رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«ست بمليون راجل».. «أم عبير» تُنفق على أولادها من الجبنة القديمة (صور)

أم عبير
أم عبير

توفّى زوجها وترك لها ولدين دون أموال تعينهم على الحياة، لأنَّه كان بسيط الحال، حيثُ عملت على توفير حياة كريمة لأولادها بعد وفاة الزوج، وسعت وراء رزقها كي تحصل على بضع جنيهات لكفالة أسرتها البسيطة في حقيقة الأمر.

«أم عبير» ضربت مثالاً كبيرًا في الحياة الإنسانية، ويُطلق عليها عبارة «ست بمليون راجل»، لم تستنجد بأحد في مراعاة أبناءها الصغار بعد وفاة زوجها، وقامت وحدها بالبحث عن لُقمة العيش في ظروف قاسية كانت تمُرّ عليها.

فعلى أحد الأرصفة بمدينة كفر الشيخ تجلس تلك السيدة العجوز، البالغة من العمر 63 عامًا، تبيع «الجبنة القديمة والمش» مُقابل مبلغ بسيط من المال للنفقة على نفسها وأهل بيتها ومساعدة أولادها.

ولأنَّ السيدة نشأت وتربت في قرية بسيطة ريفية بمحافظة كفر الشيخ؛ فلم يكن أمامها سبيل سوى النظر إلى ما يُمكنها فِعلها ولا يُكلّفُها كثيرًا، حتى تجمع الجنيهات للنفقة على أولادها، فبدأت «ببلاّص جبنة قديمة».

منذُ عشرون عامًا، وتعمل «أم عبر» في هذا المشروع البسيط، للنفقة على أولادها بعد وفاة زوجها، الذي ترك لها وصيّة الأولاد ومراعاتهم جيّدًا حتى يكونوا آمنين في حياتهم.

تستيقظ العجوز من منامها عند دقات عقارب الساعة التي تُشير نحو موعد صلاة الفجر، تلملم أغراضها وتربط عليها الأقمشة، فاصلة بين كل نوع وآخر من المصنفات، ثُمَّ تستقل «توكتوك» وتذهب قبل طلوع النهار متوجه ببضاعتها إلى مكان «أكل العيش» في غرب مدينة كفر الشيخ، لتبدأ في عملية البيع لمنتجاتها البسيطة، والتي اعتاد الناس على شرائها منها.

تجلس السيدة وإلى جوارها «جرادل بلاستيكية» بها أنواع كثيرة من «الجبنة القديمة والمش» وغيرهم من المنتجات المشهورة بين الفلاحين المهذبين، للحصول على بعض الأموال للإنفاق على أولادها وتوفير معيشة كريمة تُغنيها عن الفقر.

تقول «أم عبير» إنَّها بدأت مشروعها بـ«بلاّص جبنة» واحد، ثُمَّ بعد ذلك زاد العدد مع الأيام، مؤكدة أنَّ الله يرزقها آخر اليوم بجنيهات تكفيها لتربية الأولاد وتكون راضية بهذا، مُعبّرة عن قناعتها بالمقسوم والرزق التي تتحصّل عليه من ربّ العباد في آخر كُل يوم.

12 ساعة عمل

ما يقرب من 12 ساعة تقضيهم السيدة على هذا الرصيف لبيع بضاعتها دون زهق أو ملل، لتوفير قوتها اليومي، وليس لها إجازات اسبوعية؛ فهي تعمل على مدار الأيام والأسبوع، وعندما تنتهي من بيع بعض التي عزمت على بيعه، ترجع إلى بيتها ببعض الجنيهات لسد حاجة أولادها.

سنوات عديدة من الشقاء والعناء بين حرّ الصيف وبرودة الشتاء في سطوع النهار وأنصاف الليالي، قضتهم السيدة العجوزة من أجل الإنفاق على أولادها، فتلك هي الوسيلة الوحيدة التي تستخدمها وتقدر على العمل فيها.

40 جنيه للكيلو

تبيع «أم عبير» الجبنة القديمة بـ40 جنيًها للكيلو الواحد، بينما 20 جنيهًا لـ«المش» ومثلهم لـ«المورتة»، وتعمل على صناعة هذه المنتجات في بيتها، حيثُ اعتادت على شراء الألبان والقشطة من الفلاحين وتقوم على خضها وحرقها وتكوينها داخل «بلاّص الجبنة» الخاص، فضلاً عن الزبدة الفلاحي التي تُبدع في صنعتها من «اللبن الرايب».

«يرزق ولا يُهمل» جملة تقولها السيدة الستينية دائمًا على لسانها، راضية بحال الله وزقه الذي يسع كل شيء، لتُعطي في الرضا أمثلة، وتُبين أنَّ الرزق مكتوب وأنَّ الله يرزقُ من يشاء بقدر ما قسمه له.

ولا تزال تجلس السيدة على الأرصفة وتبيع الجبنة القديمة و«المش» وغيرهم من المنتجات للإنفاق على أولادها، وأصبح الناس يعرفون مكانها ويأتون إليها من كل مكان لشراء الجبنة.