رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أن يزورنا رئيس جيبوتى

على القاهرة، حلّ الرئيس الجيبوتى إسماعيل عمر جيله، ضيفًا عزيزًا، فى زيارة استمرت يومين. وخلال رابع قمة تجمعه بالرئيس عبدالفتاح السيسى، جرى تناول عدد من القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك، واستعراض جميع أوجه التعاون القائمة بين البلدين الشقيقين، وكيفية تطويرها، لترتقى إلى مستوى العلاقات السياسية المتميزة. كما شهد الرئيسان مراسم التوقيع على عدد من مذكرات التفاهم فى مجالات التشاور السياسى، والطاقة والموارد المتجددة، وإنشاء المنطقة اللوجستية المصرية فى جيبوتى. 

المصريون القدماء وصلوا إلى هذا الجزء من القارة السمراء، سنة ٣٠٠٠ قبل الميلاد، أى منذ أكثر من ٥ آلاف سنة، كما كانت مصر من أوائل الدول التى افتتحت سفارة لها ‏فى جيبوتى، بعد استقلالها. ومع ذلك، لم يقم أى رئيس مصرى، قبل الرئيس السيسى، بزيارة الدولة الشقيقة، العضو النشط فى جامعة الدول العربية والاتحاد الإفريقى ومنظمة التعاون الإسلامى، التى جعلها موقعها الاستراتيجى، على مضيق باب المندب، مدخل البحر الأحمر والمحيط الهندى، قاعدة أساسية لمكافحة الإرهاب والقراصنة. 

مع التحركات الكثيرة، التى قامت بها مصر، لتغيير آليات التعاون الدولى، واستعادة دورها المحورى فى محيطيها العربى والإفريقى، بدأت مرحلة جديدة من العلاقات مع جيبوتى، فى يونيو ٢٠١٤، وذهب إليها خبراء «الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية»، وصار بين البلدين تنسيق وتشاور دائمان، حسب تأكيد الرئيس الجيبوتى، خلال زيارته للقاهرة فى ٢٧ مارس ٢٠١٥، لحضور القمة العربية، التى استقبله خلالها الرئيس السيسى، وبحثا معًا سُبل دعم العلاقات بين البلدين. وفى العام التالى، تحديدًا فى ٢٦ ديسمبر ٢٠١٦، زار الرئيس «جيله» القاهرة، مرة أخرى، وعقد جلسة مباحثات ثنائية معمقة مع الرئيس السيسى، كما قام بوضع حجر الأساس لمبنى سفارة بلاده الجديد فى مدينة القاهرة الجديدة.

فى هذا السياق، قام الرئيس السيسى بزيارته التاريخية، الأولى لرئيس مصرى، إلى جيبوتى، فى ٢٧ مايو الماضى. وخلال قمتهما الثالثة، تبادل الرئيسان الرؤى حول أهم تطورات القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك، وناقشا مختلف الملفات المتعلقة بالتعاون وسبل تعزيز العلاقات الثنائية، خاصةً الأمنية والعسكرية والاقتصادية، واتفقا على أهمية الانطلاق بعلاقات البلدين إلى آفاق جديدة، وتطوير أطر التعاون فى شتى المجالات، وفى مقدمتها المجالات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية والصناعية والصحية، بالإضافة إلى القطاعات السياحية والأمنية والثقافية، وقطاعات الطاقة والنقل والبنية التحتية وبناء القدرات.

بهذه الخطوات، وبخطوات أخرى، جرى تدارك أو تصحيح خطأ جسيم، بدأ منذ إعلان استقلال جيبوتى سنة ١٩٧٧، واستمر حتى منتصف ٢٠١٤. وعليه، واستمرارًا للتواصل والتنسيق، اللذين استمرا بين البلدين على مختلف الأصعدة، اتفق الرئيسان، خلال لقائهما أمس الأول، على أهمية تطوير مشروعات التعاون الثنائى خلال الفترة المقبلة، خاصة فى قطاعات البنية التحتية والطاقة والصحة والطيران والتعليم والمشروعات الصغيرة والمتوسطة، إضافة إلى زيادة الاستثمارات البينية والارتقاء بمعدلات التبادل التجارى، وتكثيف برامج الدعم الفنى المقدمة إلى الجانب الجيبوتى، وتنويع وتعزيز أطر التعاون المشترك فى المجالين العسكرى والأمنى، بالإضافة إلى التعاون فى مجال مكافحة الفكر المتطرف، وتأهيل الدعاة عبر نشر قيم الإسلام الوسطية، من خلال المؤسسات الدينية العريقة بالبلدين، وعلى رأسها الأزهر الشريف.

المحادثات، حسب وصف الرئيس السيسى، «اتسمت بالصراحة والشفافية، وعكست مدى تقارب وجهات النظر، حول الكثير من الملفات والقضايا الثنائية والإقليمية». وحظيت الأوضاع الإقليمية فى منطقة القرن الإفريقى، وأمن البحر الأحمر، بأولوية كبيرة فى ضوء ما تحتويه من بؤر توتر، من الواجب احتواؤها، والعمل على ترسيخ الأمن والاستقرار، فى تلك المنطقة المهمة من قارتنا. وأكد الرئيسان أهمية تفعيل التعاون والعمل على تعزيز المصالح المشتركة وتحقيق التكامل بين البلدين.

.. ولا يبقى غير الإشارة إلى أن الرئيسين تباحثا، أيضًا، بشأن آخر تطورات أزمة السد، الذى تبنيه إثيوبيا على الرافد الرئيسى لنهر النيل، وتوافقا على ضرورة تعزيز التنسيق والتشاور، لمتابعة تلك التطورات. ويمكنك أن تضيف إلى ذلك أن جيبوتى هى الميناء البحرى الرئيسى للواردات والصادرات الإثيوبية، وأنها تتفق مع مصر على ضرورة تسوية أزمة ذلك السد بالشكل الذى يتفادى تأثيرها السلبى على أمن واستقرار المنطقة.