعة بأن "محور" الولايات المتحدة الأمريكية في هذه الأزمة، بات يعاني من تصدعات متزايدة.

واستدرك منصور "فزيلينسكي الذي كان أول من نبه إلى وجود احتمالات جدية لقيام روسيا باجتياح أراضي بلاده، بات مواقفه وعدد من أركان حكمه، تدفع في اتجاه عدم ترجيح حدوث هذا الاجتياح، خاصة تصريحات وزير الدفاع الأوكراني إليكسي ريزنيكوف الشهر الماضي، خلال إحدى جلسات البرلمان، حيث قطع ريزنيكوف بأن تقديرات الحكومة الأوكرانية باتت تشير لعدم وجود احتمالات جدية لتدخل عسكري روسي، في ظل انسحاب القوات التي يتم حشدها بعد ان تقوم بالتدريبات المنوط بها تنفيذها، واعتبر وزير الدفاع الأوكراني أن القوات التي حشدتها موسكو حالياً لا ترقى لأن تشكل "قوة هجومية ضاربة" تسمح بشن هجوم واسع النطاق على بلاده".

واختتم منصور تصريحاته قائلا "رغم قناعة بعض الأطراف الأوروبية، بأن ما يحدث حالياً هو "تفاوض تحت النار"، بين موسكو التي تريد ضمانات امنية وسياسية بعدم توسع حلف الناتو شرقاً، وعدم تواجد أسلحة أوروبية نوعية على تخومه الغربية، وبين الولايات المتحدة وحلف الناتو، اللذان ينظران إلى أوكرانيا على أنها الجبهة الأساسية التي يمكن من خلالها إزعاج موسكو في أوروبا الغربية، إلا أن الأطراف المنخرطة في هذا النزاع، تطرح سيناريو استمرار الحشد والحشد المضاد، دون الوصول إلى نقطة الصدام المباشر، والذي حتى ان حدث، سيكون من المرجح ان يكون اشتباكاً غير مباشراً، اي انه سيكون بين القوات الإنفصالية والجيش الأوكراني، ومن خلفهما موسكو والغرب، وهذا ما سيتضح خلال الشهر الجاري، خاصة بعد إنتهاء مناورات الجيش الروسي في روسيا البيضاء".